الرئيسية / أقلام الحقيقة / بوصوف: عندما تنبأ الحسن الثاني برجوع المغرب إلى الإتحاد الإفريقي

بوصوف: عندما تنبأ الحسن الثاني برجوع المغرب إلى الإتحاد الإفريقي

عبد الله بوصوف
أقلام الحقيقة
حمزة حبحوب 31 يناير 2017 - 11:29
A+ / A-

أسالـتْ عـودة المغرب إلى البيت الإفـريقي الـكثير من الـمداد؛ فـمنها من أصابت الـتحليل، ومنها من جـانبـته… كما تـسربـت الـكثير من المغالطات المتسرعـة ـ سـواء بقصد أو بـدونـه ـ وقـع فيها البعض دون البحث عن “أسبـاب النزول” أو ربط الأحداث بسياقها الـتاريخي؛ وهو ما جعلها بعيـدة عن الموضوعية وقـريبـة مـن كل “هـذيـان فـكـري”..

لأننـا بهـذا نكون في تماهٍ مع أقـلام البوليساريو، في حين أن الأمر لا يحتاج إلى إظهار قـدرات خارقة في الـتحليل.. واختـلاق فرضيات لا تعتـرف بها أحـداث التـاريخ..

فـانسحاب المغرب من منظمة الوحـدة الإفـريقيـة في 12 يـونيو 1984 كان في ظل سياق تـاريخي خاص، وطلب عـودتـه إلى منظمة الاتحاد الإفـريقي في سبتمـر 2016، تـم في سياق تـاريخي خاص أيضا… مما يجعل هـامش الـمغالطة التـاريخيـة ضيق جـدا…!

اعتـرف الأعـداء قبـل الأصدقاء بالذكاء والدهاء والبصيرة السياسية للمغفور له الملك الحسن الثاني. لذلك، يُـنصح بإعادة قـراءة “رسالة الانسحاب” الـتاريخية أكثر من مـرة، حيـث تحضر الـقـراءة الـقوية للحظة التـاريخية، وأيضا نلمـس مـرارة فـراق الـرفاق والإخـوة الأشقـاء؛ فإعلان انسحاب المغرب من منظمة الـوحدة، في يـونيو 1984، لـم يكـن صدفة تاريخيـة، بـل كان نـتيجة لـمسلسل ملـيء بمشاهـد “تـآمريـة”…”لـتحريف بعض مقتضيات ميثاق منظمة الوحدة بكيفية ظرفية أو لمصلحة خسيسة ويدفع بمنظمة الوحدة إلى الهلاك وبأعضائها إلى الاقـتتال”..

إن انحراف “لجنة تنسيـق الحركات الـتحرر الإفـريقية” التـابعة لمنظمة الوحدة عـن هـدفها الأصلي، وتحكـم أطراف معينـة في توجيـه أشغالها تحت خلفيات إيديـولوجـية معينـة أسـهـم في خلـق أجـواء الـتحريف والتضليل وصل مـداه إلى خلـق “لجنـة خاصة” تتكـون من 5 أعضاء، وبضغط جـزائري خُـلقت “لـجنة فـرعيـة” تتكـون من عضويْـن من مالي ونيجيريا، ثـم إنشـاء “لجنة الحكماء”.

فعـادة مثل هاتـه الآليـات يكون الهدف منها هـو التسوية الـسلمية للنزاعات؛ لكـن في حالـتنا كـان بـاطنها استهـداف الـوحدة الترابية المغربية ولعبت دور الخصم والحكـم… والـدليل هو أن كل الخلاصات والتوصيات الصادرة عن اللجنة كانت خاضعة لمحـور الجزائر؛ بل سمحت اللجنة لأعضاء البوليساريو بـالحضور لأشغالهـا…!!

“المصلحة الخسيسة” ستدفـع بتقـديم طلب عضويـة البوليساريـو لـمنظمة الوحدة الإفريقية في يونيـو 1980 بسيـراليـون، وبحضور قـليـل لـم يتجـاوز 24 دولـة فقـط…!!

