رجح متتبعون كثر أن تفضي أزمة حزب الأصالة والمعاصرة إلى انهياره في أقرب أجل، بينما اعتبر بعضهم الآخر أن الأمر ليس سوى مشكل بسيط سيزول بعيد انعقاد مؤتمر الحزب الوطني، الذي لم يتفق تيار الأمين العام، حكيم بنشماش مع خصومه عن تاريخ موحد له.
وقد أعلن بنشماش تنظيم حزبه لندوة سياسية، من أجل تقديم ومناقشة وثيقة “طريق الانبعاث نحو المؤتمر الوطني الرابع للحزب”، وذلك يوم السبت القادم 20 ماي 2019، للرد على خصومه في الحزب، المحسوبين عن “تيار المستقبل”، والذين كانوا قد نظموا، قبل أسبوع، اجتماعا سريا، لتدارس الترتيبات الإعدادية الأولى المتعلقة بالمؤتمر الوطني الرابع للحزب، بعيدا عن سلطة الأمين العام.
وفي الطرف النقيض حدد أعضاء “تيار المستقبل”، تاريخ المؤتمر الوطني للحزب في 27 و28 و29 شتنبر المقبل، وأعلنوا التحضير اللوجستيكي والتنظيمي لإنجاحه، في الوقت الذي سارع بنشماش برفع دعوى قضائية ضد رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، سمير كودار، ليضرب في شرعيته، ويعتبر أن قرارات اللجنة واجتماعاتها “لاغية” بمقتضى القانون، ما دام لم يتم إشراكه فيها، كمسؤول أول عن الحزب.
وبالتالي، يعرف “الجرار” غليانا غير مسبوق، قسمه إلى شطرين اثنين، أول معارض للأمين العام، وثان موال له، وحصل ذلك بسبب رغبة بعض الأطراف في الحزب الإطاحة بالأمين العام، منذ انتخاب كودار رئيسا للجنة التحضيرية للمؤتمر، في اجتماعها الأول الذي شهد انسحاب بنشماش.
انتخاب كودار.. بداية أزمة “البام”
واعتبر بنشماش وأنصاره أن انتخاب كودار رئيسا للجنة، واستمرار الاجتماع بعد إعلان الأمين العام رفعه إلى حين، “تطاول على مهام واختصاصات الأمين العام”، و”خرق سافر لمقتضيات النظام الأساسي والداخلي للحزب”.
في هذا السياق، قالت خديجة الكور، الناطقة الرسمية باسم الحزب، إن الأجواء كانت سيئة في اجتماع اللجنة التي تعتبره “الاجتماع الأول والأخير لها”، مبرزة أن انسحاب الأمين العام “تم بسبب”انزالات” قام بها بعض أعضاء اللجنة، حيث أتوا بأشخاص لا ينتمون إلى اللجنة التحضيرية، وأدخلوهم بالقوة إلى القاعة، وقاموا بممارسات منافية لأبسط أخلاقيات الفعل السياسي الحزبي، في غياب للنقاش الجاد، وحضور منطق الغالب والمغلوب”، على حد قولها
وسجلت الكور، في تصريح لـ”فبراير”، أنه لم يتم انتخاب رئيس اللجنة في حضور الأمين العام، الذي دار حول طريقة اختيار رئيسها الذي اختلف فيه الأعضاء، “أي هل سنعتمد الانتخاب، كما ينص على ذلك النظام الداخلي للحزب، أو سنحتكم للتوافق، كما هو معمول به في مراسنا الحزبي، وفي جميع اجتماعات اللجان التحضيرية لمؤتمراتنا السابقة”، على حد قولها.
وأبرزت أن كودار “ليس رئيسا شرعيا للجنة التحضيرية، لأن “80 في المائة من أعضاء الحزب انسحبوا يومها من الاجتماع مع الأمين العام، ولم يتبقى إلى أعضاء قلائل استكملوا الاجتماع، وصوتوا على كودار غفلة من الأمين العام”.
في مقابل ذلك، نفى كودار أن يكون رئيسا للجنة التحضيرية بالنسبة لطرف في الحزب دون آخر، معلنا أن انتخابه تم بحضور بنشماش نفسه، وفي جو “ديمقراطي ووحدوي”.
وزاد كودار، في تصريح أدلى به أمام “ميكروفون” موقع الـ”بام”، وتم تعميمه على مواقع التواصل الاجتماعي دون أن ينشر في الموقع المذكور، “لقد تم التصويت علي بالإجماع من طرف أغلب أعضاء اللجنة، ومر التصويت في ظروف ديمقراطية لا تتخللها أية مشاكل، على عكس ما يزعم البعض”، على حد قوله.
