الرئيسية / سياسة / المحامي بلفقيه يكشف مخاطر تبييض الأموال عبر العملات المشفرة ويقترح توصيات

المحامي بلفقيه يكشف مخاطر تبييض الأموال عبر العملات المشفرة ويقترح توصيات

محمد بلفقيه
سياسة
فبراير.كوم 05 مايو 2024 - 15:30
A+ / A-

قدم الدكتور محمد بلفقيه مداخلة قيمة حول مخاطر تبييض الأموال عبر العملات المشفرة، وذلك خلال ندوة نظمتها هيئة المحامين في مدينة طنجة. إليكم أهم ما جاء للمداخلة.

وجاء في مداخلة الدكتور بلفقيه:” هناك مجالان يتعايشان في مجتمعنا، القانوني وغير القانوني، على الرغم من كونهما منطقتين متعارضتين تماما؛ فإنهما لا يتعايشان فحسب، بل هما أيضا مترابطان، ويمثل هذا الترابط مشكلة كبرى، إذا ما اعتبرنا أن المزايا هي أحادية الاتجاه، فالمجال الإجرامي يحتاج إلى العالم القانوني، حيث يتعين على أعضائه العيش فيه، وبالتالي يمكنهم الاستمتاع بالمزايا التي يقدمها هذا العالم؛ حماية الملكية الخاصة، الأمن القانوني، الأمن القضائي، الحماية الاجتماعية..

إن مختلف الأنشطة الإجرامية وغير المشروعة الغاية النهائية منها، هي تحقيق الثروة الاقتصادية، سواء لأولئك الذين يخططون ويهندسون أو لأولئك الذين ينفذون. فبالنسبة لمنظمة إجرامية، لا تنتهي مشاكلها الإدارية في لحظة إدراك ثمار نشاطها غير المشروع، بل على العكس من ذلك، في تلك اللحظة تبدأ مشكلات أخرى لا تقل تعقيدا في الظهور.

فعلى سبيل المثال؛ دعونا نتخيل شبكة إجرامية تنشط في مجال إنتاج المخدرات وتوزيعها، وعليها أن ترسم وتهندس أنشطتها ابتداء من عمليات الإنتاج والتوزيع، وانتهاء بهندسة تقنيات مالية معقدة كي لا يتم كشف مصدر الأموال المتحصل عليها بشكل غير مشروع. إذن يبقى الحل الوحيد لعدم كشف مصدر هذه الأموال أثناء إنفاقها، هو إعطاء مظهر قانوني لهذه الأموال القذرة.

وتجدر الإشارة إلى أن غسيل الأموال يستقي ويغذي نفسه دائما من القطاعات الاقتصادية الأكثر ضعفا، لذلك كان القطاع المالي التقليدي هو أكثر القطاعات جاذبية للمنظمات الإجرامية. وفي هذا الصدد ظهرت أدوات حديثة ومالية جديدة مثل: البلوكشين، البتكوين، الأصول المشفرة، العملات الافتراضية..، كلها مفردات لقاموس جديد ومستحدث، بصفة مبتكرة وتقنية لنقل القيم بسرعة في جميع أنحاء العالم، فالتطور السريع لهذه التقنيات وتكنولوجيا المحاسبة بدأ يؤدي إلى تغيير جذري في المشهد المالي، لكن هذه السرعة في التحكم في انتقال الأموال، وكذا إخفاء الهوية التي تضمنها هذه التقنيات، بدآ يجذبان أولئك الذين يريدون الهروب من تدقيق السلطات المالية ورقابتها. وتجدر الإشارة إلى أن تكنولوجيا البلوكشين قد ظهرت منذ حوالي عشر سنوات ونيف، ومنذ ذلك الحين تم استعمال هذه الأصول المشفرة بشكل واسع كأداة ووسيلة للأداء، وكل ذلك في غياب جهة تنظم وتشرف على إصداره -سواء كانت دولا أو بنوكا مركزية- والذي أدى كذلك إلى إطلاق اسم”الغرب المتوحش” على هذه العملات في سوق الصناعة المالية ولا شك أن تكنولوجيا العملات المشفرة قد جاءت من أجل البقاء ومسايرة مجال المال والأعمال الرقمي؛ إذ بمجرد إلقاء نظرة على الإحصاءات المتعلقة بمراقبة النمو السريع للمعاملات التي تتم باستخدام العملات المشفرة، سيؤكد لنا مدى إمكانية تحقيق أرباح كبيرة، اعتبارا لسرعة التحويلات الدولية، بعمولات أقل، وسهولة إضفاء الطابع الرسمي على ما يسمى بالعقود الذكية وتيسير عملية استعمالها وتداولها، دون إغفال المخاطر الواضحة وخاصة تلك المرتبطة بصعوبات حماية المستهلكين، في تسهيل ارتكاب جرائم غسل الأموال، و إخفاء خيوط تتبع المعاملات الاقتصادية. وعند الحديث هنا عن الأصول المشفرة، ينبغي لنا أن نعلم أنه مفهوم متعدد المصطلحات، غير أن لكل منها مدلوله الخاص؛ ك البلوكشين، البتكوين، الأصول المشفرة، العملات الرقمية.. كلها مصطلحات من قاموس مستحدث بقالب تكنولوجي رقمي يحول لقيم بشكل سريع وفوري في مختلف بلدان المعمور.

