تطرق محمد عبد النباوي الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، في الجلسة الرسمية لافتتاح السنة القضائية الجديدة 2024، لعمل محكمة النقض، حيث قال أن المحكمة واصلت تدبير الشأن القضائي بكفاءة عالية، واستطاع المستشارون أن يبتوا في 46.757 قضية من بين 48.130 قضية جديدة سجلت بالمحكمة خلال سنة 2023، أي بنسبة 97 % من المسجل وقد راج بالمحكمة 98.004 قضية، باعتبار المخلف من السنوات الماضية.
واعتبر عبد النباوي، أن هذه الإحصائيات لئن كانت تفصح بِجَلاء عن المجهود الجبار الذي بذله قضاة محكمة النقض للبت في ملفات ضخمة، فإنها تعلن بوضوح على خلل تشريعي في تدبير قضاء النقض، حيث إن المخلف (51.247 قضية) أصبح يتجاوز كل قدرات القضاة في الأحكام (46.757 قراراً). وهي وضعية ماضية نحو التفاقم بسبب تجاوز المسجل للمحكوم سنة بعد سنة.
وأكد أن “حل هذه الوضعية يتجاوز صلاحيات الإدارة القضائية لمحكمة النقض ويَرتبط بفلسفة التشريع التي نرى أنه قد آن الأوان لأن تتناولها الحكومة والبرلمان بنظرة أخرى، حتى لا تصبح محكمة النقض درجة ثالثة للتقاضي، في الوقت الذي تمنح فيه الدساتير والمواثيق الدولية الحق في التقاضي على درجتين فقط”.
وأوضح أن “قضاء النقض له دور آخر يرتبط بتوحيد الاجتهاد وتحقيق الأمن القضائي” ، متسائلا “عن إمكانية قيام محكمة النقض بهذه المهمة، ونحن نرى أن بعض مستشاريها قد أصدروا ما يزيد على 640 قراراً خلال السنة الماضية. وهو رقم يتجاوز معدل القرارات التي يصدرها قضاة محاكم الاستئناف. كما أن مهمة رؤساء الغرف تزداد تعقيداً كلما تعددت هيئات الغرفة الواحدة (الغرفة الجنائية مثلاً 12 هيأة). بل إن رئيس الهيئة الواحدة قد يجد صعوبة في تدبير المداولات داخل هيئته كلما ازداد عدد أعضاء الهيئة، ذلك أن محكمة النقض تضيف مستشارين يزيدون عن الحد الأدنى للنصاب القانوني، إلى أغلب الهيئات لأجل تحقيق إنتاج أكبر”.
وأشار عبد النباوي الى ان “تزايد الطعون بالنقض يؤدي إلى تضاعف مدد البت في القضايا. ذلك أن حوالي 40% من القضايا المدنية فقط تحكم داخل السنة، في حين تتطلب 30% ما بين سنة وسنتين و24% بين سنتين وثلاث سنوات. بل إن حوالي 5% من القضايا تروج بمحكمة النقض منذ أكثر من ثلاث سنوات”.
و أوضح أن ” هذه الوضعية إن كانت أقل حدة بالغرفة الجنائية التي تمكنت من البت في أكثر من 86% من القضايا المسجلة بها داخل السنة. كما بتت في 11% من القضايا التي يقل عمرها بالمحكمة عن سنتين، فإن هذه الوضعية قد تزداد تعقيداً خلال السنوات القادمة. وهو ما يخشى معه أن يتعذر التصدي للقضايا المزمنة التي يتجاوز عمرها سنتان، والتي قرر مكتب المحكمة المنعقد في نهاية السنة الماضية التصدي لها بفعالية خلال السنة القضائية الجديدة”.
وبالاطلاع على قرارات محكمة النقض يتضح أن نسبة النقض لا تتجاوز 23% (26% بالنسبة للغرفة المدنية و20,10 % بالنسبة للغرفة الجنائية). ذلك أنه من بين 46.757 قضية تم الحكم فيها خلال السنة، فإن 10.709 فقط تم نقضها. وهو ما يفيد أن 77% من الطعون لا تكون مجدية حسب عبد النباوي.
وشدد المسؤول القضائي، على أن “المنطق السليم يفيد أن إتاحة النقض في قضايا مدنية بسيطة هو بمثابة هدر للمال العام، حيث تصرف الدولة على كل دعوى أكثر من الحد الأدنى المنصوص عليه حاليا في الفصل 353 من قانون المسطرة المدنية (عشرين ألف درهم). أي أن الدولة تصرف على الدعوى في النزاعات البسيطة، أكثر من المبلغ الأدنى للقضايا التي يجوز الطعن في الأحكام الصادرة فيها بالنقض.”