لست مطمئنا للأخبار التي يتم تداولها عن كون المغرب قد يقبل صفقة الصحراء مقابل إسرائيل، ليس فقط لأنها قد تكون مختلقة أو لأنها قادمة من الإعلام الإسرائيلي الذي ليست المرة الأولى التي يسرب فيها مثل هذه الأخبار، بل لأن المغرب لم يضع يوما وحدته الوطنية مقابل التطبيع مع إسرائيل، منذ افتعال ملف الصحراء والمغرب يفاوض ويضغط ويناور ويرافع بكل الطرق من أجل حل سياسي عادل، ومستدام متمثل في مبادرة الحكم الذاتي، كما أن الإدارة الأمريكية وفي عز الأزمات التي صاحبت النزاع الفلسطيني الإسرائيلي لم تستعمل ورقة الصحراء للضغط على المغرب، الملفين ومساريهما منفصلين، لم يلتقيا يوما ولا أعتقد أنهما سيلتقيان.
وزير الخارجية عندما يقول إن الدولة المغربية لن تكون فلسطينية أكثر من الفلسطينيين، وانهم سيدعمون السلطة الفلسطينية في أي قرار تتخذه، فهو لا يعبر عن موقف جديد بل عن موقف سياسي رسمي ثابت، هو مساندة قرارات السلطة الفلسطينية لأنها هي الأكثر قدرة على معرفة مصلحة شعبها، وهي التي تمثله، ولا يمكن أن ننوب عنها لأنه في نهاية المطاف من يدفع الثمن، دما وألما و سجنا هو الشعب الفلسطيني وهو الأقدر على تقدير موقفه من أي خطة أو مقترح حل، لذلك المغرب لم يكن له أن ينوب عنهم، على أننا تناسينا جميعا صمود المغرب أمام مختلف الضغوط التي قد تكون مورست عليه سابقا وتناسينا استقبال الملك المغربي للعاهل الأردني في عز عزلة هذا الأخير عندما كانت تمارس ضغوط قوية على الأردن وكانت بعض التنظيمات الدينية أداة للضغط على ملك الأردن ونتذكر كيف تم تحريكها لإحداث اضطرابات في الأردن وكيف اختفت جل المسيرات والهتافات من الشارع الأردني في محاولة ليّ دراع الملك عبد الله الذي وقف صامدا أمام تلك الضغوط رغم قوتها.
الإعلام ومن يتناقل هذه الأخبار تناسى كل هذه الوقائع، وتناسى أن المغرب ملكا هو من يترأس لجنة بيت مال القدس، وهو من رفض كل محاولات تهويد القدس الشرقية وطمس معالمها الهوياتية، وأعلن عن ذلك صراحة في إحدى خطبه، نتناسى كل ذلك و ينساق البعض للترويج لإشاعات تتعلق بمقايضة المغرب للصحراء بفلسطين، وكأن هذه الأخيرة ليس لها شعب ولا سلطة تمثلها!!
من يروج لهذه الإشاعات و بهذا الشكل المسيء للمغرب ولمؤسساته، ولتاريخه الوطني ولتاريخ علاقته بالقضية الفلسطينية، ينسى أن المغرب في ظل مواجهته لصفقة القرن حقق انتصارات سياسية في ملف الصحراء، وتحت نفس الإدارة الحالية لترامب التي هي من عززت في مختلف مسودات قرارات مجلس الأمن التي تبناها خيار الحل السياسي الواقعي، بروح جديدة.
للأسف هناك من يروج لهذه الأخبار ببلادة سياسية، وبحس لا هو وطني مدافع عن القضية الوطنية ولا هو قومي مناصر للقضية الفلسطينية، لماذا ببلادة لأنه عندما نروج لهذه الأخبار فإننا نخدم خصوم المغرب ونزكي خطابهم الذي يساوي بين القضية الفلسطينية ونزاع الصحراء “الغربية”، والذي لطالما المغرب وقف سدا منيعا ضد هذه الإسقاطات الخاطئة المناقضة للتاريخ ولطبيعة الصراعين.
المغرب يدافع عن ملف وحدته الوطنية وسيستمر في ذلك سواء تم حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي أو لم يحل، وسيظل مناصرا للقضية الفلسطينية داعما للسلطة الفلسطينية ومناهضا لتهويد القدس سواء اقتنعت الأمم المتحدة بمقترح الحكم الذاتي أم لا، لأن المسارين مختلفين، ولأن الحلين المختلفين ولأن أطراف الحل مختلفة، لذلك فلا مجال لهكذا إسقاط ولا مجال للترويج لهكذا إشاعات.
في الأخير نتناسى، أن لفلسطين شعبها الذي وصفه الراحل ياسر عرفات بشعب الجبارين، هل نتصور أن المغرب قادر على كبح خياراته سواء كانت مقاومة أو مفاوضات… وللمغرب شعبه الذي لم يتوانى في التضحية من أجل قضيته الوطنية الأولى، ملف الصحراء، وكلا الشعبين في ظل تضامنهما لا يمكن أن يعوض الواحد الآخر ولا يمكن أن يكون الواحد بديلا عن الآخر.
هل قايض المغرب الصحراء بفلسطين؟
أقلام الحقيقة