الرئيسية / أقلام الحقيقة / الشرقاوي يكتب...22 سنة من الإصلاحات في عهد الملك محمد السادس

الشرقاوي يكتب...22 سنة من الإصلاحات في عهد الملك محمد السادس

أقلام الحقيقة
خالد الشرقاوي السموني 29 يوليو 2021 - 19:00
A+ / A-

الملك محمد الخامس طيب الله ثراه قاوم من أجل التحرير واستقلال المغرب والملك الحسن الثاني طيب الله ثراه قام بتثبيت ركائز دولة المؤسسات والحق والقانون وتحقيق الوحدة الترابية للمملكة والملك محمد السادس ، قائد ثورة البناء والتنمية ، وضع المغرب على سكة القرن الواحد والعشرين مع ما يتطلب ذلك من عصرنة وتحديث وإطلاق الأوراش التنموية الكبرى والمشاريع المستدامة من أجل النهوض بالعنصر البشري وتوطيد مبادئ الديموقراطية وحقوق الانسان وتعزيز مغربية الصحراء.

وهكذا أبرز جلالة الملك محمد السادس في أول خطاب للعرش له يوم 30 يوليوز 1999 الخطوط العريضة لسياسته الداخلية، ليطمئن شعبه على أنه سيواصل النهج الذي كان يسير عليه والده طيب الله ثراه بخصوص الإقلاع الشامل للبلاد في ميدان التنمية، مؤكدا ضمن هذه الخطوط العريضة أنه سيولي قضية الصحراء المغربية الأهمية التي تستحقها، ومجددا العزم على أن تشغل قضية التعليم حيزا كبيرا من اهتماماته الآنية والمستقبلية لما تكتسبه من أهمية قصوى، ولما لها من أثر في تكوين الأجيال وإعدادها لخوض غمار الحياة والمساهمة في بناء الوطن بكفاءة واقتدار، والتطلع إلى القرن الحادي والعشرين بممكنات العصر العلمية ومستجداته التقنية، وما تفتحه من آفاق عريضة للاندماج في العالمية.

وعرف المغرب في ظل قيادة الملك محمد السادس تطورا ملموساً مكنه من الحصول على مكتسبات عدة على جميع الأصعدة ما جعله يحتل مكانة مرموقة بين صفوف الأمم، على الصعيدين الدولي والعربي و الأفريقي.

وبفضل عبقرية الملك محمد السادس، استطاعت بلادنا أن تشق الطريق باستمرار وانتظام لتخطو خطوات حثيثة على درب الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية جعلت من المغرب استثناء فريدا على مستوى شمال إفريقيا، بعد العاصفة التي أودت بجل الدول العربية في المنطقة وهددت كيانها ووحدتها وسيادتها.

وتميزت الإثنا والعشرون سنة من حكم جلالة الملك بتنمية شاملة ، مضت خلالها المملكة نحو الحداثة وتعزيز دولة القانون، حيث مثلت ريادة الملك نموذجا في المنطقة وركيزة للشعب المغربي، مكنت البلاد من تكريس مشروع مجتمعي ديمقراطي حداثي و تحقيق إنجازات وإصلاحات هيكلية عميقة تجلت في الإصلاحات السياسية والدستورية والاقتصادية الاجتماعية والثقافية وغيرها من المجالات الحيوية ، جعلت المغرب في مصاف الدول الديمقراطية والمتقدمة .

 المفهوم الجديد للسلطة

حدد الملك محمد السادس إطارا للمفهوم الجديد للسلطة بوضع خطوطه العريضة في الخطاب الذي وجهه يوم 12 أكتوبر 1999 بمدينة الدار البيضاء، إلى مسؤولي الإدارة الترابية وأطر الإدارة المركزية وممثلي المواطنين. وشكل هذا الإطار قطيعة واضحة مع الأساليب القديمة  و نهج أساليب جديدة تضمن حماية الحريات الفردية والجماعية وتصون حقوق المواطنين وتتيح الظروف المناسبة لترسيخ وتوطيد دولة الحق والقانون ، وذلك من خلال إجراء مراجعة عميقة لعدد من النصوص القانونية والتنظيمية بهدف خلق مناخ ملائم ، و إعادة النظر في اختصاصات و مهام الولاة لتتركز على القضايا الاقتصادية من أجل تحقيق أهداف اجتماعية محددة ، حيث أكد جلالته على ” أن المفهوم الجديد للسلطة، الذي أطلقناه، في خطابنا المؤسس له، بالدار البيضاء، في أكتوبر 1999، يظل ساري المفعول، فهو ليس إجراء ظرفيا لمرحلة عابرة، أو مقولة للاستهلاك، وإنما هو مذهب في الحكم، مطبوع بالتفعيل المستمر، والالتزام الدائم بروحه ومنطوقه، كما أنه ليس تصورا جزئيا، يقتصر على الإدارة الترابية، وإنما هو مفهوم شامل وملزم لكل سلطات الدولة وأجهزتها، تنفيذية كانت أو نيابية أو قضائية”.

