لصوت الرمال بالصحراء المغربية هسيس مميز، في مشهد يوحي بعظمة الخالق، بعيدا عن الإنسان الذي استطاع أن ينقل مشهدا واقعيا بكل تلاوينه إلى مشهد سينمائي، امتزجت فيه الثقافة الحسانية بعظمة الواحد الأحد في الكون.
وأبرز ما يميز هذا الابداع، الافلام الوثائقية الحسانية، حيث عرفت تطورا ملحوظا على مستوى المشاركة في المهرجانات الدولية بل استطاعت الأعمال الحسانية ان تحصد جوائز بوأتها مكانة تستحقها على المستوى الدولي والصعيد الوطني.
موقع “فبراير” تابع الانجازات التي حققها مخرجون صحراويون من خلال المشاركة في المهرجانات الدولية، وانتقل طاقم الموقع مع مخرجين سينمائيين إلى مدينة السمارة الأبية، بمرافقتهم طيلة أيام، للبحث في معالم لغة السينما والوقوف على هذا الانتقال النوعي الذي عرفه انتاج الافلام السنمائية على مستوى إبراز الثقافة الحسانية التي تعد رافدا من روافد الثقافة المغربية.
الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، صباح ذلك السبت توجهنا إلى مدينة السمارة، شمس ساطعة ومنعرجات من داخل قلب الصحراء، وسط طريق شاهدة على تاريخ جميل، بالراديو لاصوت يعلو على صوت “امنات عيشاتة”، فرقة موسيقية ذاع صيتها في فترة من الفترات.
تقف شامخة بين زوايا مدينة السمارة، أشجار الطلح التي تتحدى الظروف القاسية، والتي تعد بوصلة الرجل الصحراوي البدوي، متسللة على أرض مبسوطة، وحول الزوايا الشاهدة على تاريخ تعاقبت عليه أمم، وشعوب، صوت رمال تتسلل إلى جنباتها قادمة من قمم الكثبان الواقفة في قلب الصحراء المغربية.
وعلى جنبات الطريق وبعد قطع مسافة تتجاوز 200 كلم، من مدينة العيون إلى السمارة العاصمة العلمية، لافتة توحي لنا أننا بلغنا وجهتنا الأخيرة، السمارة، اتخذنا مكانا قصيا، وبلغنا مركز الضيافة، غير أن تفاصيل الرحلة ومشقتها فرضت علينا الاهتمام بالثقافة الحسانية في كل صورها، وعاداتها. ليبقى السؤال ما الذي يميز الثقافة الحسانية عن غيرها من المناطق الأخرى في المغرب؟
ويؤكد لنا مهتمون بالشأن السينمائي بالصحراء، في حديثنا معهم أن الجنوب المغربي، يظهر مزيجا متميزا من العادات والتقاليد، حيث يلاحظ تأثر سكان هذه المناطق بالثقافة العربية بشكل أكبر، ويعكسون هذا التأثر في اهتمامهم الكبير بالشعر العربي. إضافة إلى ذلك، يظهر جنوب المملكة تشابها بارزا مع الثقافة الموريتانية، سواء في المقومات الثقافية أو العادات والتقاليد.
لم نلبث إلا ساعات قليلة بمركز الضيافة الذي وضعنا به أمتعتنا إلتحق بنا أحد المخرجين السينمائيين البارزين بمدينة السمارة، عمر ميارة، بابتسامته الطيبة، والشيب يغطي رأسه، وحاجبيه، وبخطوات ثابتة متوجها نحونا أخيرا، قائلا: “فبراير مرحبا بكم شرفتونا هون فالسمارة”. عبارة ترحيبية بالحسانية.
أثارنا الفضول والسؤال، ولم يهتم طاقم الموقع بأخذ استراحة عقب السفر، بل باشر بسؤال المخرج ميارة عن التجربة السينمائية بالصحراء وكيف وجدت ظالتها بفضاء ثقافي رحب ملئ بعادات وتقاليد برز تنوعها منذ فترات عبر السينما، يجيب ميارة بتأمل وبعبارات دقيقة تبسط التجربة التي راكمها، قائلا: التجربة السينمائية الحقيقية بالصحراء هي وليدة انفتاح المؤسسات السينمائية وزارة الاتصال آنذاك والمركز السينمائي المغربي وتحديدا مع اعتماد صندوق الدعم السينمائي الحساني 2015، وعقب هذه الفترة تمت دعوة مجموعة من المخرجين على رأسهم حكيم بلعباس الذي قاد التجربة الرائدة مختبر الصحراء الذي تكونت فيه مجموعة من الكفاءات الصحراوية في مجال السينما السيناريو، الاخراج، التي دامت سنتين من التكوين، والذي كان نتاج هذا التكوين هو تطوير السيناريو لهؤلاء الشباب من خلال المواكبة والتتبع الذي اشرف عليه فريق مختبر الصحراء، ليسفر في نهاية المطاف عن إنتاج مجموعة من الأفلام التي شاركت في مهرجانات عالمية.