ولعل الحديث عن هذه الأخيرة يأخذنا إلى البحث عن المقارنات داخل العملات الرقمية بين العملة القابلة للتحول، والعملة غير القابلة للتحول وتسمى العملة اللامركزية. إذن، عملية التحول الرقمي التي تغطي جميع مجالات المجتمع ككل، دون أن يكون النظام المالي غافلا عن هذه الظاهرة، ضمن هذه الثورة الجديدة، وتشكل تقنية البلوكشين واحدا من الابتكارات التي تملك أكبر إمكانية لتخريب الاقتصاد والمجتمع. فإذا كان الإنترنيت؛ قد سمح بنقل وتعميم المعلومات على الفرد، فقد سمح البلوكشين بالذهاب خطوة أخرى إلى الأمام، مما أدى إلى ظهور ما يُعرف باسم “إنترنيت القيمة”، إذ لم نعد قادرين على نقل المعلومات فقط، بل أصبح بالإمكان أيضا توليد المعلومات. ومع ذلك فإن وجود عملات على أساس خوارزميات رياضية افتراضية لا مركزية في العادة، جذب الاهتمام المتزايد لسببين: 1- يسهل أداء القيمة وإتمام ما يسمى بالعقود الذكية وتحليل كلفة هذه المعاملات. 2- توفر أداة قوية للمجرمين كوسيلة لنقل الأصول وتخزينها من الأنشطة غير المشروعة.

وحتى لا أخوض كثيرا في التعريفات، لا بأس من التذكير ببعض المحطات التاريخية التي من خلالها يمكن رصد تطور انتشار هذه التقنيات، والتي ارتبطت بدايتها بالتقرير الذي أعدته مجموعة العمل المالي GAFT في يونيو 2014 والذي حذرت من خلاله من مخاطر استعمال العملات والأموال الإلكترونية وعلى رأسها البتكوين إلا أنها أشارت في هذا التقرير إلى أن هناك معنى واسعا لمفهوم الأصول المشفرة، يتطلب التمييز بين كل مكوناته وجزئياته، وذلك من أجل السماح للحكومات ومؤسسات إنفاذ القانون والجهات الفاعلة في القطاع الخاص بتحليل التحديات التي تطرحها العملات الرقمية كطرف جديد للدفع والأداء. وهنا ينبغي التذكير بأنه لا ينبغي الخلط بين مصطلح العملة المشفرة، والتشفير لأنظمة الأداء الإلكتروني، كAli Pay أو PayPal ، هذه الأخيرة تمثل وسيطا للعملات التقليدية. ومن جهة أخرى أجد أنه من الضروري الإشارة إلى العدد الكبير في أصول التشفير الموجودة حاليا، اعتبارا من سنة 2021 حيث وصل العدد الإجمالي من أصول التشفير إلى 7812 بقيمة سوقية إجمالية قدرها 324716 تريليون دولار. وتتميز هذه العملات بخصائص فريدة ومتنوعة، وينبغي التمييز بين عدة فئات منها: – العملات الافتراضية والعملات الرقمية العملات الافتراضية هي تحويل رقمي آخر يكمن تداوله رقميا واستخدامه كوسيلة للتبادل أو التخزين والتي يتم تحديدها مع وحدة القيمة، وهي عملة غير صادرة أو مضمونة من قبل أي نظام قضائي، على عكس العملة الرقمية التي تشكل التمثل الرقمي لأي عملة تصدر بشكل شرعي من قبيل الدول ويدعم من مصارفها المركزية. – وتعد الصين السباقة إلى استعمال اليوان الرقمي الذي سمي (الرينميبي) كعملة رقمية يصدرها البنك المركزي الصيني الذي يهدف إلى استبدال جزء من الأوراق النقدية والعملات المادية المتداولة. – وقد شرع في العمل به منذ سنة 2022، ومن شأن تعميم هذه الخدمة على باقي البنوك المركزية القضاء على نظام SWIFT الذي سيعوض بعملات بنكية مباشرة مع العملاء دون وساطة هذه الجمعية. – العملات القابلة للتحول وعملات غير قابلة للتحول العملة الافتراضية القابلة للتحويل هي عملة افتراضية لها قيمة تعادل وتخضع لعرض الأسعار. ومن ناحية أخرى، فإن العملة القابلة للتحويل جزئيا لديها بعض القيود على قابليتها للتحويل. على سبيل المثال، قد تكون هناك حدود على كمية العملة التي يمكن تحويلها أو قيود على الأغراض التي يمكن استخدام العملة من أجلها. أما العملة غير القابلة فهي العملة المقيدة التي لا يمكن تحويلها أبدا. – العملات الافتراضية المركزية والعملات الافتراضية اللامركزية الأولى هي تلك التي تشرف عليها سلطة واحدة هي السلطة الإدارية المتحكمة في النظام، هذه الجهة تقوم بإصدار العملة، تحدد قواعد استعمالها، بل ولها حتى السلطة لإلغائها وجعلها تختفي، كذلك تحديد سعرها حسب إرادة الجهة المصدرة لها. أما العملات الافتراضية اللامركزية فهي عملات مشفرة أو أصول مشفرة، يتم توزيعها مع نظام مفتوح المصدر على أساس خوارزميات، عن طريق كتل تفتقر إلى سلطة مركزية، كحالة البتكوين والإيثيريوم. وتقوم الأصول المشفرة اللامركزية على المبادئ التالية: 1- لا تحتاج إلى سلطة مركزة 2- يحافظ النظام على جميع الوحدات وأصحابها 3- لا يمكن تأمين ملكية الوحدة للمستخدم في التسيير 4- لا يمكن استخدامها في عمليتين متطابقتين إذ يقوم النظام في هذه الحالة بإلغاء واحدة. وبعد التمييز بين مختلف أنواع هذه العملات، يبقى من الجدير الإشارة إلى أهم جوانب غسيل الأموال عن طريق الأصول المشفرة وأهم الآليات المستخدمة في ذلك. مكن التعاون الدولي المتزايد على مستوى الجهات القضائية والأمنية من إنشاء نظام متكامل لمنع غسل الأموال، إلا أنه في المقابل، تقوم المنظمات الإجرامية بتحديث وتطوير تقنياتها إما بواسطة أشخاص أو كيانات متخصصة في غسل الأموال من خلال الأصول المشفرة، وإما باستعمال منهجيات جديدة لغسل الأموال ومن ذلك: – تعدين أصول التشفير: والذي يمكن تعريفه بأنه مجموعة من العمليات اللازمة للتحقق من صحة المعاملات بالأصول المشفرة، عن طريق استخدام شبكة البلوكشين، إذ لا يسمح البروتوكول بمعالجة هذه المعاملات إلا لمستخدمين متخصصين يطلق عليهم في هذا المجال “عمال المناجم”. داخل هذه الشبكة، ومن أجل التحقق من صحة المعاملة، يجب حل مشكلة رياضية معقدة باستخدام مفاتيح معقدة، مرة واحدة، وبمجرد القيام بذلك تتم إضافة المعاملة ككتلة أخرى، لتصبح لا رجعة فيها. ويتم تقريبا إنشاء جميع العملات المشفرة الافتراضية اللامركزية من خلال التعدين، هذه العملية التي تتطلب عددا كبيرا من “عمال المناجم” حتى إنه لا يمكن إحصاؤهم ولو بطريقة تقريبية، كما أن معدات التعدين مكلفة للغاية، تفوق قيمتها 2000 دولار للوحدة، وهي صاخبة جدا وتستهلك الكثير من الطاقة، فهي تحتاج إلى قدرات تكنولوجية كبيرة، فضلا عن الموارد الاقتصادية ومهارات الكومبيوتر، كما يجب أن تكون هذه المعدات مثبتة في أماكن عازلة للصوت. لذلك تميل هذه الشركات أو المنظمات التي تقوم بهذا النشاط إلى اختيار البلدان الأكثر برودة من أجل تبريد هذه الخوادم بأقل تكلفة. – التبادلات ويتعلق الأمر بمنصات افتراضية تسهل تبادل أصول التشفير تمكن العملاء من تحويل الأموال الحقيقية إلى أموال افتراضية والعكس صحيح، من مختلف آليات الدفع كالتحويلات المعرفية أو بطاقات الائتمان.