ووفقا للمفهوم الجديد للسلطة، أصبح من واجب رجل السلطة أن يتواصل مع المواطن وينصت لحاجياته في إطار من الانفتاح وسياسة القرب ، مع ربط المسؤولية بالمحاسبة، التي تتم عبر آليات الضبط والمراقبة، وتطبيق القانون ، بالإضافة إلى تغيير دور مؤسسات الدولة التي لم تعد وظيفتها تنحصر في التدبير الإداري وحده، بل امتدت إلى التنمية الاقتصادية التي تقوم على تبسيط المساطر الإدارية من أجل تسهيل وتشجيع الاستثمارات التي من شأنها خلق الأنشطة الاقتصادية وتوفير مناصب الشغل وبالتالي ضمان المزيد من الاستقرار والأمن.   و السلم الاجتماعي.

وفي هذا السياق أحدثت مراكز جهوية للاستثمار التي جاءت لتجسد بعدا جوهريا في المفهوم الجديد للسلطة، وهو إنعاش الاستثمار والنهوض بالاقتصاد، وبالتالي تحقيق التنمية السريعة والمستدامة ، من خلال التركيز على أربع أولويات رئيسية هي : التنمية المحلية، التحفيز على الاستثمار المحلي والأجنبي، تحسين قدرات وكفاءات الاقتصاد الوطني، وتحسين مستوى عيش الفئات المحرومة.

ونشير في هذا الصدد أن المفهوم الجديد للسلطة لا يقتصر فقط على مسؤولي الإدارة الترابية ، و لكن يهم كل من يتحمل مسؤولية إدارة الشأن العام أو المحلي، وهذا ما وضحه جلالة الملك في خطاب العرش يوم 30 يوليوز  2016  أن  “مفهومنا للسلطة هو مذهب في الحكم، لا يقتصر، كما يعتقد البعض، على الولاة والعمال والإدارة الترابية. وإنما يهم كل من له سلطة، سواء كان منتخبا، أو يمارس مسؤولية عمومية، كيفما كان نوعها ” .

 تخليق الحياة السياسية

إن تخليق العمل السياسي رهين بالحرص على نزاهة العمليات الانتخابية التي يتوجب أن يضطلع فيها المواطنون بدور جوهري، علاوة على الإجراءات والقوانين المنظمة لهذه العملية.

وقد كان العاهل المغربي يعلم ، بفكره الثاقب، أن مفتاح حقوق الإنسان وكرامته وحرياته العامة، هو إجراء انتخابات  حرة و نزيهة ، لذلك فإنه ما فتئ يذكر أن من متطلبات توطيد ما تنعم به بلادنا من استقرار سياسي والارتقاء بمستوى النضج الذي بلغه بناء الصرح الديموقراطي، إجراء انتخابات في أوانها الدستوري والقانوني العادي و يطبعها نوع من الصدقية و النزاهة.

وكان الملك دائما ، بصفته الضامن للخيار الديمقراطي الوطني، يلح في عدة مناسبات، على ضرورة احترام نزاهة الانتخابات، التي حرص دوما على ضمانها في كل الاستحقاقات ، والتصدي لكل الممارسات التي قد تسيء لها ، جاعلا من نزاهة الانتخابات المدخل الأساسي لمصداقية المؤسسات التمثيلية، حريصا على أن تتحمل السلطات العمومية والأحزاب السياسية مسؤولياتها كاملة في توفير الضمانات القانونية والقضائية والإدارية لنزاهة الاقتراع وتخليق المسلسل الانتخابي.

و بالفعل ، فقد نجح المغرب في تنظيم أول انتخابات في عهده سنة 2002 ، اتسمت بالشفافية والنزاهة وفق المعايير الديمقراطية المعروفة، بتوفير شروط النزاهة والشفافية للعملية الانتخابية، وضمان حياد الإدارة وعدم تحيزها لهذا الطرف السياسي ، تطبيقا لمقتضيات  الفصل 11 من الدستور “الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي .

ومادام جلالة الملك هو الساهر على صيانة الاختيار الديمقراطي، فإنه وجه نداءه لكل الناخبين، بمناسبة الذكرى 17 لعيد العرش يوم 30 يوليوز 2016، حثهم على ضرورة تحكيم ضمائرهم، واستحضار مصلحة الوطن والمواطنين، خلال عملية التصويت بعيدا عن أي اعتبارات كيفما كان نوعها، ودعا الأحزاب السياسية إلى ضرورة تقديم مرشحين تتوفر فيهم شروط الكفاءة والنزاهة، وروح المسؤولية والحرص على خدمة المواطن .

وعلى مستوى تأهيل العمل السياسي، حرص الملك محمد السادس على أن يجعل من مشروع بناء مجتمع ديمقراطي وحداثي أولوية تتصدر اهتماماته ، وهذا يقتضي تطوير وتأهيل الأحزاب السياسية . فقد جعل من تثبيت أركان الممارسة الديمقراطية وإرساء قواعدها مطمحا ساميا يندرج في إطار منظومة إصلاحية شاملة ترتكز بالأساس على تحديث الهيئات السياسية ودمقرطتها وإصلاح المشهد السياسي.

