أيها الناس .. عُوا ..عوا.. الخراب على الباب .. !
كلمات إلى .. أحفاد مُّح نْ عْبْدْ الْكْريمْ[1] و إلى وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية ..
باسم الله الرحمن الرحيم
” و العصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات وتواصوا بالحق و تواصوا بالصبر . ” صدق الله العظيم .
” الحق و الصبر” .. قيمتان من أهم القيم السامية الإسلامية و الإنسانية ككل . والحق هو إسم من أسماء الله الحسنى . وقيل لرسول الإسلام (ص) : هل يزني المؤمن؟ قال نعم .. هل يسرق المؤمن ؟ قال نعم .. هل يكذب المؤمن؟ قال لا !. من هنا صفته و لقبه المستحق ” الصادق الأمين ” .
في سياق الحكمة البشرية العقلية، التي تقترب لوجاهتها من الحكمة المقدسة، نورد قولا لأرسطو عن أستاذه أفلاطون : ” أحب أفلاطون .. لكني أحب الحقيقة أكثر . ” .
مناسبة هذا الكلام هو ما يجري من حراك في الريف الأشم، ريف الرمز الأممي محمد بن عبد الكريم الخطابي ورفيقه البطل القائد، الشهيد الاستشهادي؛ أحمد أوخريرو و تلميذهما البطل الضابط جيش تحرير المغرب العربي؛حدو أقشيش، المختطف مجهول المصير حتى اليوم و غيرهم من شهداء و مجاهدي ملاحم ضهر أوبران وأنوال والعروي .. وغيرها من الوقائع، على مر سنوات من حرب العصابات التي أطـــــــرها
” قسم قاما “ المجيد .
كانت هذه الكلمات ستتوجه إلى أحفاد “مُّح نْ عْبْدْ الْكْريْم”[2] خاصة لفتح نقاش جدي حول حراك الريف المبارك الذي يجب الحرص على ألا يضيع كما ضاعت حراكات كثيرة قبله و آخرها حراك 20 فبراير المأسوف على مآله و الذي لم يبق منه إلا درسه و العبرة به والاستفادة من أخطائه .. كانت هذه هي النية في البداية والهدف من هذه الكلمات . لكن مستجد “المسجد” بمدينة الحسيمة يومه الجمعة فاتح رمضان الكريم 28 مايو2017 جعل موضوع هذه الكلمات الأولية ينشطر في اتجاهين متعاكسين؛ الاتجاه الأول المقصود فيه حراك الريف من خلال قائده السيد ناصر الزفزفي والاتجاه الثاني المعاكس و المعنية به الحكومة من خلال وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق .
لذلك وجب التنبيه إلى أن الخطاب، وهو يتوجه للشخصين، فهو، في الواقع موجه لما يمثلان . و قبل البدأ، أود أن أذكر بأن روح هذه الكلمات هو من أهم ما تعلمته من والدي رحمهما الله، وهو أن أبقى على الدوام، أقول الحق و أتحمل التبعات بالصبر اللازم ـ كما كان يؤكد الوالد، و لو أدى ذلك إلى الاستشهاد، كما كانت تضيف الوالدة .كما أن الخيط الذي تنتظم فيه هذه التذكيرات والإشارات هو درس تعلمته من أحد أبناء الريف البررة الذي كان يمثل استمرار الخط الخطابي بن عم محمد بنعبد الكريم، الدكتور عمر الخطابي الذي ربطتني و إياه علاقة خاصة طيلة 11 سنة الأخيرة من عمره . كان المرحوم يقول و يعيد : Sans rancune Ni Complaisance ! ( بلا ضغينة و بلا محاباة !) .. بالتالي فهذا قول لا نريد به غير وجه الله و هو أعلم بذات الصدور .
1 ) بالنسبة للسيد أحمد التوفيق وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية :
في بيانك، السيد الوزير، حول ما حدث بمسجد الحسيمة، أكدت على حرصك على الدين الإسلامي و على حسن أداء الشعائر وتحدثت عن الفتنة و ما جاورها و حملت انتفاضة أهل الريف و زعيمها السيد ناصر الزفزافي مسؤولية ما حصل في المسجد .. و و و … الخ .