وتعمل البورصات كمحافظ لعملائها، حيث يقومون بإيداع أموالهم في هذه المنصات، وتفرض البورصات رسوما مقابل استخدام خدماتها. ومن هنا تبرز مخاطر غسل الأموال المرتبطة باستخدام التبادلات في ما يلي: – لا يعمل العملاء في البلد الذي توجد فيه المنصة. – يمكن السيطرة عليها مباشرة من قبل منظمة غسيل الأموال..

أخيرا يمكنني تقديم مجموعة من التوصيات يمكن العمل بها في المستقبل الآتي: 1- ننصح الدول بدمج هذه الأصول المشفرة والاعتراف بها وفق نظام مناسب لطبقتها، مع التحذير من مخاطرها وإبراز فوائدها المحتملة. 2- يوصى بتطبيق نظام مماثل لذلك المطبق على المؤسسات المالية على مقدمي خدمات العملات المشفرة بتعبئة وتحديد الأشخاص الذين يملكون وينقلون الأصول المشفرة. 3- إحداث شرطة متخصصة وبتكوين عال في مجال غسل الأموال مع إشراف جهات قضائية ونيابات عامة متخصصة أيضا داخل كل دولة معينة. 4- ملاءمة تشريعات الدولة في مجال غسل الأموال من خلال الأصول المشفرة وفقا لاتفاقية باليرمو. 5- زيادة التعاون القضائي والأمني من أجل تحقيق تبادل أسرع للمعلومات بين الدول يتيح الوصول الفوري للمعلومات عل مستوى الأنظمة المالية باعتبار أن هذه العمليات تتم في ثوان.

السمات ذات صلة

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

حصاد فبراير

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة