كشف عطيف العوني، أحد الناجين من أحداث 20 يونيو 1981 “المأساوية” في المغرب، عن تفاصيل لما تعرض له هو ورفاقه من “تعذيب وإهانة على يد السلطات آنذاك”. العوني، وهو عضو في المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، يسرد قصة البقاء على قيد الحياة في ظروف لا إنسانية، حيث شهد وفاة 38 شخصًا في الزنزانة التي احتجز فيها.
يصف العوني في حديثه لموقع “فبراير.كوم”، بتفصيل مؤلم أساليب التعذيب والإذلال التي تعرضوا لها، بما في ذلك إجبارهم على قضاء حاجاتهم أمام الملأ في ظروف مهينة، كما يشير إلى عملية الفرز التي تمت بين المعتقلين، والمحاكمات السريعة التي أعقبت ذلك.
رغم مرور عقود على هذه الأحداث، يؤكد العوني أن معاناة الضحايا لم تنته. فبينما حصل بعض الضحايا ذوي الانتماءات السياسية على تعويضات، لا يزال العديد من الضحايا “الاجتماعيين” يعانون من الفقر والأمراض المزمنة والنفسية دون أي دعم يذكر، مشيرا إلى الاعتصام الطويل الذي نظمه الضحايا أمام المجلس الوطني لحقوق الإنسان من يناير 2015 إلى يناير 2016، والذي تضمن إضرابًا عن الطعام، مطالبين بحل مشاكلهم.
“ورغم الوعود، لم يتحقق سوى القليل من مطالبهم حتى الآن”. يقول المتحدث.
ومن بين القضايا العالقة التي أثارها العوني، مسألة رفات الضحايا التي تم نبشها دون إطار قانوني واضح، وعدم تمكن العائلات من التعرف على رفات ذويهم وإقامة المراسم الدينية اللائقة لهم.
ختامًا، يؤكد العوني أن جبر الضرر، سواء على المستوى الجماعي أو الفردي، لا يزال غائبًا، وأن غالبية الضحايا لم يتلقوا أي تعويض حتى اليوم. هذه الشهادة تسلط الضوء على الحاجة الملحة لتحقيق العدالة الانتقالية الحقيقية وإنصاف ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب.
محمد متقي الله، المنسق الوطني لمجموعة “أهرمومو”، يسلط الضوء على معاناة فئة من الطلبة العسكريين الذين تعرضوا للتهميش والإقصاء منذ ذلك الحين.
يصف متقي الله الوضع قائلاً: “تعرضنا للتهميش والإقصاء في إطار جبر الضرر ورد الاعتبار والتعويض المادي والمعنوي”. ويضيف أن هذه الفئة أصبحت “مهمشة ومغلوب عليها” بسبب الظروف التي عاشتها خلال فترة “سنوات الرصاص” في السبعينيات.
بعد مرور أكثر من نصف قرن، لا يزال هؤلاء الضحايا يطالبون بتعويض “كامل وشامل” في إطار تسوية عادلة وتطبيق مبادئ العدالة الانتقالية.
ويشير متقي الله إلى أن عددهم يتناقص مع مرور الوقت، مؤكداً: “نحن الآن ننقرض، لم يبق منا إلا البعض”.
ومن بين القضايا المثيرة للقلق التي أثارها متقي الله، مصير 111 طالباً عسكرياً قُتلوا خلال الأحداث. يقول: “فقدنا 111 طالباً عسكرياً… الآن هم بقوا أسماء في الحالة المدنية العائلية، لا زالوا على قيد الحياة [في السجلات] في حين أن أسرهم لم يسأل عنها أحد”.
يطالب متقي الله المسؤولين في الشأن الحقوقي بالالتفات إلى هذه الفئة وغيرها من الفئات المتضررة، بما في ذلك المدنيين والعسكريين والنقابيين.
ويدعو إلى تسوية شاملة تأخذ بعين الاعتبار كل حالة على حدة، مؤكداً على ضرورة تطبيق العدالة الانتقالية بشكل شامل.
سعدية دواش، تصرح لموقع “فبراير.كوم”، قصة معاناة امتدت لعقود، حيث بدأت مع اعتقال زوجها محمد هزهاز في عام 1981 كمعتقل سياسي. هذه القصة تسلط الضوء على التحديات التي واجهتها عائلات المعتقلين السياسيين في المغرب خلال فترة ما يعرف بـ “سنوات الرصاص”. تقول سعدية: “تعتقل في 81 وخلا لي الدرية وخلى باه وأمه”.
وجدت نفسها فجأة مسؤولة عن رعاية أطفالها الصغار ووالدي زوجها المسنين. اضطرت للعمل في الشارع وفي المنزل لتوفير لقمة العيش لعائلتها. كانت الزيارات إلى السجن في عين علي مومن تشكل تحدياً إضافياً.
تصف سعدية المخاطر التي كانت تواجهها: “كتخرج مع ربعة الصباح… ما تعرف تلقى لك شفار ولا شي حمق”. رغم هذه المخاطر، كانت تصر على زيارة زوجها بانتظام. بعد خمس سنوات من الاعتقال، خرج محمد من السجن، لكنه كان مريضاً بشدة.
تقول سعدية: “خرج مريض بالقلب ومريض بالبروستات ومريض بالراس”. وتضيف أن صحته تدهورت بسبب سوء المعاملة في السجن. استمرت معاناة سعدية حتى بعد إطلاق سراح زوجها، حيث كانت تعتني به وهو مريض. تصف كيف كانت تحمله على ظهرها لنقله من مكان لآخر: “كنديه على رجلي مكيبغيش الطاكسي يهزني”. عندما جاء وقت التعويض، شعرت سعدية بالظلم.
تقول: “عطوني 186 ألف ريال في التعويض… غير لي كوش اللي كنت كندير ليه ديال الدوا”. ترى أن هذا المبلغ لا يعوض سنوات المعاناة والتضحية. اليوم، تجد سعدية نفسها في وضع صعب. تقول: “أنا بقيت ضايعة لا صحة لا والو”. وتتساءل عن سبب عدم إدراجها وابنتها في برامج الإدماج، مشيرة إلى أنها قضت خمس سنوات من العذاب بينما كان زوجها في السجن.