حذّر إدريس بنهيمة، المدير العام السابق للخطوط الملكية المغربية والرئيس الأسبق لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (OCP)، من أن الخلل الجذري في منظومة التعليم أصبح يهدد مستقبل الاستثمار والتنمية في البلاد.
وأكد بنهيمة، في حوار مطول مع المجلة الفرنسية “المستثمر”، أن المغرب يعاني من أزمة ثقة عميقة تتجلى في عزوف المؤسسات المالية عن الاستثمار نتيجة غياب الكفاءات المؤهلة لإدارة المشاريع الاقتصادية، واصفاً الوضع التعليمي في المملكة بأنه “مشابه لما هو سائد في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء”.
وكشف بنهيمة عن معضلة خطيرة تواجه الاقتصاد المغربي قائلاً: “صناديق الدولة لا تستثمر، لأنها لا تعرف مع من تستثمر!” في إشارة صريحة إلى أن المشكلة ليست في نقص التمويل، بل في غياب الثقة بالكفاءات المحلية.
وأضاف أن هذا الواقع المقلق أدى إلى اختلال في هيكل الاستثمار بالمغرب، حيث يمثل القطاع العام ثلثي الاستثمارات، بينما لا يساهم القطاع الخاص إلا بالثلث المتبقي، وهو مؤشر يعكس تردد المستثمر المغربي وعدم استعداده للمخاطرة في وطنه.
ولم يتردد في تشخيص المشكلة بوضوح: “ليس لدينا كفاءات قادرة على تقديم مشاريع واقعية تقنع البنوك”، مما يعني أن أزمة التمويل في حقيقتها هي أزمة ثقة في الكفاءات والمهارات.
وتطرق بنهيمة إلى بعض النجاحات التي حققها المغرب في قطاعات معينة مثل صناعة الطيران، لكنه أكد أن هذه النجاحات تظل محدودة قياساً بالإمكانات الحقيقية للبلاد.
وقال بصراحة: “نحن لسنا متفوقين، بل أقل بثلاث مرات مما يمكن أن نبلغه”، مرجعاً السبب إلى العدد المحدود من الأطر المكونة القادرة على إدارة المشاريع الكبرى وتطويرها.
واستشهد بنهيمة بتجارب دول آسيوية مثل تايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة، التي تمكنت من تحقيق معدلات نمو مرتفعة تجاوزت 7% و9% رغم افتقارها للموارد الطبيعية، مشدداً على أن المفتاح الوحيد لنهضتها كان استثمارها القوي في التعليم والتكوين وبناء رأسمال بشري متميز.
وفي المقابل، وصف بنهيمة واقع التعليم المغربي بأنه “ضعيف ومهمَل ومعرقل للتنمية”، مما يضع البلاد في مصاف دول إفريقيا جنوب الصحراء من حيث جودة النظام التعليمي.
ونقل بنهيمة مقولة للخبير الزراعي الفرنسي رونيه دومون تلخص المفارقة المؤلمة: “لو تولّى السويسريون إدارة المغرب، لأصبح من بين أعظم الدول في مجال التكنولوجيا”.
وأضاف: “المغاربة الذين يعيشون في سويسرا من أنجح الجاليات هناك، شرط أن يُتاح لهم تكوين حقيقي”، مؤكداً أن المشكلة ليست في المغربي نفسه بل في البيئة التعليمية والتكوينية التي يوضع فيها داخل وطنه.
واستند بنهيمة إلى تجربته في إدارة مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، حيث شهد أن العامل المغربي “جاد ومنضبط ومجتهد” عندما يوضع في بيئة عمل محفزة وتحترم قدراته.
لكنه أعرب عن صدمته من ملاحظة أن العديد من خريجي الجامعات المغربية، حتى من يحملون شهادات الماستر، “لا يحسنون كتابة تقرير بسيط”، مما يعكس الخلل العميق في منظومة التعليم العالي.
وختم بنهيمة تصريحاته بتأكيد قاطع: “لن يكون هناك استثمار، ولا نمو، ولا تقدم، ما لم نُصلح تعليمنا من الجذور”، مشدداً على أن الرأسمال الحقيقي للأمم هو الإنسان، وأن أي استثمار لا يراهن على العنصر البشري محكوم عليه بالفشل.