وقد شكل القانون المتعلق بالأحزاب السياسية إحدى حلقات تأهيل المشهد السياسي ، يطمح إلى تمكين الأحزاب من إطار تشريعي الهدف منه العقلنة والديمقراطية وإضفاء الشفافية على تشكيلة الأحزاب وتسييرها وتمويلها  ، وكذا الارتقاء بالأحزاب لتصبح رافعة قوية قادرة على تعبئة جهود وطاقات مكونات المجتمع وقواه الحية للسير قدما بالانتقال الديمقراطي إلى الأمام، و ترسيخ ممارسة برلمانية مواطنة.

النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها

حرص جلالة الملك على أن يعطي لهذا الجانب ما يستحق من العناية لما يوجد من ترابط وثيق بين التنمية الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان، باعتبار أن الإبداع في العمل مهما كان نوعه، لا يتحقق إلا ضمن جو مفعم بالحرية في التفكير والتعبير والمبادرة.

وعلى هذا الأساس أولى عناية خاصة لتعزيز الحماية في مجال حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل، والتنمية المستدامة، تجسيدا لالتزام المغرب الراسخ بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها ، علما بأن دستور 2011، الذي تم إعداده بطريقة تشاركية، وبمساهمة جميع الفاعلين المعنيين، يتضمن ميثاقا حقيقيا للحريات والحقوق الأساسية، يتلاءم والمرجعية الكونية لحقوق الإنسان ، نظرا لما يكرسه من حماية للحقوق وللحريات ، حيث يتضمن ما لا يقل عن 60 مادة متعلقة بالحقوق والحريات. كما يكرس أيضا مبدأ الاستقلال التام للسلطة القضائية، ويرسي مجموعة من الهيئات التعددية والمستقلة المعنية بحماية الحقوق والحريات، والديمقراطية التشاركية والحكامة الجيدة.

فلا جدال في أن النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها في المغرب قد عرف تطورا ملحوظا، في عهد الملك محمد السادس ، حيث تم إرساء أسس دولة الحق و القانون بفضل قرارات هامة وشجاعة تم اتخاذها في هذا المجال، كان أبرزها إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة في يناير 2004 التي انكبت على موضوع الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان خلال الفترة بين عامي 1956 و 1999، والتي تعد تجربة فريدة من نوعها و نموذجا يقتدى به في إفريقيا والعالم العربي، هدفها تحقيق مصالحة المغاربة مع ماضيهم و معالجة الخروقات و التجاوزات ، وجبر الضرر عن طريق تعويض ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.

كما أن المملكة وضعت خطة عمل وطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي تشتمل على عدد مهم من التدابير الرامية إلى توطيد الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان في جميع المجالات. ناهيك عن إحداث الآليات الوطنية الحمائية في القانون الجديد المنظم للمجلس الوطني لحقوق الانسان، المتعلقة بالوقاية من التعذيب أو حماية الطفولة ودعم ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى آلية محاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة.

كما انضم المغرب لعدد مهم من الاتفاقيات و الآليات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وصادق على أهم البروتوكولات الملحقة بها، ورفع عددا من التحفظات عن الاتفاقيات الدولية التي سبق أن صادقت عليها المملكة ، وأصدر عددا من القوانين والنصوص التشريعية التي تساهم في تطوير مبادئ حقوق الانسان، وقام بتعديل نصوص أخرى لملاءمتها مع هذه المبادئ، من أهمها إلغاء محاكمة المدنيين بالمحاكم العسكرية، واستمرار إصلاح منظومة العدالة وإحالة العديد من ملفات الفساد والرشوة على القضاء وكذا فتح تحقيقات في بعض التجاوزات المتعلقة بالتعذيب، وإعداد السياسات الحكومية في مجال حقوق الإنسان والحرص على ملائمتها مع القانون الدولي الإنساني.

كما وضع جلالة الملك قضية المرأة ضمن أولويات الإصلاحات التشريعية والمؤسسية .  ففي يوم الجمعة 10 أكتوبر 2003 في افتتاح الدورة الأولى من السنة الثانية من الولاية التشريعية السابعة للبرلمان، أعطى توجيهاته لإصلاح جوهري لمدونة الأسرة، لتكون مدونة منصفة للمرأة .

وفي إطار الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة، فقد حظي موضوع إصلاح مهنة خطة العدالة أهمية خاصة ، حيث أوصى الميثاق في توصيته رقم 169 بوجوب الارتقاء بهذه المهنة بما يسهم في تحديثها، وفتح المجال أمام المرأة لممارستها، انسجاما مع المبدأ الدستوري المنصوص عليه في الفصل 19، والمتمثل في  تحقيق المساواة بين المرأة والرجل والسعي نحو المناصفة، وانسجاما أيضا مع الالتزامات الدولية للمملكة ، وخاصة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة .

وبعد استشارة المجلس العلمي الأعلى، كلف جلالة الملك وزير العدل بفتح خطة العدالة أمام المرأة ، بما  يكرس الخيار الديموقراطي الحداثي الذي اختارته المملكة لاسيما في مجال حقوق المرأة ورفع كل أشكال التمييز والحيف عنها، وتعزز مكانتها إلى جانب الرجل.

