في أول مقابلة له منذ توليه رئاسة سوريا، جلس أحمد الشرع مع مجلة الإيكونوميست ليتحدث عن رؤيته لإعادة بناء دولة دمرتها الحرب والانقسامات، وسط تساؤلات حول ماضيه الجهادي ومستقبله كرئيس انتقالي.
الزعيم السابق لتنظيم القاعدة في سوريا، المعروف سابقًا باسم أبو محمد الجولاني، تعهد بقيادة البلاد نحو الديمقراطية، مشيرًا إلى جدول زمني لإجراء انتخابات رئاسية، لكنه لم يحدد ملامح واضحة لخارطة الطريق.
جاء صعود الشرع إلى السلطة مفاجئًا لكثيرين، إذ توقع البعض أن يشكل نقطة تحول لسوريا بعيدًا عن النفوذ الإيراني والروسي واقترابها من الغرب، إلا أن تصريحاته الأولى حملت نبرة حادة تجاه الوجود العسكري الأمريكي، كما رحب بالتفاوض مع روسيا بشأن قواعدها العسكرية، وحذر إسرائيل من أن استمرار توسعها في سوريا قد يؤدي إلى “متاعب مستقبلية”.
ومع ذلك، فإن إشاراته المتكررة إلى “الديمقراطية” تظل غامضة، وسط مخاوف من أن تكون مجرد استفتاء شكلي على غرار أنظمة الحكم العربية الأخرى.
لم يظهر في مقابلة الشرع أي مؤشرات على التعددية التي تحدث عنها بحماس، حيث أحاط نفسه بمجموعة صغيرة من المستشارين المنحدرين من إدلب، مسقط رأسه، بينما بدا القصر الجمهوري شاسعًا وفارغًا، في تناقض صارخ مع صورة القائد الذي يسعى لترسيخ حكمه.
كانت رسائله محسوبة بدقة، مقدمة بلهجة هادئة لكنها موجهة لجمهور مختلف في كل مرة، فقد ارتدى زيًا عسكريًا عندما أعلن تنصيبه أمام قادة الفصائل، وظهر ببدلة رسمية عند مخاطبته السوريين، ثم ظهر بمظهر عصري في مقابلته مع الإيكونوميست، مما يعكس حرصه الشديد على صورته العامة.
يركز الشرع على استعادة السلطة المركزية في سوريا، مدعيًا أنه حصل على موافقة “جميع” الفصائل المسلحة على الاندماج في جيش وطني جديد، باستثناء الأكراد.
ويؤكد أن جميع الميليشيات، بما فيها هيئة تحرير الشام التي كان يقودها، قد تم حلها، محذرًا من أن “أي شخص يحتفظ بسلاح خارج سلطة الدولة سيواجه إجراءات غير محددة”. لكنه في المقابل، استبعد تمامًا أي نظام فيدرالي لمعالجة المعارضة الكردية، مما يعقد إمكانية التوصل إلى اتفاق سياسي شامل.
على الأرض، يواجه الشرع تحديات جسيمة، فقواته البالغ عددها 30 ألف مقاتل تفتقر إلى الانتشار الكافي، بينما لا تزال مساحات واسعة خارج سيطرة الدولة.
ولا تزال الميليشيات المنافسة تسيطر على معظم الحدود، ويرفض قادتها التخلي عن أسلحتهم وسلطاتهم، كما أن الأكراد الذين يسيطرون على الموارد الرئيسية للبلاد، بما فيها النفط وسد الفرات، يرفضون الاعتراف بحكمه. وردًا على سؤال حول مستقبل المفاوضات معهم، قال الشرع بوضوح: “لست متفائلًا كثيرًا”.
يحاول الرئيس السوري الجديد التوفيق بين العديد من الفئات، من قاعدته الجهادية إلى الأغلبية السنية المحافظة، وهو ما يفسر تناقضاته في قضايا حساسة مثل الشريعة الإسلامية وحقوق المرأة.
فقد تجنب الالتزام بموقف واضح بشأن تطبيق الشريعة، مشيرًا إلى أن الأمر متروك لـ”الهيئات المختصة”، كما امتنع عن إعطاء إجابة واضحة بشأن إمكانية وصول المرأة إلى السلطة، مكتفيًا بالقول إن هناك “سوق عمل واسعة” لهن.
لكن أكبر التحديات التي يواجهها الشرع ليست سياسية فقط، بل اقتصادية أيضًا، إذ تعاني سوريا من أزمة سيولة خانقة، مع نقص حاد في الكهرباء وتدهور خطير في البنية التحتية.
وفي محاولة للبحث عن الدعم الدولي، أجرى الشرع اتصالات مكثفة، فكان أمير قطر أول زعيم يزور سوريا بعد سقوط الأسد، ثم توجه بنفسه إلى السعودية بحثًا عن استثمارات محتملة. كما أبدى استعداده للتفاوض مع الولايات المتحدة، رغم انتقاده لوجودها العسكري في سوريا، معتبرًا العقوبات الأمريكية “أكبر تهديد” لخططه.
يحاول الشرع أيضًا تحسين موقعه الإقليمي، عبر تقديم تعهدات بوقف تصدير الكبتاغون – المخدر الذي ازدهر إنتاجه خلال عهد الأسد – والسيطرة على المقاتلين الأجانب داخل البلاد. كما أكد لتركيا التزامه بعدم جعل سوريا قاعدة لحزب العمال الكردستاني، في خطوة تهدف إلى تهدئة مخاوف أنقرة.
ورغم تأكيده على استعداده للسلام مع الجميع، فإن موقفه من إسرائيل بدا غير حاسم، إذ طالبها “بالتراجع” عن الأراضي التي احتلتها بعد سقوط الأسد، لكنه لم يغلق الباب أمام إمكانية التطبيع، قائلًا إن “أي خطوة في هذا الاتجاه ستتطلب رأيًا عامًا واسعًا”.
في الوقت الحالي، تبدو سوريا تحت حكم الشرع في هدوء غير معتاد منذ اندلاع الحرب عام 2011، لكن ما يزال أمامه طريق طويل لإثبات أنه زعيم يمثل الجميع، وأن ماضيه الجهادي أصبح وراءه. وبينما يسعى لترسيخ سلطته، تبقى الأسئلة مفتوحة حول قدرته على إعادة بناء دولة ممزقة، وهل ستكون وعوده بالإصلاح السياسي حقيقة أم مجرد غطاء لترسيخ حكم جديد بواجهة مختلفة.