الفتنة حاصلة و ستؤدي للكارثة، لاقدر الله .. و ما حدث يوم الجمعة ليس إلا تجل جزئي للإرهاصات الأولية للمحنة المركبة القادمة التي لا تختلف في شيء عن المحن و المآسي التي يعرفها الشرق العربي والإسلامي و ها هو يصل إلى المغرب الكبير و ما يجري باليبيا من خراب و تونس من اهتزازات و آخرها أحداث تاطوين و ما يحضر للجزائر قبل و خلال و بعد إعلان المدعو فرحات مهني “دولة القبايل” داخل الكنيسيت الصهيوني سنة 2012، و كذا مسيرة الحراطين في موريطانيا و ما يحضر لنا في الريف و الجنوب الشرقي ( أسامر ) و في سوس أما في الصحراء فنحن غارقين فيها منذ 1975 و ما نزال …
هناك ــ كما قلت السيد الوزير ــ بوادر الفتنة، لا بل إنها ابتدأت .. لكن من يتحمل مسؤوليتها ؟ من هم أطرافها ؟ هل حراك الريف و ناصر الزفزافي هما اللذين يتحملان تبعات ما جرى يوم الجمعة و قد يتطور بعد الجمعة، في الريف و في غيره، إلى ما لا تحمد عقباه ؟ من يجر للفتنة ؟ هل هي جهة أخرى تسللت للحراك في الريف وتحاول أن تحرف المسار على سكة المطالب العادلة و المشروعة لأهل الريف ؟ ماذا يمكن أن تكون هذه الجهة ؟ ماذا يمكن أن تكون أهدافها من هذا التسلل و من حرف مسار الحراك ؟ . هل السلطة؛ أي الدولة، بريئة مما يجري ؟ أم أن لها مسؤولية ما ؟ ما هي نسبة قسط المسؤولية التي تتحملها الدولة ؟ و أين تتجلى هذه المسؤولية ؟…الخ
هذه جملة من الأسئلة سنحاول الإجابة عنها في الأوراق و ” الكلمات ” القادمة بحول الله لأن مجال هذه الورقة لا يتسع لها . و نكتفي بهذا السؤال الإنكاري نلقيه عليك السيد الوزير مباشرة :
هل يمكن أن يكون لكلامك أي قدر من المصداقية، السيد الوزير، و القيم على أملاك الأوقاف بالرباط، عاصمة البلاد، يهودي صهيوني قريبُ وزير الداخلية الحالي في حكومة نتانياهو؛ أريي أدرعي ..؟ عن أي حرص على الدين و على الشعائر تتحدثون ؟ نكتفي بهذا في هذه الورقة و قد نعود لمساءلتك كذلك، بخلفيتك كمؤرخ بدأت أطروحتك للدكتوراه في موضوع ” أصول حرب الريف ” قبل أن تتبادل الموضوع مع أستاذك المشرف ” جيرمان عياش ” و تواصل البحث في ما بدأه هو حول إنولتان في ق 19 .
1 ) بالنسبة للسيد ناصر الزفزافي قائد حراك الريف :
السلام عليكم و رحمة الله السيد ناصر .. لم يحصل لي شرف التعرف عليك .. و الواقع أنني حاولت أن أتلمس بعضا من معلومات عنك من مصادر موثوقة وذات مصداقية . ولما لم أفلح، وأمام كثرة الإشاعات التي لا يتقبلها عقلي عنك، حاولت أن أستنبط ملامح شخصيتك و مدى صدق قولك عبر نبرة حديثك ومحاولة قراءة سيميولوجية لحركاتك قبل كلمات و جمل خطاباتك . و الحقيقة أنني مرتبك في استنتاج و حسم الرأي، لكنني أؤكد لك أني رجحت النزوع لتصديقك، حسيا، لا عقليا، لاسيما أن المطالب التي تعبر عنها باسم الحراك مشروعة و جد معقولة في مضمونها و إن كانت لنا تحفظات في شكلها، نعتقد أنك لن تختلف معنا فيها، إذا نحن تطارحناها بصدق وعقلانية وهدوء، لأن المعركة التي لكم شرف إطلاقها، هي معركة كل مغربية حرة و كل مغربي حر .
آثرتم، السيد ناصر، أم القضايا؛ وهي الكرامة . و أذكركم هنا بمقولة ” العمود الفقري “ التي قالها واحد من أسود الريف د.عمر الخطابي رحمة الله عليه . و مؤدى هذه المقولة هي أن المخزن نزع من المغاربة أعمدتهم الفقرية فأصبحوا من جنس الرخويات .. لا تراهم إلا، منحنين، في خنوع و ذل و خضوع .. إن مشكلة المغرب ـ كما حرص د.عمر أن يقنع كل من زاره ـ ليست اقتصادية و لا اجتماعية و لا سياسية و لا ثقافية، وإنما هي مشكلة ” العمود الفقري “ التي يجب أن يركز عليها المغاربة حتى يستطيعوا أن يقفوا بشكل طبيعي ليكونوا مثل كل البشر أولا .. هذا الموضوع لا يمكن أن يتخلف أي حر في دعم قيادتك لمعركته، ببساطة لأنها معركة أي حر لا يقبل الانتماء ل ” جنس الرخويات ” على حد قول المرحوم د. عمر الخطابي .
