يبدو كأن التاريخ يعيد نفسه في مصر، فالاشتباكات الأخيرة بين أنصار الرئيس، محمد مرسي، وأولئك الذين يعارضون مشروع الدستور الذي عرضته حكومته؛ تذكرنا بالعنف في الأيام الأخيرة من عهد الرئيس السابق حسني مبارك. وكما حدث من قبل، فقد غاب كل من الجيش والشرطة عن الساحة بشكل عام، ووقفا بمعزل عن الفوضى الدائرة من حولهما. ونشير هنا إلى أن رجال الجيش أصدروا بيانات توحي بأنهم قد يتدخلون لاستعادة النظام، بيد أن تلك البيانات لم توضح ما إذا كانوا سيتدخلون لمصلحة المتظاهرين أم لجانب مرسي. وعلاوة على ذلك. تحالف ؟ يعتقد بعض المحللين أن حياد الجيش المصري هو، على ما يبدو، انعكاس لانحسار سلطته. فالانتخابات التي تم تنظيمها في يونيو 2012 وأتت بمحمد مرسي إلى سدة الحكم، عملت على قص أجنحة الجيش، ما اضطر الجنود إلى التقهقر إلى ثكناتهم. وعلى وجه التحديد، بعد أن عزل مرسي أكبر الجنرالات رتبة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المشير محمد حسين طنطاوي، في غشت الماضي. وعلى الرغم من ذلك لم تكن تلك الخطوة التي اتخذها مرسي مجرد «خطوة ميكافيلية»، إذ إنه وفقاً لما رواه نائب وزير الدفاع المصري، الجنرال محمد العصار، فإن مرسي نسق خطته تلك مع صغار أعضاء المجلس العسكري الحاكم، وعليه فإن هذه المناورة كشفت بالتالي عن بدايات تحالف بين «الإخوان المسلمين» والقوات المسلحة. وكانت خدعة الجيش في اتخاذ موقف الحياد خلال الاحتجاجات الأخيرة هي أيضاً ذكية. ومع هتافات المتظاهرين بالإطاحة بمرسي ومناداة مؤيدي الرئيس بردع المتظاهرين لأنهم يريدون إسقاط حكومة منتخبة، بدا كأن المراقبين غير مبالين بالجيش، وبدوا أيضاً كأنهم قد نسوا تقريباً فترة الحكم التي قام فيها المجلس العسكري بتسيير البلاد 17 شهراً بعد الإطاحة بالرئيس محمد حسني مبارك، واستمرار وجود ظل الجيش في قاعات السلطة في ما بعد. خلال تلك الفترة القصيرة في الحكم، وعد المجلس العسكري الحاكم بعزمه على العمل على إعادة مصر إلى الحكم المدني، إلا أنه مارس القمع بشكل متزايد، وعمل على الحفاظ على طابع الدولة، كما كانت عليه الحال في عهد مبارك، بينما ضحى بقيادته من أجل المظاهر. ولتحقيق ذلك شكل المجلس العسكري الحاكم ائتلافاً لتصريف أمور الحكم يوماً بيوم، ضم ممثلين من جماعة الإخوان المسلمين، وهي قوة سياسية ظهرت في مصر منذ عام 1928، والسلفيين، المعروفين تماماً لأجهزة الأمن، وبعض من كانوا ممسكين بمفاتيح الحكم في عهد مبارك، بما في ذلك أعضاء المعارضة الاسمية في العهد السابق. وتم استبعاد الثوار، في حين تم تجاهل الشخصيات القوية في مؤسسات الدولة، وأسيء تمثيلهم، وتعرضوا للقمع بطريقة انتقائية. وعندما ذهبت البلاد إلى صناديق الاقتراع في وقت مبكر من هذا العام خرجت «الإخوان المسلمين» منتصرة. ومن وراء الكواليس، صار الجنرالات يؤيدون الرئيس المنتخب ويعملون في الوقت نفسه للحفاظ على مصالحهم الخاصة، ويفعلون ذلك لأنهم يعتقدون أن مرسي وجماعته، التي ينحدر منها، من المرجح أن تمضي في فوزها في الانتخابات. والواقع فإن «الإخوان المسلمين» هي الأفضل تنظيماً بين الأحزاب السياسية الأخرى في مصر، وتمتد شبكاتها في جميع أنحاء البلاد، ما يسمح لها بالوصول إلى جزء كبير من السكان. وبالإضافة إلى ذلك، فإن جماعة الإخوان المسلمين، على عكس القوى الثورية، أبدت استعدادها لتقديم تنازلات، والتفاوض مع الجنرالات. وبالنسبة إلى قادة الجيش، فإن الأمر يبدو ببساطة أكثر منطقية في حالة المراهنة على شخص يتمتع بالشرعية الانتخابية بدلاً من محاولة عدم التعاون مع هذا الخصم. المعاملة بالمثل في مقابل تلقيهم الدعم من القوات المسلحة، ضمن «الإخوان