جاء إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2024 في سياق دولي يطبعه توالي الأزمات وتصاعد التوترات الجيوسياسية التي ألقت بتداعياتها على النمو الاقتصادي، وعلى القدرة الشرائية في مختلف أنحاء العالم، نتيجة ارتفاع الضغوط التضخمية التي تفاقمت خلال السنوات الثلاثة الأخيرة .
ففي سياق حكومي يضع ضمن أولوياته مواجهة تداعيات زلزال الحوز وتنزيل الأوراش الوطنية الكبرى المبرمجة لسنوات، بعث رئيس الحكومة عزيز أخنوش إلى فريقه بالمذكرة التوجيهية لإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2024، التي يمكن تلخيصها في أربعة محاور تهم “توطيد تدابير مواجهة التأثيرات الظرفية، ومواصلة إرساء أسس الدولة الاجتماعية ، ومواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية، وتعزيز استدامة المالية العمومية”، كان لابد من تسليط الضوء على هذه المذكرة المؤطرة لمضامين مشروع قانون المالية لهذه السنة مضامينه، توجهاته والتحديات المطروحة.
-مشروع قانون المالية لسنة 2024 … سياق صعب يستوجب سيناريوهات متعددة
جوابا على سؤال السياق الذي يطبع مشروع قانون المالية لسنة 2024، يؤكد الخبير الاقتصادي خالد بن علي، في تصريح خص به موقع فبراير.كوم، أن السياق الذي جاء فيه إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2024، شبيه بسيناريو السنة الماضية، نظرا للارتفاع الذي عرفته أسعار المحروقات حاليا بالمقارنة مع بداية سنة 2023، كنتيجة للتذبذب وعدم وضوح المؤشرات في علاقة بأسعار هذا الأخير على المستوى العالمي، ما ينعكس على الأسعار بشكل عام.
كما اعتبر بن علي أن استمرار الحرب الأكرانية الروسية سينعكس على مشروع مالية السنة، مؤكدا أن طبيعة هذه الأزمات الطويلة الأمد من الناحية الجيوستراتيجية لا تفرز غالبا أو مغلوبا، بل العكس من ذلك، وفي ظل عولمة الاقتصاد والترابط الاقتصادي والتبعية بين الدول فالأزمة تنعكس على الجميع.
كما شدد الخبير الإقتصادي على أن سياق إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2024 هو سياق صعب، مضيفا أن المسؤولية الملقاة على عاتق الفاعل والمسؤول على تدبير الشأن العمومي في إعداد قانون مالية السنة، تستوجب إعداد مجموعة من السيناريوهات، السيناريو المتفائل والسيناريو المتوسط والسيناريو المتشائم، وبالتالي هناك مجموعة من الأليات التي سيتم اعتمادها في وقتها.
ومن جهته، قال الخبير الاقتصادي إدريس الفينة، إن سياق تحضير مشروع قانون المالية لسنة 2024، يرتبط بسياق وطني يتسم فلاحيا بالجفاف ويرتبط بالتبعات التي خلفها زلزال 8 شتنبر إلى جانب الأوراش الكبرى التي تحتاج تمويلات كبيرة، حيث سكون هناك حاجة ملحة لرفع تمويلات هذه المشاريع التي ترغب الدولة في تنزيلها بسرعة كبيرة.
أما على مستوى السياق الدولي، فقال نفس المتحدث أن تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية عقدت مأمورية الحكومة في ظل ارتفاع الأسعار بسوق المحروقات الدولية وسوق المواد الغذائية أيضا، هذا إلى جانب الركوض الاقتصادي الذي يعرفه العالم اليوم، مؤكدا أن هذه الظروف تعقد وتصعب مهام إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2024.
التوجيهات الملكية تحدد الإطار العام لإعداد مشروع قانون المالية
وفي سياق الحديث عن الإطار العام لمشروع قانون المالية، أكد الخبير الاقتصادي إدريس الفينة، أن الإطار العام لمشروع قانون المالية لسنة 2024 تحدده التوجيهات الملكية المتعلقة بالأوراش الكبرى كتعميم التغطية الصحية والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، مؤكدا في نفس السياق أن الحكومة أيضا ترغب في رفع مستوى النمو والاستثمارات وتقليص حجم البطالة، ما يشكل تحديات مهمة.
وأضاف بنعلي أن الإطار المحدد لإعداد مشروع قانون المالية يبدو طبيعيا، بالنظر إلى طبيعة تركيبة الموارد المالية للمغرب وطبيعة التحملات التي تفرض التوازن بين النفقات والموارد لتجنب اللجوء للمديونية فيما يتعلق بتمويل مصاريف التدبير، مؤكدا في نفس السياق، أن طبيعة الحدود المؤطرة لمشروع قانون مالية السنة لن تختف عن سابقاتها شانها شأن التوجهات الكبرى، مع التأكيد على أنه هناك مطالب كبرى لتعجيل تنزيل ورش الحماية الاجتماعية وإصلاح المنظومة الصحية، وتنزيل ميثاق الاستثمار بشكل سريع، بالإضافة إلى ضرورة تنزيل البرنامج الاستعجالي الذي تم عرضه على أنظار الملك والمتعلق بإعادة الحياة في منطقة الحوز.
-المغرب يتوفر على سياسة عامة لتدبير الأزمات لا يمكن أن تؤثر على مالية السنة
هنا يبرز بن علي، أن ظرفية زلزال الحوز لم تفرض نفسها على مشروع قانون المالية لأن هذا الأخير يرتبط بسنة، خاصة في ظل السياق الحالي للازمات، حيث اضحى المغرب يتوفر على سياسة عامة لتدبير الازمات، وهو ما تبين بالملموس حسب الخبير الاقتصادي من خلال صدوق تدبير تداعيات جائحة كوفيد 19، وأيضا حاليا من صندوق تدبير جائحة الحوز.
كما أكد نفس المتحدث أن عائدات صندوق تدبير جائحة الحوز سيتم توجيهها لإعادة الحياة وإعمار المنطقة، وبالتالي فإن الحكومة سيكون عليها تدبير السنة المالية المليئة بالإكراهات خصوصا في ظل الفرضيات المتعلقة بالتساقطات المطرية، إلى جانب التطلعات المرتبطة بورش السياسة المائية، ما يعني أن الحكومة وفي حال عدم تحقق هذه الفرضيات ستكون ملزمة بإتباع سيناريو أخر متعلقة بالأزمة.
ومن جهة أخرى، اعتبر إدريس الفينة أن مشروع قانون المالية لسنة 2024 مطالب بالإجابة على مجموعة من الملفات الكبرى، خصوصا تلك المتعلقة المتعلق بالتحول الطاقي وأزمة الماء وإشكالية البطالة التي تستوجب خلق مناصب شغل من خلال مشروع قانون المالية، إلى جانب تأهيل العالم القروي خصوصا في ظل ما كشف عنه زلزال الحوز من وضعية مزرية يعيشها العالم القروي.