كانت، رسميا، زوجة يوسف بن تاشفين (1009-1106)، وفي الحقيقة مستشارته، ومنهم من يقول إنها كانت الماسكة بزمام السلطة، وبهذا كانت الملكة الحقيقية للإمبراطورية المرابطية، التي اعتبرت أكبر إمبراطورية مغربية على الإطلاق. لا نعرف كثيرا عن أصلها، وكل ما اتفق عليه المؤرخون أنها كانت ابنة تاجر كبير، هو إسحاق الهواري، وتنتمي إلى قبيلة نفزاوة، وكانت تسكن بمدينة أغمات، التي كان لها باع ثقافي كبير، إلى درجة أنها كانت تعتبر عاصمة ثقافية. تقول الرواية، التي نبش في تفاصيلها المؤرخون، أن يوسف بن علي احتل بجيشه، المتكون من قبيلة مغراوة، أغمات، فتزوج بأجمل فتاة، التي لم تكن إلا زينب النفزاوية… كان المغرب الأقصى، آنذاك، مسرحا للصراعات بين القبائل، حيث كوّن يوسف بن علي جيشا من قبيلة مغراوة، وهاجم أغمات، واحتلها وتزوج بأجمل نسائها زينب، ولم يمر الكثير من الوقت حتى أعاد التاريخ نفسه. جاءت قبيلة أمازيغية، هي قبيلة بنو افرنس، وهاجمت أغمات بقيادة «لاغوت» فتزوج لاغوت زينب. وبعدها هاجم المرابطون أغمات، وقتلوا لاغوت، وتولى الحكم أبو بكر بن عمر المرابطي. وحينما سمع أبوبكر عن الأرملة زينب، التي يحكى أنها كانت كاهنة أو ساحرة أو رفيقة الجن، حاول التقرب منها والزواج بها. ما كان صحيحا ومتأكدا منه، خارج الإشاعات والاستيهامات، أن زينب كانت جميلة وفاتنة وغاية في الذكاء.. وذات شخصية تبعث على الارتياح، لكن ما يذكره المؤرخون، وله بالغ الأهمية، كما ستتابعون، أنها كانت تملك ثروة هائلة عن والدها التاجر. يحكى أنه لما جاء المرابطي أبوبكر ليطلب زينب، عصبت عينيه وأخذته إلى منزل تحت أرضي، وحينما أزالت المنديل الذي حجب عنه الرؤية، فوجئ بأنه على ضوء الشموع أمام سلسلة غرف مليئة بالذهب والمجوهرات والفضة والياقوت. بقية الحكاية تروي أنها قالت له بالحرف: «كل هذا لي، وأنا أهديك إياه». بعدها عصبت عيني السلطان، وأخرجته من دهليز الغرف التي تخفي كنزا، دون أن يعرف لا من أين دخل ولا من أين خرج. وهكذا يمكن القول إن زينب النفزاوية اشترت حق امتلاك السلطة من أبوبكر، وفيما بعد من يوسف بن تاشفين. يقول عنها المؤرخ رينرت دوزي: «بعد أن حُكموا من طرف راهب ومن طرف قديس، حُكم المرابطون من طرف امرأة». لقد ظل رؤساء وأمراء القبائل المجاورة يطلبون يدها، ولكنها كانت ترفض وتصر على أنها لن تتزوج إلا ممن يحكم كامل المغرب. حكاية زينب النفزاوية ستزداد تعقيدا إذا علمنا كيف تزوجت من السلطان يوسف. انتقل أبوبكر، الذي لم يكن إلا زوجها، إلى الصحراء سنة 1061، بعد أن انفجرت نزاعات هناك، ففوّض الحكم لابن عمه يوسف بن تاشفين، وطلّق زينب، لأنه كان يعرف أن حياة الصحراء صعبة، ولا تصلح لامرأة رقيقة مثلها. مؤرخون آخرون يعتقدون أنه طلّقها لتظل رمزا للسلطة المرابطية. ما حدث أن يوسف بن تاشفين تولى إدارة شؤون الدولة، وتزوج بزينب. وفي 1072 كان ابن عمه أبو بكر على طريق العودة، وكان يلزمه أن يسترجع سلطته، وبذكائها السياسي، نصحت زينب ابن تاشفين بأن يحافظ على السلطة دون محاربة ابن عمه، أي زوجها السابق. وهكذا