المسلمين» في مسودة الدستور (الذي تم التصويت عليه في جولة ثانية السبت الماضي) العديد من مطالب الجيش الأساسية من قبيل «لا رقابة برلمانية على الميزانية العسكرية، وإنشاء مجلس دفاع وطني يغص بالجنرالات، وإمكانية محاكمة المدنيين في محاكم عسكرية». ولهذا حققت الوثيقة التأسيسية لمصر ما كان يسعى الجيش لتحقيقه منذ رحيل مبارك، حيث إنه من الأفضل بالنسبة للجيش أن يحصل على ما يريده في الوقت الذي يتظاهر بأنه على هامش الحياة السياسية المصرية. الحياد الظاهري للجنرالات يترك لهم في الوقت نفسه خيار البحث عن بديل (مسؤول سابق من عهد مبارك مثلاً) إذا حدث وانفلتت الأمور من يد مرسي. ولكن لا يبدو أن مثل ذلك سيحدث في أي وقت قريب. وعلى الرغم من أن الاحتجاجات الأخيرة أثبتت أنها عنيفة ومزلزلة، وكشفت مدى هشاشة التفويض الممنوح لمرسي، فقد فشل الثوار في توحيد صفوفهم أو الاندماج مع مجموعات أخرى غير راضية عن الوضع، مثل الحركة العمالية أو ما يسمى بـ»الفلول». وفي الوقت نفسه فإن معارضة القوى الثورية جنباً إلى جنب مع معارضة أولئك الذين لا يزالون داخل الحكومة لكنهم لا يحبون «الإخوان المسلمين»»، فضلاً عن الضغوط الاقتصادية المستمرة، كل ذلك من شأنه ان يمنع مرسي و»الإخوان المسلمين» من أن يصبحوا أكثر راديكالية. فشل محتمل وبما أن استراتيجية الجيش لا تزال تعمل في الخفاء في ما يبدو، إلا أنها رهان محفوف بالمخاطر، فقد تتعرض أخيراً لانتكاسة، فخلال الانتفاضة التي استمرت 18 يوماً، والتي أطاحت بمبارك، راهن القادة من جنرالات الجيش على استطاعتهم احتواء احتجاجات الشوارع، لكنهم استطاعوا إسقاط مبارك ولم يتمكنوا من إجراء تغييرات هيكلية كبرى في النظام السياسي. وبعد الانتخابات راهن الجنرالات على أن باستطاعتهم استخدام المدنيين المنتخبين كبش فداء في أي أزمة سياسية أو اقتصادية في المستقبل، إلا أنه وبعد عامين من ذلك لم تتوقف التظاهرات والاحتجاجات. وهناك القليل جداً من التكهنات بأن العامين المقبلين سيكونان مختلفين، فالثوار يتعلمون من أخطائهم ويوسعون من دائرة قبولهم لدى عامة الشعب، في الوقت الذي لم تستطع الحكومة أن تكسب مزيداً من الحلفاء. وكلما طال عهد جماعة الإخوان المسلمين في حكم مصر، مدعومة من قبل الجيش، ساء وضع البلاد ورجحت كفة الميزان لمصلحة القوى الثورية. وربما يكون ذلك عملية طويلة الأمد، ولن يحدث بالتأكيد قبل إجازة مسودة دستور مرسي (من المرجح إجازته) وقبل دعوته لانتخابات برلمانية جديدة، ولكنه سيحدث في نهاية المطاف. وعلى الرغم من أن الجيش لا يزال يتمتع بشعبية نسبية في جميع أنحاء البلاد، فمن غير المؤكد أن يكون قادراً على منع حدوث إصلاح سياسي عميق في مصر إذا استطاعت جماعات المعارضة تنظيم صفوفها. وفي الواقع، إذا لم يستطع الجيش إدراك حدود سلطاته فإنه سيجد نفسه مضطراً في المرة المقبلة إلى التفاوض من أجل ايجاد مخرج له من أزمة مع الثوار، وهو وضع يمكن أن يتمخض عن تغييرات خارجة عن سيطرته.
مواضيع ذات صلة
-
05 يوليو 2024 - 12:00 أجي خود من عندي Pack”..فبراير تغوص في دهاليز الجنس الإلكتروني وشهادات صادمة
-
16 فبراير 2023 - 11:42 “تحقيق” يورط شركة إسرائيلية في التأثير على الانتخابات بالمغرب
-
02 يناير 2022 - 14:40 وأخيرا حفار قبور يكشف حقيقة صوت اعتقدوا انه لميت دفن حيا في مقبرة الرضوان بالقنيطرة
-
08 فبراير 2021 - 13:40 معطيات جديدة قد تسفر عن تغيير استراتيجية التلقيح بالمغرب
-
07 فبراير 2021 - 20:00 سلا.. “مدينة النوم” حيث لا ينام الإجرام رغم مجهودات رجال الحموشي
-
04 فبراير 2021 - 13:20 حقائق صادمة.. “أيادي خفية” وراء تصاعد كراهية المهاجرين بإسبانيا