الإصلاح الدستوري

بعد تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة في العدالة الانتقالية، والاعتراف بالأمازيغية كمكون أساسي للهوية الوطنية، والإصلاح العميق لوضعية المرأة من خلال مدونة الأسرة، واقتراح الحكم الذاتي كحل واقعي وذي مصداقية لإنهاء النزاع حول الصحراء ، وغيرها من الإصلاحات و القرارات الجريئة ، أتى الدستور الجديد كتكريس لهذه الاصلاحات في سياق التحولات الدولية والإقليمية الجديدة ، وتداعيات الربيع العربي.

وكان الخطاب الملكي يوم 9 مارس 2011، محددا للخطوط الكبرى للتعديل الدستوري. وبعد استفتاء شعبي حول مشروع الدستور ، اعتمدت المملكة وثيقة دستورية جديدة سنة 2011 ، تعد الأساس المتين للنموذج الديمقراطي التنموي المغربي المتميز . وهو ما يتجلى في عدد من المقتضيات الجديدة ، كدسترة الأمازيغية كلغة رسمية للمملكة، إلى جانب اللغة العربية و دسترة كافة حقوق الإنسان ، كما هو متعارف عليها عالميا، بكل آليات حمايتها وضمان ممارستها. وهو ما سيجعل من الدستور المغربي، دستورا لحقوق الإنسان، وميثاقا لحقوق وواجبات المواطنة ، والانبثاق الديمقراطي للسلطة التنفيذية، حيث تم الارتقاء بالمكانة الدستورية” للوزير الأول” إلى “رئيس للحكومة”، وللجهاز التنفيذي، الذي يتم تعيينه من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب؛ تجسيدا لانبثاق الحكومة عن الاقتراع العام المباشر. فضلا عن قيام سلطة برلمانية، تمارس اختصاصات تشريعية ورقابية واسعة ، و ترسيخ سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، تكريسا لاستقلال القضاء، ودسترة بعض المؤسسات الأساسية، و تعزيز آليات الحكامة الجيدة، و ترسيخ مبادئ الشفافية والمسؤولية والمحاسبة، وعدم الإفلات من العقاب، ودسترة مجلس المنافسة، والهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة والوقاية منها.

 إصلاح منظومة العدالة

ينبغي التأكيد على أن موضوع إصلاح قطاع العدل يحظى بأهمية بالغة لدى جلالة الملك محمد السادس، وهي الأهمية التي جسدتها خطب عديدة له في مناسبات كثيرة أبرزها :

-الخطاب الملكي ليوم 20 غشت 2009 بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب.

-الخطاب الملكي ليوم 8 أكتوبر 2010 بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية.

-الخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011 بمناسبة الإعلان عن الإصلاحات الدستورية و تقديم تقرير اللجنة الملكية الاستشارية حول الجهوية.

وقد حدد جلالة الملك الأهداف المنشودة من هذه المقاربة المتقدمة لإصلاح القضاء في :

– توطيد الثقة والمصداقية في قضاء فعال ومنصف، باعتباره حصنا منيعا لدولة الحق، وعمادا للأمن القضائي، والحكامة الجيدة، ومحفزا للتنمية.

– تأهيل القضاء ليواكب التحولات الوطنية والدولية، ويستجيب لمتطلبات عدالة القرن الحادي والعشرين.

-الاستجابة لحاجة المواطنين الملحة في أن يلمسوا عن قرب، وفي الأمد المنظور، الأثر الإيجابي المباشر للإصلاح.

وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف الكبرى، حث الملك الحكومة على بلورة مخطط متكامل ومضبوط، يجسد العمق الاستراتيجي للإصلاح، في محاور أساسية، تتمثل في ستة مجالات ذات أسبقية ، كتعزيز ضمانات استقلال القضاء؛و تحديث المنظومة القانونية؛ و تأهيل الهياكل القضائية والإدارية؛و تأهيل الموارد البشرية؛و الرفع من النجاعة القضائية؛و ترسيخ التخليق.

كما أكد الملك في خطابه بشأن مسار الجهوية المتقدمة وتقديم تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية والإعلان عن الإصلاحات الدستورية ليوم 09 مارس 2011 على أهمية الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، إلى جانب تعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، توطيدا لسمو الدستور، ولسيادة القانون، والمساواة أمامه.

وبعد حوار مثمر وإيجابي مع مختلف الفاعلين في قطاع العدالة، وضعت هذه الهيئة ميثاقا يتضمن ستة أهداف استراتيجية كبرى. وتتمثل هذه الأهداف في توطيد استقلال السلطة القضائية، وتخليق منظومة العدالة، وتعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات، والارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء، وإنماء القدرات المؤسسية لمنظومة العدالة، وتحديث الإدارة القضائية، وتعزيز حكامتها.

الهجرة وحقوق المهاجرين

وضعت المملكة سياسة جديدة للهجرة ، يقودها جلالة الملك محمد السادس وتنفذها الجهات الحكومية بتعاون مع المنظمات العاملة في مجال الهجرة، تروم إلى تسوية أوضاع المهاجرين السريين المقيمين بالمغرب في سبيل إعادة إدماجهم وتمكينهم من حقوقهم الإنسانية، سواء في العيش الكريم أو الصحة أو التعليم أو الشغل ، وذلك انسجاما مع الالتزامات الدولية للمغرب في مجال الهجرة وحقوق المهاجرين.