عندما وصل أبو بكر إلى ضواحي أغمات، استقبله ابن تاشفين دون النزول عن حصانه، وحرص على أن يمنحه العديد من الهدايا، من بينها سيوف وخيول وعبيد، فلم يكن من أبي بكر إلا أن عاد إلى الصحراء دون حرب، فعدم نزول يوسف بن تاشفين عن حصانه وهو يستقبل ابن عمه، الذي فوض إليه الحكم، معناه أنه بات السلطان. وبخلاف زيجاتها السابقة، كان لزواج زينب النفزاوية من يوسف بن تاشفين طعم خاص، إذ يبدو أنه كان مبنيا على علاقة حميمة نادرة، ويخفي قصة حب عمّقها تقاسمهما لحب السلطة والفتوحات. ففي الأيام الأولى، كان يوسف بن تاشفين متخوفا بعض الشيء، وكانت زينب تطمئنه، ويحلو لها أن تردد على مسامعه: «سأجعل منك سلطانا كبيرا يحكم المغرب بأكمله». ظلت تشجعه على الفتوحات، وتزوده بأموال لتحقيق مشاريعه، ويسجل التاريخ أنه باتباعه لنصائحها قوى يوسف ثروته وجيشه وفتح مناطق جديدة. ومن بين الطرائف التي يرويها المؤرخون عن شخصية زينب وعلاقتها بالسلطان يوسف، أن هذا الأخير بلغه أن ثلاثة رجال كانوا يتحدثون، فقال الأول إنه يتمنى أن يملك ألف قطعة ذهب، وقال الثاني إنه يتمنى منصبا إداريا لدى ابن تاشفين، أما الثالث فقال إنه يحلم بالزواج من زينب. بمجرد ما بلغ الخبر مسامع ابن تاشفين، استدعى الرجال الثلاثة، فمنح الأول ألف دينار، وعين الثاني في منصب إداري، وأرسل الثالث إلى زينب، فأدخلته إلى خيمة، وكانت تطعمه من الطبق نفسه كل يوم، وفي اليوم الثالث استدعته، وسألته عما أكله، فأجاب: «الشيء نفسه»، فأهدته قدرا من المال وقالت له: «اذهب إلى بيتك.. ولا تنس أن النساء كلهن «نفس الشيء»، وكانت تعني أن كل النساء يتشابهن، وأن الأجدر به ألا يعشق امرأة الغير. إنها حكاية طريفة تعطينا فكرة عن التواطؤ الذي كان بين زينب ويوسف. وتروي القصص التي توارثت عبر السنين وأرّختها الكتب، أنه حينما كان ابن تاشفين يختلي بأبناء عمومته كان يحلو له أن يسّر لهم بالقول: «كل هذا من فضل زينب». بعد وفاة زينب سنة 1072، تابع يوسف بن تاشفين، الذي بقي على قيد الحياة إلى غاية سنة 1106، فتوحاته، وسيطر على فاس سنة 1075، وتلمسان في 1080 والجزائر في 1082، والأندلس بين 1090 و1094، وهكذا خلق إمبراطورية تمتد من السنغال إلى الأندلس، ومن المحيط إلى الجزائر، وهي أكبر إمبراطورية في تاريخ المغرب. كما لو كنا أمام امرأة خارقة للعادة، ولو لم يكن هناك إجماع من طرف المؤرخين على أن شخصية زينب النفزاوية حقيقية، لاعتقدنا أننا أمام شخصية أسطورية، لاسيما أنها كانت تتزوج من كل سلاطين عصرها بمجرد وصولهم إلى سدة الحكم اقرأ أيضاً:. ملكات حكمن المغرب: أم العز التباع.. كانت وراء توقيع اتفاقية السلام والتجارة بين المغرب وبريطانيا العظمى! ملكات حكمن المغرب: كنزة.. ضمنت استمرار الدولة المغربية ! زيدانة.. ضعف أمامها مولاي إسماعيل قاطع الرؤوس ودفعته إلى قتل ضرتها وابنهما!
الرئيسية /
الوجه الاخر /
زينب النفزاوية.. تزوجها كل مرابطي وصل إلى سدة الحكم.. وفق شرطها
زينب النفزاوية.. تزوجها كل مرابطي وصل إلى سدة الحكم.. وفق شرطها

الوجه الاخر