بعد اعتزال عمالقة أم الألعاب المغاربة ألعاب القوى من قبيل هشام الكروج ونزهة بيدوان وحيسو صلاح والبقية من الذين رفعوا راية المغرب في أكبر المحافل الرياضية ، تسربت مخاوف شتى لدى المسؤولين ومعهم فئات عريضة من الجمهور المغربي. وتساءل الاعلام الرياضي عن غياب الخلف الذي يعوض هذا الرعيل المتألق، هواجس المسؤولين والجمهور سرعان ما تبددت بعد أن سطع نجم ابنة سيدي يوسف بن علي مبكرا، وأكدت أنها تحمل من الموهبة والقوة والارادة ما يشفع لها بلفت أنظار المراقبين والمختصين وهي تخطو خطواتها الأولى على درب التألق والنجاح واضعة نصب أعينها الوصول الى العالمية من الباب الواسع على غرار نوال المتوكل ونزهة بيدوان. انها مريم العلوي السلسولي التي رأت النور يوم 8 يوليوز سنة 1984 بمراكش الحمراء والتي رسمت لنفسها مسارا محترما ونقشت اسمها بحروف من ذهب في سجل الأبطال، الذين شرفوا المغرب والمرأة المغربية تحديدا. طريق النجاح لم يكن مفروشا بالورود كما قد يتصوره البعض، لقد تخللته متاعب وعراقيل عديدة تجاوزتها ابنة مراكش بصبر وعزيمة فولاذية، زادها في ذلك ثقتها الكبيرة في امكانياتها وقدراتها الهائلة ودعم أسرتها الصغيرة خصوصا وأنها متزوجة من عداء مغربي يعرف احتياجات ومتطلبات واكراهات الرياضة، مما سهل على مريم تسلق درجات النجاح بثباث لتفخر بنفسها ويفتخر بها الوطن. علاقة مريم بأم الالعاب انطلقت مبكرا، بعد أن اكتشف أساتذتها في مدرستها قدراتها الهائلة في تصدر كل السباقات التي تدخل غمارها متجاوزة أقرانها بسهولة تامة، مما يؤكد صدق تنبؤات المحيطين بها وتعلن عن شهادة ميلادها كبطلة مستقبلية واعدة، لاسيما بعد أن تمكنت من الفوز في بطولة العالم للألعاب المدرسية لتطل بموهبتها على العالم وتسلط عليها الأضواء كواحدة من أكبر المواهب التي ستقول كلمتها مستقبلا. تألق مريم تواصل بتحقيقها لانجازات متميزة بدأتها بميدالية فضية في مسافة 3000 متر موانع في بطولة العالم للشبان في ” كيغنستون” سنة 2002، ثم ميدالية فضية أخرى في بطولة العالم داخل القاعة في فالانسيا عام 2008، وقبلها بعام كانت قريبة من التتويج بعد ان حلت رابعة في مسافة 1500 متر في أوساكا اليابانية خلال بطولة العالم، بعد أن خانها حساباتها التكتيكية في النهائي. تعددت انجازات البطلة المغربية لكن يبقى أكبر انجاز تفخر به مريم هو صعودها لمنصات التتويج في اسطمبول التركية خلال بطولة العالم داخل القاعة في مارس الماضي حين توجت بالميدالية الفضية في مسافة 1500 متر.لتصرح على هامش الاحتفال الذي نظمته الجامعة الملكية على شرف الابطال المتوجين في البطولة بقولها ” أنا فخورة بهذا الانجاز،لأنه سيكون له الأثر الايجابي على الروح المعنوية للرياضيين المغاربة، للقيام بمجهودات أكبر للسير قدما على أمل التتويج بأولمبياد لندن المزمع اجراؤها ما بين 27 يوليوز 12 غشت ورفع راية المغرب. أخر انجازات مريم هو تحقيقها لأفضل توقيت عالمي لسنة 2012 في ملتقى يوجين في مسافة 3000 متر والذي رفع من درجات المراهنة وسط المراقبين بامكانية تحقيق ميدالية أولمبية بالنظر للمؤهلات والتوقيت الذي حققته. مسار مريم السلسولي الناجح تخللته لحظات صعبة خلال مشوارها الرياضي كادت تعصف بمستقبلها وتنهي حكاية العشق الدي نسجتها مع مضامير الملتقيات العالمية. السلسولي سبق لها أن تعرضت لزلة قدم ذات يوم في درج منزلها مزقت أوتار وأعصاب وشرايين يدها اليمنى، تفاصيل الحادث ووقائعه جرت في ساعة متأخرة من ليالي شتنبر الساخنة المفعمة بالأجواء الروحانية لشهر رمضان الابرك، عندما كانت مريم تنزل كعادتها بحركية من درج منزل الاسرة، غير أن زلة القدم أفقدتها التوازن لتمتد يدها اليمنى نحو زجاج سميك لنافذة بجنبات الدرج محاولة منها لتفادي السقوط.. الا أن قوة الحركة وثقل الجسم كان له مفعول عكسي لتفقد مريم حينها الاجزاء الحيوية ليدها، ليتم نقلها على وجه السرعة الى مستشفى محمد الخامس، لكن من سوء حظها أن المداومة الليلية كانت لأطر طبية في طور التدريب ليس لها من الخبرة لعلاج مثل هذه الحالات، لتطير بها عائلتها الى مصحة خاصة ربطت الاتصال مع الدكتور “مصطفى الشرايبي القعدود” الاختصاصي في جراحة العظام والمفاصل والذي تكفل باجراء عملية جراحية معقدة استمرت 4 ساعات لاعادة تثبيث الاعصاب والشرايين لتتكلل العملية بنجاح وتبدأ بعدها مرحلة الترويض والذي استمرت 3 أشهر كاملة وفق برنامج مظبوط انطلق منذ اليوم الثالث من اجراء العملية لتعود بعدها الى حلبات التمارين لاستعادة طراوتها البدنية والاستعداد لاستكمال مسارها الرياضي. ليس ذلك فحسب، فقد شكل توقيفها لمدة سنتين من طرف الاتحاد الدولي لألعاب القوى نقطة سوداء في مشوارها الرياضي وذلك بعد استبعادها وهي تتأهب لخوض نهائي 1500 متر في بطولة العالم الثانية عشرة في برلين يوم 22 غشت 2009، وذلك على خلفية ثبوت تناولها لمادة منشطة محظورة “الأرتروبوتين”” لتتم تزكية القرار من طرف الجامعة الملكية المغربية تطبيقا لتعليمات الاتحاد الدولي والوكالة العالمية لمكافحة المنشطات. السلسولي دافعت عن براءتها بكل ما أوتيت من قوة دون أن تفلح في الغاء العقوبة لترضخ للامر الواقع وتواصل تداريبها بقوة ورغبة أكبر في تفنيد اداعاءات المختبر الذي أجرى لها التحاليل. مرت السنتين وعادت مريم أقوى مما كانت ودشنت عودتها للميادين بأفضل صورة ممكنة بعد أن فازت بأول سباق لها مباشرة بعد عودتها من فترة التوقيف خلال ملتقى رييتي بايطاليا في مسافة 1500 متر لتنتصر لارادتها وعزيمتها وتؤكد أنها بطلة من المعدن النفيس.
العداءة التي قهرت الكسور والاتهام بتناول المخدر ورفعت العلم المغربي

الوجه الاخر