فبفضل هذه السياسة الجديدة التي دعا إليها الملك منذ سنة 2013، عملت السلطات المغربية على تسوية وضعية آلاف المهاجرين السريين، وغالبيتهم الساحقة من المهاجرين من جنوب الصحراء و الساحل ، إذ تمكنت هذه الفئة من الحصول على بطاقة الإقامة، فأصبحت تعيش بالمغرب بشكل قانوني، ومن الاستفادة من التعليم والتكوين المهني، ومن الحصول على الحق في العلاج في المستشفيات، والحق في السكن والعمل.

إن السياسة الجديدة للمغرب في مجال الهجرة بمثابة استراتيجية إنسانية تهدف إلى تعزيز حماية حقوق المهاجرين واللاجئين بالمغرب، ما جعلها تحرز تنويها من لدن العديد من البلدان الإفريقية، التي أعربت عن دعمها وانخراطها الكامل في الدينامية التي أطلقها المغرب. كما حظيت بتقدير خاص من الاتحاد الأوروبي وقادة الأمم المتحدة (الأمين العام للأمم المتحدة والمفوضة السامية لحقوق الإنسان والمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين).

كما أن هذه السياسة ، التي أشرف عليها جلالة الملك ، تعد سياسة حكيمة ورائدة، تمت من خلالها مراعاة المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب، والاعتراف بشكل ضمني بأهمية المهاجرين في تطوير الاقتصاد الوطني، عبر اشتغالهم في مجموعة من المجالات الاقتصادية وانخراط البعض منهم في مشاريع استثمارية وترويج أموالهم بالمغرب.       

محاربة الفقر  والهشاشة الاجتماعية

جعل جلالة الملك للمجال الاجتماعي، كما هو الشأن بالنسبة للحقل السياسي مكانة مركزية. وفي هذا الإطار، جعل من أولويات سياسته، تفقد كل جهات المملكة ، متتبعا في كل الأقاليم المشاريع والبرامج التنموية الهادفة إلى تكريس التضامن الاجتماعي و محاربة الفقر.

ونشير في هذا الصدد إلى مبادرة التنمية البشرية التي أطلقها الملك في 18 مايو 2005 ، والتي تهدف إلى محاربة الفقر و تكريس التضامن الاجتماعي ، حيث تعد النموذج والمثال الحي للشراكة الثلاثية الناجعة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. هذه المبادرة التي أدمجها  الملك في صميم السياسات الحكومية، تحولت إلى مدرسة للتكوين وللتنافس بين جهات المملكة على التدبير الأمثل والمعالجة الميدانية، بعيدا عن الممارسة البيروقراطية، للصعوبات المحلية التي يعانيها السكان وخاصة في المناطق البعيدة التي تفتقد ضرورات العيش الكريم.

فضلا عن ذلك ، فإن هذه المبادرة بما حققته من منجزات ومكاسب شكلت إحدى الآليات الأساسية والمحورية في المجهود الذي بذلته المملكة لمحاربة الإرهاب والتطرف العنيف باعتبارها ساهمت في تمكين مجموعة من الشرائح الاجتماعية التي كانت تعاني من الهشاشة والتي تكون في الغالب مستهدفة ومعرضة أكثر للاستقطاب من طرف الجهات التي تحض على العنف والتطرف من الاستفادة من فرص الشغل التي أحدثتها ومن المشاريع المدرة للدخل التي تم إطلاقها وغيرها من المبادرات الأخرى .

كما أن البعد الاجتماعي  يعد سمة بارزة في الخطب الملكية الأخيرة ، و هذا إن دل على شيء إنما يدل على حرص جلالة الملك على تحسين أن الوضع الاجتماعي للفئات التي تعاني من وضعية صعبة  ، تجلى ذلك في مجموعة من المبادرات التي أطلقها في المجال الاجتماعي، كإطلاق الورش الإصلاحي الكبير المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية على كافة فئات المجتمع المغربي ، و الذي يشكل ثورة اجتماعية حقيقية، لما سيكون له من آثار مباشرة وملموسة في تحسين ظروف عيش المواطنين، وصيانة كرامة جميع المغاربة، وتحصين الفئات الهشة و تحقيق العدالة الاجتماعية.

محاربة التطرف والإرهاب

اعتمد المغرب ، منذ الهجمات الإرهابية التي وقعت في الدار البيضاء في 16 مايو 2003 ، سياسة أمنية استباقية و استراتيجية متكاملة و ناجعة ضد الإرهاب.

ونذكر في هذا الاطار، الاستراتيجية الشاملة والمتعددة الأبعاد التي اعتمدتها المملكة في هذا المجال و التي ارتكزت على ثلاثة عناصر أساسية همت بالخصوص إعادة هيكلة الحقل الديني وتفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالإضافة إلى دعم وتقوية المقاربة الأمنية .