كانت كل الإشارات تـدل على قُـرب انفجار المنظمة من الـداخل، خاصة عندما أعـلـن عن الـبوليساريو كعـضو بهـا في 1982 بأديس أبابا أثـناء اجتماع لجنة المتابعـة في فبرايـر 1982، حيث انقسمـت المنظمة إلى فريقيْـن متعارضيْن… وانسحـبت 19 دولـة إفريقية من أشـغال اللجنة احتجاجا على خـرق ميثـاق منظمة الوحدة لـسنة 1963، بغيـاب الشرطين المضمنين في الفقـرة الرابعة من الميثاق، أي الاستقلال والسيادة في كيان البوليساريو. وحسب المرجعية القـانونية، فالبوليساريو لا يتـوفـر على خصائص الـدولة أي شعب / السيادة / حدود… وسلطة داخلية على أراضيها وبـدون توجيهات خارجية؛ وهو ما لا يتـوفر في كيان البوليساريـو إلى حد الـيوم. لـذلك، لا تعتـرف به الشرعية الدوليـة، وهو ما عبـر عنه أيضا المغفـور له الحسن الثاني “بتقـويض أركان الشرعيـة…” وضرورة احتـرام الفصل الرابع وممارسة السياسـة بالأخـلاق والفضيلـة… سيـراوغ البـوليساريو بغيـاب تكتيكـي عن قمـة 1983 تـاركـا المجال لحاضنتـه الجزائـر للمناورة وحشـد المواقـف بكـرم حاتمي، خاصة وآنذاك وصل سعـر البترول إلى عنان السماء….!

لكـن في قـمة أديس أبابا سنـة 1984، وبعد استنفـاد كل طـرق الـتوافـق، فـإن المغرب اختار طريـق الانسحاب تفـاديـا لتـأزيـم الـوضع وتمزيق المنظمة التي كان المغرب أحـد مؤسسيهـا سنـة 1963..

لـم يكن هـروبا ولا هـزيمة، بل كان انسحاب الأذكياء مـن لُـعبة ماكـرة وانتصارا للـفضيلة والشرعيـة، كان الهدف منها هو استنزاف المغرب وهو في لحظات عصيبة تميزت بأزمات اجتماعية (إضرابات..) وصراع سياسي داخلي (ميثاق جماعي وانتخابات…) وتـقلبـات مناخيـة قـاسيـة (جفاف طويل) واقتصاديـة (ارتفاع المديونيـة وسياسية إعادة التقويم الهيكلي).

الاحتـرام الـدائم للمشروعية واستحالـة تـنفيـذ البقـاء على الحدود الموروثة عن عصر الاستعمار جعلـا المغرب يـنسحب في انتظـار الحكمة والتعقـل.. وهـو بهـذا يُـعلـن عـن فـشل الـمنظمة القارية في تـدبير نـزاع إقـليمي لـيتـم نـقلـه الى مستـوى إشـراف دولي… وأن الانسحاب لا يعـني انغـلاق المغرب غلى نفسه، بل سيشتغـل على مستويات أخرى تـم سـردها في رسالـة الانسحاب، أي الجامعة العربية وعدم الانحياز والمؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة…. مع الإشارة إلى أننا كمغاربـة سنظل دائما في خدمة إفـريقيـا.. ومن ثم، أغلـق المغرب جولـته مع منظمة الوحدة الإفـريقيـة..