وكان تيار بنشماش يراهن على رئاسة العربي المحرشي للجنة التحضيرية للمؤتمر المقبل، وهو ما لم يتحقق في نتيجة خالفت التوقعات، بعد أن تمكن تيار معارضي بنشماش، الذين يرأسهم كل من عبد اللطيف وهبي ومحمد حموتي، من السيطرة على اللجنة التحضيرية، وبالتالي التمكن من زمام الأمور لرئاسة المؤتمر الوطني القادم، ونزع البساط كم تحت أقدام الأمين العام الحالي.
إقالات بالجملة.. “البام” على حافة الهاوية!
ازدادت معركة شد الحبل بين الأمين العام وتيار المستقبل، الذين أعلنوا، في بيان لهم، اعترافهم بسمير كودار رئيسا للجنة التحضيرية، وتشبثهم بمخرجات اجتماعها، داعين الأمين العام إلى ضرورة “الانصياع لإرادة اللجنة والتقيد بمقتضيات قوانين وأنظمة الحزب، والانخراط بإيجابية في مسلسل الإعداد للمؤتمر”، الشيء لذي رفضه الأمين العام.
وقال هذا الأخير، “في بلاغ له، أن الفيديرالي للحزب “لا يعترف باللجنة التي يترأسها كودار”، وأن انتخابه “تطاول سافر على اختصاصات الأمين العام”، مهددا باتخاذ إجراءات تأديبية في حق مجموعة من الأعضاء، ليأتي رد “تيار المستقبل” سريعا، ليعلن أن “كل الخلاصات والقرارات التي اتخذها ما يسمى المكتب الفيدرالي باطلة ولا أثر قانوني لها”.
ولم يمر الكثير من الوقت حتى أعلن المكتب الفيدرالي لـ”البام” طرده لـ”كل من ثبت تورطهم في الإساءة لشرف وكرامة المناضلين”، ويتعلق الأمر بكل من كودار، رئيس اللجنة التحضيرية، والذي اعتبره “عديم الأهلية عندما اعتلى منصة القاعة التي شهدت الاجتماع الأول للجنة التحضيرية بعد رفعه”، ومحمد ودمين، الذي اتهمه بعقد اجتماع ثان للجنة التحضيرية بأكادير، دون علمه، فضلا عن اتهامه “بالتسبب في مجموعة من الانزلاقات التنظيمية في اجتماع اللجنة الأول”.
هذا وقرر بنشماش إقالة محمد الحموتي من منصبه كرئيس للمكتب الفيدرالي، قبل أن يتم الطعن في شرعية المكتب الفيدرالي من طرف “تيار المستقبل”، على اعتبار أن رئيس المكتب “تم انتخابه بالإجماع، وسقوطه يعني تحكم الأمين العام في المكتب الفيدرالي، وهذا خرق للقانون”، وفق تعبيرهم.
وتمت إحالة عزيز بنعزوز على لجنة التحكيم والأخلاقيات، وتجميد عضويته كرئيس للفريق البرلماني بمجلس المستشارين، وذلك “إلى حين استكمال المسطرة القانونية المنصوص عليها في النظامين الأساسي والداخلي لحزب الأصالة والمعاصرة”.
وقبل أسابيع، هدد بنشماش بطرد أعضاء آخرين “بصفة نهائية”، بسبب “تجاوزهم للحدود ومخالفتهم للقوانين”، خصوصا بعد مشاركة عديدون منهم في الاجتماع الثاني للجنة التحضيرية للحزب، وعلى رأسهم البرلماني عبد اللطيف وهبي.
وفي ردها على مسلسل الإقالات وتجميد العضويات، قالت فاطمة الزهراء المنصوري، رئيسة المجلس الوطني لـ”البام”، وعضو “تيار المستقبل”، إن “الوضع التنظيمي للحزب يعرف تجاذبات غير صحية، واستحقاقات غير سليمة، نجمت عنها قرارات وسلوكات سلبية، ستؤدي حتما، إن لم تتم معالجتها بالحكمة و النضج اللازمين، إلى انهيار الحزب”.
وزادت، معددة أسباب أزمة “البام” تقول: “لقد حاز حزبنا على وضع اعتباري داخل الحقل السياسي المغربي، وأثبت نفسه قوة اقتراحية وانتخابية، وكان مشروعه طموحا مناسبا لما يقتضيه تجديد العمل السياسي ببلادنا، ولكن أخطاءنا التنظيمية المتوالية، والصراعات على الزعامة بدون كفاءة في بعض الأحيان، وبدون وعي مسؤول بجماعية الانتماء للحزب، وتجاوز الأجهزة حينما تكون الحسابات شخصية وعدم تحكيم قوانين الحزب في التسيير وتدبير الاختلاف، جعلت حزبنا يغرق في هذه الأيام في مسلسل غير مشرف من الأخطاء”.
هذا وقد توعد بنشماش، قبل أسابيع قليلة، أعضاء حزبه الذين “تجاوزوا حدودهم وخالفوا القوانين” بالطرد من الحزب بصفة نهائية، بعد أن أعلنوا تنظيمهم لاجتماع ثان للجنة التحضيرية، برئاسة كودار، الذي لا يعترف بنشماش بشرعية انتخابه على رأس اللجنة المذكورة.