إن المقاربة الأمنية التي تشرف على تنفيذها المصالح الأمنية المغربية حققت نجاحات مهمة في صد الهجمات الإرهابية ومكنت المغرب بالتالي إلى جانب مجموعة من الدول الصديقة من تجنب العديد من الأعمال الإرهابية حتى قبل وقوعها ، علما بأن هذا المجهود الأمني الذي تبذله المملكة لمواجهة التحديات الإرهابية والتطرف العنيف لقي إشادات واسعة وتثمينا كبيرا من طرف العديد من الدول من كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا مرورا بمنظمة الأمم المتحدة.

فقد انخرطت المملكة المغربية في مجال مكافحة الإرهاب منذ سنة 2001، وساهمت في إنشاء منظومة أمنية قوية حصنتها من التهديدات الإرهابية حتى أصبح النهج الشامل الذي اتبعه المغرب لمكافحة التطرف والعنف داخل حدوده نموذجا يحتذى أيضا من قبل دول المنطقة، خاصة الدول الافريقية. فمنذ عودته للاتحاد الافريقي وانخراطه في الجهود الدولية والاقليمية وتكثيف تعاونه الأمني مع مختلف الشركاء، على غرار دول الجوار المتوسطي والأوروبي، مكنه من وضع تجربته في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف رهن إشارة شركائه في افريقيا.

وبخصوص إصلاح الحقل الديني في المغرب ، و الذي يسهر عليه جلالة الملك بصفته أميرا للمؤمنين ، فإن هذا الإصلاح ارتكز على مجموعة من الآليات منها تكوين الأئمة وتدبير المساجد وتكوين المرشدين والمرشدات إلى جانب تكريس وتجذير التنوع والتعدد في المجتمع المغربي عبر تثمين مختلف المقومات والروافد .

عودة المغرب للاتحاد الافريقي

يضع المغرب إفريقيا في صلب أولويات سياسته الخارجية  و أن الملك محمد السادس لطالما دعا الى تنمية ذاتية لإفريقيا “ذات بعد إنساني” ، ترتكز على التعبئة الجماعية للبلدان الإفريقية لكسب رهان الوحدة وإرساء ريادة إفريقيا على المستوى الدولي . وهكذا ، فإن السياسة الافريقية للمغرب تقوم على تعزيز شراكات مفيدة للطرفين مع البلدان الافريقية، وكذا على الانخراط الجاد للمغرب في خدمة قضايا القارة.

وكان الملك محمد السادس قد ذكر، في خطابه التاريخي أمام القمة ال 28 للاتحاد الإفريقي يوم 31 يناير 2017، على إثر عودة المغرب إلى الحظيرة الافريقية ،  “لقد حان الوقت لكي تستفيد إفريقيا من ثرواتها. فبعد عقود من نهب ثروات الأراضي الإفريقية، يجب أن نعمل على تحقيق مرحلة جديدة من الازدهار”، مضيفا: “بلدي اختار تقاسم خبرته ونقلها إلى أشقائه الأفارقة. وهو يدعو، بصفة ملموسة، إلى بناء مستقبل تضامني وآمن”

كما أن الزيارات التي قادها الملك محمد السادس(نحو 30 دولة في 50 زيارة متنوعة) ، توجت بمجموعة من الاتفاقيات والمشاريع شملت مختلف المجالات والقطاعات الحيوية، وفي الإجمال بلغ عدد الاتفاقيات الموقعة بين المغرب والعديد من البلدان الإفريقية أكثر من 590 اتفاقية، ساعدت المغرب من توسيع نفوذه الاقتصادي والمالي في القارة.  كما طور المغرب بفضل رؤية جلالة الملك تصورا فعالا لتعاون جنوب-جنوب مع إفريقيا، حيث أصبح حاليا المستثمر الإفريقي الأول بالقارة الإفريقية .

لقد أصبحت القارة الإفريقية تحظى بأولوية متقدمة في السياسة الخارجية المغربية، خصوصا بعد عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، التي تمكن من خلالها من تطوير علاقاته مع دول القارة على المستوى السياسي والاقتصادي، ولم يعد مقعده فارغا كما كان من قبل. كما استعاد المغرب ، بفضل جهود جلالة الملك محمد السادس ، ثقة الدول الإفريقية في قدرة هذا البلد على توظيف إمكانياته وموارده لخدمة مصالح القارة في إطار من الشراكة المتكافئة وتعزيز بنية السلم والأمن في القارة.

وتشير الدراسات حول نتائج التوجهات الجديدة في السياسة الخارجية المغربية تجاه إفريقيا إلى أن المغرب تمكن خلال أقل من سنتين، بناء على روابطه التاريخية مع القارة الإفريقية، من استعادة مكانته ودوره الرائد في الاتحاد الأفريقي من خلال حضوره و مشاركته في أجهزة الاتحاد. قد استعاد المغرب مكانته ودوره الرائد في الاتحاد الأفريقي من خلال حضوره ومشاركته في أجهزة الاتحاد واللجان المتخصصة المنبثقة عنه، تمثل ذلك أساسا بانتخابه عضوا في مجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي، حيث استثمر عضويته في هذا المجلس من خلال التصدي لأعداء الوحدة الترابية ولعب دور بارز في الدفع من أجل إصدار القرار 693 الصادر عن القمة الإفريقية التي انعقدت في يوليوز 2018 في نواكشوط، الذي كرس حصرية الأمم المتحدة إطارا للبحث عن حل للنزاع الإقليمي في شأن الصحراء المغربية، كما لعب المغرب من خلال عضويته في المجلس المذكور دورا مهما في التنسيق بين أجندتي الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في مجال حفظ السلم والأمن بدول القارة .