ولأنـه لكـل حـادث حـديـث، فـقـد كانـت “رسالـة العـودة” في يوليـوز 2016 لجلالة الملك محمد السادس إعلانـا عن جـولـة جديـدة مع منظمـة الاتحاد وريثـة الوحـدة الإفـريقية (سنـة 2002 )… جولـة لهـا سياقهـا التـاريخي الخاص بعد 32 سنة من الغيـاب الاضطراري عن البيـت الإفريقي… لـقـد وصف جلالته المرحلـة السابقـة في تـدبيـر الـمنظمة الإفريقية بـ”المراهقة السياسيـة”، وقد استجاب لتـوقيـت “في انتظار أن يتغلب جانب الحكمة والتعقـل…” حيث سحبـت أو جمدت العديـد من دول إفريقيا اعترافها بالبـوليساريو.. وتطـور ثقـافـة حقوق الإنسان بإفريقيا وتقويـة دور المجتمع المدني وغياب بعض الوجوه عن الساحة الإفريقية حيث كانت تسمى منظمة الـوحدة “بنادي الدكتاتـوريين”… جـولـة اتسمت بتجديـد العلاقـات الدبلوماسية والقنصلية مع دول إفريقية، وتقـويـة علاقات اقتصادية مع أخرى وتحسين حياة الشعـوب الإفريقية من خلال مشاريع تـنموية جعل الأفارقـة يملـؤون شوارع مدنهـم لاستقبال جلالة الملك محمد السادس خلال جولاتـه في تماه مع مضمون “رسالـة الانسحاب” بأن المغاربة سيظلـون في خدمـة إفـريقيا..

المغرب وهـو يُـقْـدم على إجـراءات العـودة إلى منظمة الاتحاد الإفـريقي، ليـس هو مغـرب الثمانينيات… مغرب اليـوم يعـرف انفتـاحا سياسيا وارتقاء اجتماعيا وتقدما حقوقيا وإعلاميا، وبتماسك لُحْمتـه الـداخلية بكل مكـوناتها حول الـمقدسات الـوطنية… كل هـذا يسمح بطلب العـودة التي لا تعني الـتسليم في الوحدة الترابية، كما عبرت عنه رسالـة قـمـة كيغـالي يـوليـوز 2016..

فالمغرب، الـيوم، في وضع يجعلـه قـادرا على تـدبير جولـة قـانونيـة جديـدة للدفـاع عن صحرائه من داخل هياكـل منظمة الوحدة الإفريقية، باعتبارها منظمة إقـليمية تعترف بها الأمم المتحـدة.. كما أن تفاقـم الأوضاع الـداخلية لخصوم الثمانينيات أفقدتـهم الكثير مـن قـوة تـأثيـرهم على دول إفريقيا الطامحة شعوبها إلى السلم والعيش الكريـم وليـس الـزج بهـم في نزاعات مجانيـة… بالإضافة إلى تغيير في ملامح العلاقات الـدولية وانتهاء الحرب الباردة وتغييـر التكتـلات الإيـديولوجية والاقتصاديـة…. وهـذا هـو “الـشـق المتحـول” في تـدبير الـنزاع داخل المنظمة…

أما “الشـق الـثابـت” فهـو لا مشروعيـة ولا شـرعية عضويـة كيـان البوليساريو، حسب مرجعيـة القانون الدولي وأيضا ميثاق منظمة الوحدة لسنة 1963، حيث تتطلب العضويـة شرطي الاستقلال والسيـادة؛ وهو ما سعـتْ إليـه منظمـة الاتحاد عبر الالـتفـاف عليـه من خلال الفصل الـ29 بقـولـه “يجـوز لأيـة دولـة إفـريقيـة….” ساقطة بـذلك شرطي الاستقلال والسيادة.. وبالرغم من ذلك فإن مقومات الدولة الإفـريقية لم تتوفر بعد في كيـان البوليساريو..