انتقدتم، السي ناصر، الفتنة و من يهاجمون بها الحراك .. و في هذه النقطة، نسجل تصريحك الذي أكد وعيكم في الحراك بهذه المحاذير . وهذا ما طمأننا بشأن المخاوف المشروعة التي لدينا، و هي مخاوف مسنودة بأدلة قاطعة و ليس تخرصات أو بقرائن أو حتى قرائن قوية .. و من هنا مثلا ما أثير حول الأعلام والرايات المرفوعة و غير المرفوعة . . يقال إن عدم رفع العلم المغربي مرده إلى أنه ليس من وضع المغاربة، المقاومين للاستعمار أو حتى القاعدين، و إنما من وضع الماريشال اليوطي؛ أول مقيم عام للاستعمار الفرنسي . هذا أمر صحيح .. لكن هل الحل هو اعتماد بديل صممته الجهات الفرنسية كذلك ( نقصد علم الأكاديمية البربرية الفرنسية) ؟ أو علم جمهورية الريف .؟ .
هل ناضل محمد بن عبد الكريم الخطابي من أجل خريطة الريف ؟ . هل يعلم حراك الريف ماذا أجاب بنعبد الكريم جريدة ” شيكاغو تريبيون “الأمريكية في خضم معركة أنوال مع بداية عشرينيات القرن الماضي عندما طرح عليه السؤال :
+ السيد، نعرف حدود دولتكم في الشمال و الغرب، و لكن ماهي حدود دولتكم في الشمال و الجنوب ؟
هل تعرفون ماذا كان الجواب ؟
أجاب القائد الرمز : ” حدودنا حيث توصلنا بندقيتنا .. “
و عندما تم الإلحاح بإعادة طرح السؤال أكثر من مرة أضاف محدِّدا :
×” مؤقتا، حدودنا من أجدير إلى أغادير ..” ، و هو ما سيسعى له، بعد 20 سنة بمنفاه بجزيرة ” الريونيون ” وبعد تمكنه من الفرار و الإقامة بمصر التي أسس و ترأس بعاصمتها القاهرة “مكتب” و “لجنة” و “جيش تحرير المغرب العربي” الذي كان في عضوية هذه المؤسسات، ممثلين عن الحركات الوطنية الآتية أسماؤهم؛ الحبيب بورقيبة( أول رئيس تونس فيما بعد) عن الحركة الوطنية التونسية و الشاذلي المكي عن الحركة الوطنية الجزائرية و علال الفاسي عن الحركة الوطنية المغربية …
هل تعرفون مثلا ماذا أشار الزعيم الصيني التاريخي آخر سنة 1964 على وفد الشباب[3] الذين سيصبحون قادة للكفاح الوطني الفلسطيني بعد ذلك، و الذين جاؤوا يستشيرونه و يستمعون لنصائحه قبل إطلاق الرصاصة الأولى على درب المقاومة ؟ . قال زعيم ثورة المليار لأبي عمار و رفاقه المندهشين لقوله : عودوا إلى تراثكم ؛ لقد تعلمنا حرب العصابات منكم .. من القائد العظيم بنعبد الكريم الخطابي .