دعاوى قضائية.. بنشماش يصعد في وجه الخصوم
وباقتراب عقد المؤتمر الوطني لـ”الجرار”، قرر أعضاء اللجنة التحضيرية، برئاسة كودار، عضو الحزب “المطرود”، عقد اجتماع اللجنة الثاني، لتشكيل هياكها، وتحديد تاريخ عقد المؤتمر المقبل، الشيء الذي لم يستسغه بنشماش، الذي أعلن، في بيان، طعنه لشرعية الاجتماع الثاني كما الأول.
وسارع الأمين العام برفع دعوى قضائية إلى القضاء الاستعجالي بالمحكمة الابتدائية بأكادير، يطلب فيها إصدار أمر بإيقاف انعقاد الاجتماع، غير أن المحكمة قضت برفض الدعوى مضمونا، بسبب عدم الاختصاص، فانعقد الاجتماع الذي غاب عنه أنصار بنشماش.
ولم تمض إلا أسابيع قليلة، قبل أن يعلن بنشماش رفع دعوى قضائية إلى المحكمة الابتدائية بالرباط ضد سمير كودار، يطالب من خلالها ببطلان انتخابه.
وكان المكتب الفيدرالي، الذي يتزعمه أنصار بنشماش، بعد الإطاحة برئيسه الحموتي، قد طلب من بنشماش، في اجتماع أخير، بمباشرة المسطرة القضائية ضد خصومة، في مسعى لوقف عقد التيار المناهض له للمؤتمر الرابع للحزب.
وتوالت اللقاءات والتجمعات الخطابية، السرية والعلنية، التي نظمها معارضو بنشماش في مختلف المناطق، خصوصا في جنوب المملكة، آخرها اجتماع بمدينة مراكش، من أجل التحضير للمؤتمر الوطني الرابع للحزب، بحضور رؤساء ومقرري اللجان الفرعية، والذي خصص للوقوف على مدى تقدم أشغال اللجنة التحضيرية.
وحسب بلاغ للجنة، أعقب لقاء سابقا لها بالعيون، فإن مثل هذه اللقاءات ضرورية من أجل “تكثيف الاشتغال بغية الرفع من وتيرة التحضير للمؤتمر، مع الحرص على تجويد هذا العمل بما يليق بمحطة المؤتمر الوطني الرابع، باعتبارها محطة مهمة بالنسبة إلى حزبنا”.
“البام”.. المستقبل المجهول
في تعليقه على أزمة “البام”، استبعد محمد شقير، المحلل السياسي والأستاذ الجامعي، أن ينهار حزب الأصالة والمعاصرة بالسهولة التي يتوقعها ملاحظون كثر، مبرزا أن ما يعرفه حزب الجرار الآن طبيعي وبديهي، يوضح: “الأصالة والمعاصرة ليس حزبا بالمعنى الحقيقي للكلمة، بقدر ما هو تنظيم أسس بغرض مواجهة حزب العدالة والتنمية الإسلامي، واكتساحه في الساحة السياسية، وبعد أن فشل في مهمته، وظيفته الآن أصبحت محط تساؤل، وهذا ما يتسبب الآن في حدوث مشاكل بين أعضائه”، وفق تعبيره.
وزاد شقير، في تصريحه لموقع “فبراير”، يقول إن الحزب “لا يملك أرضية مشتركة، فهو خليط من الفعاليات والتنظيمات اليسارية، فضلا عن مجموعة من الأطر ذات الطموحات السياسية، وهذا ما أدى إلى بروز صراع بين هذه التنظيمات، بعد انسحاب عراب الحزب الرئيسي، فؤاد علي الهمة”.
وأكد شقير أن هناك دائما في الحزب تنافسا حادا بين جهة الريف التي كان يتزعمها إلياس العماري، الأمين العام السابق للحزب، والتي أصبحت تتجسد الآن في الأمين العام الحالي، والجهة الجنوبية، التي يترأسها تيار المستقبل المعارض لبنشماش، مبرزا أن هذا التنافس “أصبح يشتد شيئا فشيئا مع اقتراب المؤتمر الوطني الرابع للحزب، الذي سيحدد هوية الأمين العام القادم للحزب”
وأضاف “نحن نعلم كيف استعملت جميع الآليات الجزائية بين تياري الحزب، الذي وصل بهما الأمر حد الدعاوى القضائية، ما يبين عدم التوافق بين تيار المستقبل، الذي يشكك في مشروعية بنشماش، وهذا سيفضي لأمرين لا ثالث لهما: إما أن يفوز تيار المستقبل في المرحلة المقبلة، وإما أن ينتصر تيار بنشماش ويؤدي ذلك إلى انقسام الحزب إلى قسمين”.