كما لـم يفـوت مهنـدسو ميثـاق الاتحاد الإفريقي فـرصة تـلغيـم الـفصل الـ4 بإقحـام قـدسيـة الحدود الموروثة عن الاستعمار، كنص في الميثـاق بعد أن كان فـقـط تـوصية وقـرارا في قمـة القـاهـرة يـوليـوز 1964… والجدل حول الفصل الـ4 ليـس ولـيد اليـوم؛ بـل عـرفت مسألـة قـدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار جـدلا قـانونيـا وفـقهيـا وفي أكثـر من هـيئـة مختصة، خاصة أنه أثـناء صدوره كان العديـد من الـدول الإفـريقية تُـقاوم من أجل نيـل الاستقـلال وتصفيـة الاستعمار؛ فـالمغرب آنـذاك كان يسترجع إقـليم سيدي إفني والصحراء المغربية، والصومال كانت في صراع مع إثيـوبيا حول منطقـة الأوجاديـن…لـذلك، قـدم كل من الصومال والمغرب تحفظـا على مبدأ قـدسيـة الحدود؛ وهو ما أكـدتـه رسالة الانسحاب من جـديـد بتـساؤل استنكاري حول إمكانيـة “تـنفيـذ الفصل، الذي ينص على بقاء الحدود الموروثة عن عهد الاستعمار على أصلها”.

الخصوم يصرون على مصطلح الانضمام ونحن نقـول العـودة؛ لأن الاتحاد الإفريقي هو المكان الطبيعي للمغرب، لأن “المغرب إفريقي بانتمائه”. كما أن كل الأوراق التحضيرية لخلق منظمة الاتحاد تصف مـؤسسي منظمة الوحدة بالآبـاء المـؤسسين وتشيـد بهـم، ومنهم المغرب وبالتالي لا يمكننا وصف عـودة الأب إلى أسرتـه بالانضمـام…!!!

لـذلك، قـلنـا في الـبدايـة يجـب استحضار الـسياق التـاريخي لكـل خطـوات الـتدبير، سـواء الانسحاب أو العودة إلى الـمنظمة الإفـريقيـة؛ لأن البـوليساريو أُعْـلنـت رسميـا عضـوا في منظمة الـوحدة منـذ 1982 وانسحـب المغرب سنـة 1984 فهـل هـذا يـعني أن المغرب قـد اعتـرف بالبوليساريو طيلـة الـسنتين الاثنتين؟

لـن تُـغيـر عـودة المغرب إلى المنظمة الافريقية مـن ثوابت المغرب المقدسة، بـل ستكـون مناسبة جـديـدة بعـد “اسـتراحـة محـارب” للـدفاع عـن الشرعيـة القانونيـة والـدوليـة… فـأرشيف ملـف تـدبيـر الصحراء المغربية يتضمن أيضا الـتحفظ على مبـدأ قـدسيـة الحـدود منـذ 1964 وتـم تـأكيـد الـتحفـظ ضمنيـا في رسالـة الانسحاب في 1984.. وما دام الاتحاد هـو وريث منظمة الـوحـدة، فإنـه ورث أيضا كل التحفظات والإعلانات التفسيرية؛ ومنها تحفظ كل من الصومال والمغرب..

وبما أن ميثـاق الاتحاد الإفريقي لا يشتـرط وجـود علاقات دبلوماسية وقنصلية بيـن الـدول الأعضاء لسريـان المعاهـدة، فإنـه لـن يكـون هنـاك اعتـراف مغربي بالبوليساريو، بالرغم من العـودة.. لـقـد صدقـت نبـوءة المغفور له الحسن الثاني، بأنه “سيأتي يـوم يعـيـد فيـه التـاريخ الأمور إلى نصابها”..

لـذلك، لـم نهضـم مسألـة مساهمة بعض مُـثقـفينـا ـ الـذين نكن لهم كل الاحترام ـ عـن غيـر قصد طبعـا، في نـشـر مغالطات وتصورات من هـندسـة أقـلام الـبوليساريو وجنـرالات قصر المرادية وتـرديـد أفـكـار تُـشوش على الإجماع الـوطني؛ لأننا نعتبر أن الانتصار للقضايـا الـوطنيـة والدفـاع عنـها واجب دستوري أولا وأخيـرا…

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

حصاد فبراير

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة