ترفع «الجمعية المغربية لحماية المال العام» هذه الأيام مطلباً أساسياً يتعلق بإلغاء معاش الوزراء ومكافأة نهاية الخدمة، لأن ذلك ـ في تقديرها ـ يشكل استمراراً لسياسة الريع في البلاد، ومن شأنه أن يسهم في صناعة نخب ريعية لا تبالي بالمصالح العليا للوطن، وتركز على المصالح الذاتية الضيقة.
ويرى الناشط الحقوقي، محمد الغلوسي، رئيس الجمعية في حوار مع «القدس العربي»، أن محاربة الفساد معركة تهم المجتمع ككل بمنظماته الحقوقية والمدنية ووسائل إعلامه ونقاباته وأحزابه وبرلمانه وحكومته ومؤسسات الحوكمة… مؤكداً أن هذه المعركة لا تنفصل عن معركة التطور والإصلاح الديمقراطي.
■ تحتجون كجمعية على منحة الوزراء ومعاشهم.. ما مسوغات هذا الاحتجاج وفي أي إطار يندرج؟
الجمعية المغربية لحماية المال العام دعت إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان الأسبوع الماضي تحت شعار “لا لمنحة، وتقاعد الوزراء، لا لعودة المفسدين، وناهبي المال العام”. وقد مُنعت من طرف سلطات الرباط، تحت مبرر استمرار حالة الطوارئ الصحية. ولذلك، اعتبرنا هذا المنع غير دستوري وغير قانوني، وأكدنا أن المبرر الذي اعتُمد للمنع غير سليم، لأننا وجدنا أحزاباً سياسية وجمعيات أخرى تنظّم أنشطة يحضرها الكثير من الناس.
نحن في الجمعية نعتبر منحة الوزراء التي تُرصد لهم عند انتهاء مهامهم وتقاعدهم (معاشهم) نوعاً من الريع السياسي، خاصة وأن الحكومة ظلّت تردد شعار “الأجر مقابل العمل”، ولكن في هذه الحالة سيستفيد الوزراء من رواتب عشرة أشهر دون أن يقدموا أي خدمة عمومية. بالإضافة إلى ذلك، يستفيدون من عدة امتيازات، إضافة إلى التقاعد. ونحن اليوم نطالب بإلغاء هذه المنحة، لأنها لا تستند إلى أي أساس، كما نطالب بإلغاء تقاعد الوزراء، لأن ذلك يشكل استمراراً لسياسة الريع في البلاد، ومن شأنه أن يسهم في صناعة نخب ريعية لا تبالي بالمصالح العليا للوطن، وأن كل ما يهمها هو المصالح الذاتية الضيقة.
■ وما حجم التجاوب الذي لقيته دعوة جمعيتكم إلى الاحتجاج على منحة الوزراء ومعاشهم لدى المجتمع المدني والهيئات السياسية وغيرها؟
الوقفة التي دعونا إليها لقيت تجاوباً مهماً من طرف العديد من الهيئات الديمقراطية والحقوقية التي أصدرت نداءات وبلاغات تدعو إلى الانخراط في هذه الوقفة ودعمها بشكل مباشر، بحيث حضرت قيادات وكوادر من التنظيمات الحقوقية والسياسية التي كانت ستسهم في إنجاح هذه الوقفة؛ إلا أنه كان للسلطة ـ للأسف ـ قرار آخر، هو قرار المنع.
وبالتالي، فكل القوى الديمقراطية والحقوقية والمدنية ووسائل الإعلام معنية بمعركة محاربة الفساد، بل كذلك حتى المؤسسات الدستورية من برلمان وحكومة ومؤسسات “الحوْكمة” مدعوة إلى الانخراط في هذه المعركة لمواجهة كل التحديات التي تواجه المغرب.
■ طيب، وما هي الخطوة المقبلة بعد الوقفة التي مُنعت السبت المنصرم في الرباط؟
سنستمر في نضالنا ضد الفساد والرشوة والإفلات من العقاب. وفي ما يتعلق بعودة بعض الأشخاص المتورطين في قضايا الفساد وناهبي المال العام بمقتضى قرارات رسمية أو بمقتضى أحكام قضائية إلى الساحة السياسية، سنقوم بمراسلة الجهات المعنية، خاصةً على المستوى القضائي بالدرجة الأولى، حيث نراسل رئاسة النيابة العامة ومحكمة النقض والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، من أجل تحريك الأبحاث والمتابعات القضائية وتسريع وتيرة المحاكمات والمتابعات والأبحاث التمهيدية، لأن التأخر في ملفات الفساد ونهب المال العام يشجع على استمرار هذه الممارسات. خطوتنا المقبلة أيضاً أننا سننفذ البرنامج النضالي للجمعية، وسنستمر بالتنسيق مع كل المناهضين للفساد ونهب المال العام.
كما سنطالب باتخاذ إجراءات وتدابير شجاعة بهدف مكافحة الفساد والرشوة، سواء على المستوى التشريعي أو على المستوى القضائي أو على المستوى المؤسساتي.
■ انتقدتم الممارسات غير القانونية التي سادت الانتخابات التشريعية والبلدية والجهوية الأخيرة، هل يتعلق الأمر بحالات فردية معزولة، أم بظاهرة عامة؟
فعلاً، انتقدنا بعض الممارسات غير القانونية التي شابت انتخابات 8 أيلول/ سبتمبر، وقبلها انتخابات الغرف المهنية. وأعتقد أن استعمال المال في الانتخابات ظل ملازماً للانتخابات التي يشهدها المغرب، وما أعطى حدة هذه المرة هو الصراع حول الصلاحيات التي يكفلها الفصل 47 من الدستور الذي ينص على أن يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي فاز بأغلبية الأصوات. وبالتالي، فاستعمال المال العام لا ينبغي التعاطي معه بالسطحية، بل إن إثارة الموضوع تعكس مستوى تقدم المشهد السياسي في المغرب، ومستوى النضج ووعي النخب من جهة، ومن جهة أخرى مستوى تقدم الممارسة الديمقراطية وكذا مستوى الوعي الاجتماعي.
وجهنا انتقادنا أيضاً إلى “اللجنة المركزية لمتابعة الانتخابات” التي كان من المأمول أن تقوم بدور مهم في اتجاه تخليق الانتخابات والمشهد السياسي خلال مرحلة الانتخابات على الأقل، إلا أنها لم تقم بأدوارها بالشكل المطلوب، وخاب أمل المغاربة وانتظارات الرأي العام المغربي في هذه اللجنة المطالبة بالتصدي لبعض الممارسات المشينة والمخالفة للقانون.
■ كيف تقيمون عملية توزيع رئاسة المجالس الجهوية المنتخبة بين التحالف الثلاثي؟ وكذا طريقة تشكيل مكاتبها المسيرة؟
تتبعنا في “الجمعية المغربية لحماية المال العام” البلاغ الصادر عن الأحزاب الثلاثة (التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال) بشأن التحالف لتشكيل الأغلبيات، سواء داخل المجالس المحلية أو الإقليمية أو الجهوية. وفي اعتقادي، فإن هذا التنسيق هو لتفويت الفرصة على أي تحايل أو تلاعب قد يحصل أثناء توزيع المسؤوليات.