هل تعرفون أن ، قاهر أعتى امبرياليتين في التاريخ الحديث، فرنسا في الخمسينات و الولايات المتحدة في السبعينات من القرن الماضي، القائد العظيم هوشي مينه، محرر الفيتنام حزم حقائبه من باريس بعدما تابع وقائع معركة أنوال في جريدة ” لومانيتي ” حيث وقعت عينه على قصيدة للشاعر و القائد الشيوعي الفرنسي ” لويس أراغون “ في حق قائد معركة أنوال تحت عنوان : L’inspirateur (الملهم ) . وأنه عند إطلاق حرب التحرير طلب عون بنعبد الكريم الذي كان يوجه خطابا و نداءات للجنود المغاربيين بالدارجة و الأمازيغية يطالبهم بمغادرة الجيش الفرنسي و الالتحاق بجيش هوشي مينه و جياب .؟[4]
هل شاهدتم يوما صورا، بالأبيض و الأسود للبطل بنعبد الكريم، و هو جالس على كرسي بسيط مثله، و البطل الأممي الرمز، تشي غيفارا، جالس على أرضية بيت الضيافة، مربعا رجليه وهو يكتب ما يمليه عليه من يعتبره أستاذه في الثورة و حرب العصابات .. ؟
هل تعلمون باتفاق البطل بنعبد الكريم مع الملك فاروق بأن يتولى هو قيادة حرب التحرير في فلسطين سنة 1948 قبل أن يدخل وزير الدفاع المصري وقتها على الخط ؟ واكتفى ببعث بعض ضباطه في جيش تحرير المغرب العربي و منهم واحد ودعناه قبل شهور فقط إلى مثواه الأخير بالقصر الكبير؛ العقيد الهاشمي الطود رفيق الشهيد الريفي حدو أقشيش .
هل تعلمون أنه بعد سقوط الخلافة الإسلامية بسقوط السلطان عبد الحميد، انعقد مؤتمر ب “جدة ” للنظر في الأمر، وأن مسلمي الهند الذين سيصبحون فيما بعد دولتي الباكستان و بانغلاديش رشحوا البطل بنعبد الكريم خليفة للمسلمين ؟
لماذا كل هذه الأسئلة ؟ يا أحفاد مُّح نْ عبد الكريم و يا السي ناصر الزفزافي ؟
لقد تعمدنا التذكير بكل هذا الإرث النضالي العظيم لتعوا ثقل المسؤولية التي عليكم، و أنتم تتصدرون قيادة معركة الكرامة .. و لتنتبهوا إلى العوامل التي يمكن أن تفشل الحراك و رهاناته . و لتميزوا، على ضوء هذا المجد المستحق بفضل التضحيات الجسام التي قدمها الريف وغير الريف، في هذا الوطن العزيز . و ألا تستخفوا بمن يقولون أن هناك فتنة فظيعة تختلط عناصرها المنظمة و المدربة و الممولة لذلك .. لننتبه فهذا أيضا موجود ..موجود .. موجود … حتى ينقطع النفس . و لعل أول ما يجب الانتباه إليه وعدم تقديسه و وضعه للنقاش، لأن الأمر لا يتعلق بمجرد قماش مصبوغ، و إنما، أساسا، لما يرمز و يجسد هذا القماش من معاني و مخططات حقيقية خطيرة تهدد وحدة و استقرار و مستقبل هذا الوطن كما تم ويتم تخريب أوطان أخرى حولنا بمثل هذه الأعلام .. نرفض علم اليوطي .. طيب نناقش الأمر و نستبدله بعلم من تصميمنا نحن .. فاين المشكل ؟ أما معركتنا مع الاستبداد و الفساد و التهميش و الإقصاء و المشاريع الإستعمارية و الصهيونية فهي معركتنا جميعا، في الريف و المغرب الشرقي و الجنوب و كل العواصم التاريخية ومدن الساحل وعمقنا الواحي بصحرائنا الشرقية و الغربية على السواء، و في أفق التعاون و التكامل و حل مشاكلنا مع اشقائنا بالجزائر التي يريدون أن يجعلوا منها العدو ومن العدو الصهيوني حليفا بدعوى تحرير الصحراء . والسؤال الرئيسي هنا يبقى :
كيف يصل هذا الحراك المبارك إلى مراميه التحررية النبيلة دون أن تجرفه الاختراقات المشبوهة إلى عكس ما نشأ من أجله فيعود وبالا على الريف و على المغرب و المغاربة عامة ؟.
و إلى الأمام لتحرير بلادنا من الاستعباد و الاستبداد و الفساد و الموساد، بسرعة، بذكاء وبسلام .. ” إلى الأمام .. سلمية سلمية ” .
” إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتيكم خيرا … ” صدق الله العظيم
ملحوظتان :
× في تقديمه لترجمة كتاب “بروتوكولات حكماء صهيون”، توقف الكاتب عباس محمود العقاد عند المعادلة الجهنمية لمشروع الصهيونية العالمية و التي لخصها في:
حث الحكام على اضطهاد شعوبهم و تحريض الشعوب على التمرد على حكامهم ..
× لننتبه إلى المثل المغربي البليغ ” شاف الربيع ما شاف الحافة ” ..
و إلى “كلمات” أخرى .. إلى اللقاء إذا أذن الله بالبقاء .
أحمد ويحمان