وبتأمل أدرنا عجلة الحديث الشيق، نحو الحديث عن التجربة السينمائية التي راكمها ميارة، ونحن تحت ظل شجر “الكالبتوس” أجاب باتسامة متواضعة ، موضحا بالقول ” الحديث عن تجربتي السينمائية، كان وليد الصدفة، فقد كنت محظوظا في ذلك الوقت كوني تكونت مع حكيم بلعباس، وتجربتي في الفن التشكيلي لعبت دورا كبيرا في تكوين ثقافة الصورة، حيث أن لمستي الفنية دائما ما تكون حاضرة، في الفيلم بالإضافة إلى المضمون والفكرة، وكل ما أركز عليه بالأساس هو الإطار، أي الصورة بشكل دقيق.
وتابع حديثه الشيق، التجربة السينمائية بالصحراء، تطورت من “مختبر الصحراء” مع حكيم بلعباس وصولا إلى أمريكا، التي شاركنا فيها بعدد من الاعمال السينمائية إلى جانب كبار السينمائيين بأمريكا، بعدها تكونت لدي تجربة جديدة وأفق جديد ثم ولجت لمجال الانتاج السينمائي من خلال دعم المركز السينمائي، وبالتالي كانت هناك تجربة لي في السينما الروائية مع فيلم “إيزا”.
وبالحديث عن الصعوبات، يرد ميارة، أؤمن جيدا أنه مادام هناك ثقافة الصورة والمخرج متشبع بها فلن تكون هناك صعوبات في هذا المجال. فالسينما بالدرجة الأولى هي صورة معبرة أكثر من أنها تحتاج لتعليق، مع مراكمة التكوين في هذا المجال، الذي من شأنه أن في نهاية المطاف عملا إبداعيا.
وأثناء سؤالنا عن دور الإنتاجات السينمائية المحلية في الدفع بعجلة السينما الحسانية، أوضح المخرج عمر ميارة، قائلا: كل عمل سينمائي من إبداع الكفاءات المنحدرة من الأقاليم الجنوبية يعتبر محفزا للطاقات الإبداعية لأبناء الأقاليم الجنوبية لولوج مهن السينما ومنها الإخراج، شريطة توفر الشغف، الإرادة والتكوين المستمر مع إيلاء أهمية قصوى للجانب التطبيقي عن طريق المشاركة في عملية الإنتاج ومابعد الإنتاج كمتدربين وحضور الورشات و الدروس التي تقام على هامش المهرجانات السينمائية.
وفي خضم الحوار، تترنح أشجار “الكاليبتوس” يمنة ويسرة، بسبب الرياح الهادئة، شكلت لوحة فنية امتزجت فيها الطبيعة، وحديث السينما، تفصح عن رسالة ود وسلام.
تابع طاقم الموقع، حديثه مع المخرج السينمائي، ما رسالتك للأجيال الصاعدة؟، مجيبا: “الإعلاميين الشباب المهتمين بمجال السينما والثقافة الحسانية خاصة، متاحة لها مجموعة الفرص، وهناك رصيد سينمائي غني، بالاضافة إلى مجموعة من المعاهد التي توفر تكوينات بمعية “سيانريست” ومخرجين أكفاء من أجل تكوين هؤلاء الشباب المتشبعين بمجموعة من الأفكار السينمائية، وبالتالي فهم جيل محظوظ بالإضافة إلى وفرة المعلومات التي من شأنها تسليط الضوء على مواضيع تعنى بالحفاظ على التراث الثقافي للصحراء.
تفقد ميارة هاتفه، مرددا الساعة الثانية والنصف، موعد الغداء، ويردد مازحا “نكومو” أي ننهض.
لم تلبث إلا دقائق قليلة عن الحوار ونحن في طريقنا للعودة، خرجنا بكم هائل من المعلومات عن الثقافة الحسانية، غير أن هذه الأخيرة تزخر بتنوع لانظير له يتطلب من الباحثين الغوص في غمار العادات والتقاليد الصحراوية وما يصاحبها، بغية الحفاظ عليها خصوصا وأن الثقافة الحسانية هي ثقافة شفهية بالأساس.