وهكذا أصبح المغرب “ورقة صعبة” داخل منظمة الاتحاد الإفريقي، خصوصا مع ثقله الاقتصادي باعتباره ثاني مستثمر بالقارة، ومن المتوقع أن يحتل المرتبة الأولى بعدما استثمر بشكل كبير مؤخرا، مثل إنشاء أكبر معمل للأسمدة بإثيوبيا، وإطلاق مشروع إنجاز خط إقليمي لأنابيب الغاز مع نيجيريا. علما بأن إسبانيا لها استثمارات مهمة بعدد من الدول الافريقية ، وتنظر إلى المغرب كمنافس جيوسراتيجي ، باعتبار حلقة وصل بين إسبانيا وغرب أفريقيا ،و تخشى أن يهيمن المغرب على أكبر الاستثمارات بالقارة السمراء.

أضف إلى ذلك انخراط المغرب في مجموعة دول الساحل الخمس (G5) ، للتصدي للأخطار الإرهابية التي تتهدد المنطقة ، نظرا لخبرته التي راكمها في مجال محاربة التطرف العنيف والإرهاب ،حيث أصبح له حضور أمني بجانب دول أوروبية في أفريقيا ومنطقة الساحل بصفة خاصة ، كألمانيا و فرنسا و إسبانيا .

النموذج التنموي الجديد

في يوم 13 أكتوبر 2017، بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الأولى من السنة التشريعية الأولى، دعا جلالة الملك محمد السادس في خطابه إلى اعتماد نموذج تنموي جديد، من خلال إعادة تقييم النموذج التنموي الوطني الحالي، ووضع نهج جديد يركز على تلبية احتياجات المواطنين، والقدرة على إيجاد حلول عملية للمشاكل الحقيقية، والقدرة على الحد من الفوارق المجالية وعدم المساواة. وفي افتتاحه للدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة للبرلمان 12 أكتوبر 2018، أكد  الملك ، أن “النموذج التنموي للمملكة أصبح غير قادر على تلبية احتياجات المواطن المغربي”. وأضاف الملك في خطابه أن “المغاربة اليوم يحتاجون إلى التنمية المتوازنة والمنصفة التي تضمن الكرامة للجميع وتوفر الدخل وفرص الشغل، وخاصة للشباب، وتساهم في الاطمئنان والاستقرار والاندماج في الحياة المهنية والعائلية والاجتماعية، التي يطمح إليها كل مواطن؛ كما يتطلعون إلى تعميم التغطية الصحية وتسهيل ولوج الجميع إلى الخدمات الاستشفائية الجيدة في إطار الكرامة الإنسانية”. ومن خلال خطابه، وضع الملك أسس تصور للنموذج التنموي الجديد المنشود، حيث ارتكزت على ضرورة تسريع تفعيل الجهوية المتقدمة ونقل الاختصاصات والكفاءات البشرية المؤهلة والموارد المالية الكافية. فضلا عن العمل على إخراج نظام اللاتمركز الإداري، وملائمة السياسات العمومية مع الخصوصيات المحلية. وركز أيضا على ضرورة إشراك كافة القوى الحية والفعاليات والكفاءات الوطنية في إعداد هذا المشروع الجديد انطلاقا من روح الدستور.

وفي نونبر من سنة 2019، عين الملك لجنة خاصة، كلفها بالعمل على مشروع النموذج التنموي الجديد في إطار منظور استراتيجي شامل ومندمج. وفي يوم الثلاثاء 25 مايو من العام الجاري قدمت اللجنة تقريرها أمام جلالة الملك يتضمن خلاصاتها وتوصياتها الخاصة بالنموذج التنموي.

فالآن أمامنا وثيقة، تعد خارطة الطريق للنموذج التنموي المنشود ورؤية استراتيجية لبلادنا في أفق 2035، تحتاج إلى تنزيل وترجمة إلى إجراءات وأهداف قابلة للتنفيذ، وفق منهجية يمكن من خلالها وضع برامج ومؤشرات الأداء، وتحديد من الجهات المسؤولة عن عملية التنفيذ والمتابعة الفاعلة، وتحديد الجداول الزمنية، ورصد الميزانيات، وتحديد آلية واضحة للمساءلة عن كل هدف من الأهداف (ربط المسؤولية بالمحاسبة).

فالنموذج التنموي الجديد يقتضي مقاربة تشاركية بانخراط كافة الفاعلين من هيئات حكومية وجماعات ترابية وأحزاب سياسية ومجتمع مدني ومؤسسات عمومية ومقاولات خاصة وكل مكونات المجتمع وحتى المواطنون. لكن تبقى الحكومات القادمة معنية أكثر بهذا النموذج، باعتبارها مسؤولة عن تحديد السياسات العامة وتنفيذها حسب ما يقتضيه الدستور، وأيضا من منطلق مسؤوليتها أمام الملك والشعب، ما يستوجب تكييف برامجها مع أهم الخلاصات التي وردت في التقرير.

فتقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي فرصة لإعادة النظر في تدبير وترشيد السياسات العمومية وتقييمها، وفق أهداف محددة وفي إطار التتبع والمساءلة، ما يستوجب تعبئة كل إمكانيات البلاد، وبالأساس وضع العنصر البشري في صلب أولويات السياسات العمومية.

الجهوية الموسعة

فقد اختار المغرب الجهوية المتقدمة لتكون محور النموذج التنموي الاقتصادي الوطني ، لأن الجهوية مدعوة اليوم لتصبح مجالا ترابيا يملك صلاحية تدبير الشؤون المتعلقة بمستقبل المغرب، في إطار الوحدة الترابية للمملكة.

فالجهوية المتقدمة ليست مجرد تدبير ترابي أو إداري، بل هي تجسيد فعلي لإرادة قوية على تجديد بنيات الدولة وتحديثها، بما يضمن توطيد دعائم التنمية المندمجة لمجالاتنا الترابية، ومن ثم تجميع طاقات كافة الفاعلين حول مشروع ينخرط فيه الجميع .

كما أن الجهوية، في منظور جلالة الملك، ليست مجرد قوانين ومساطر إدارية، وإنما هي تغيير عميق في هياكل الدولة، ومقاربة عملية في الحكامة الترابية، فهي تمثل أنجع الطرق لمعالجة المشاكل المحلية، والاستجابة لمطالب سكان المنطقة، لما تقوم عليه من إصغاء للمواطنين، وإشراكهم في اتخاذ القرار، لا سيما من خلال ممثليهم في المجالس المنتخبة.

وهكذا عرف المغرب صدور القانون التنظيمي للجهات ليساهم في تدعيم مكانة اللامركزية الجهوية، و التنصيص على مقومات ومبادئ تراعي الخصوصية المحلية وتنفتح على التجارب المقارنة و السعي لتحسين سبل استفادة المواطن من الخدمة العمومية والبحث عن كيفية إدماجه في تنمية ترابه المحلي ، مع ضرورة العمل وفق منهجية تشاركية لبلورة خطط، وبرامج جهوية لإدماج الشباب، و مراعاة التكامل، والانسجام مع الاستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب، ومع برامج التنمية الجهوية.

 الدفاع عن الوحدة الترابية

أعلنت المملكة المغربية في عام 2007 المبادرة المغربية للتفاوض حول الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء، تميل هذه المبادرة، التي يقودها جلالة الملك محمد السادس، والمستوحاة من روح الانفتاح، إلى تهيئة الظروف لعملية حوار ومفاوضات تؤدي إلى حل سياسي مقبول للطرفين.

فمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، والذي خطط له الملك محمد السادس، صار كحل سياسي للنزاع الدائر حول الصحراء المغربية يجد له أصداء إيجابية لدى المجتمع الدولي الذي يرى فيه الحل الأنسب والأمثل، من شأنه أن يغلق الباب أمام الدعوات الانفصالية للبوليساريو، ومن يقف وراءهم، المطالبة بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، هذا المطلب الذي تم تجاوزه من قبل مجلس الأمن ،عندما أكد في قراراته الأخيرة كان آخرها القرار رقم 2494 الصادر في 30 أكتوبر 2019، على وجاهة مبادرة الحكم الذاتي “.

فبفضل التوجيهات الملكية، رسخ المغرب أسس مغربية الصحراء داخل مختلف هيئات الأمم المتحدة، تجلى ذلك في قرارات مجلس الأمن التي أكدت على أن حل النزاع حول الصحراء لا يمكن أن يكون إلا سياسيا وواقعيا وعمليا ودائما وقائما على التوافق.

كما قرار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق دونالد ترامب بالاعتراف بالسيادة الكاملة والتامة للمغرب على صحرائه، يشكل تتويجا للعمل الجاد لدبلوماسية فاعلة واستباقية وطموحة تعمل وفقا للرؤية المتبصرة للملك محمد السادس، علما بأن الولايات المتحدة عبرت دائما عن دعمها لمخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب كحل سياسي واقعي.

فهذا الاعتراف يمثل منعطفا تاريخيا سيكون له أثر إيجابي على الإجراءات والأنشطة المستقبلية للدبلوماسية المغربية في معالجة القضية الوطنية، تعزز أيضا بافتتاح قنصليات عدة دول في العيون والداخلة، وترسيم الحدود البحرية بما في ذلك أقاليمنا الجنوبية بمقتضى القانون المغربي .

إن ما ذكرناه من أمثلة بخصوص الإنجازات التي تحققت في عهد جلالة الملك محمد السادس خلال 22 سنة من حكمه ، تعد قليلة ، بالنظر إلى  حجم الإنجازات التي تحققت و التي تحتاج إلى إسهاب وتفصيل ، لم تسعنا اللحظة للخوض فيها .

الدكتور خالد الشرقاوي السموني، أستاذ بكلية الحقوق بالرباط وبالمعهد العالي للإعلام والاتصال

السمات ذات صلة

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

حصاد فبراير

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة