أجرت مجلة “ليكسبريس” الفرنسية حوارا مع ميلاني ماتاريس، مؤلفة كتاب “كيف خسرت فرنسا الجزائر (مرة أخرى)”، حللت فيه ما قالت المجلة إنها “المسؤوليات في الأزمة الحالية بين فرنسا والجزائر”، وفككت ما زعمت المجلة أنه “منطق نظام جزائري يشعر بالعزلة المتزايدة”.
ميلاني ماتاريس، هي صحافية فرنسية تعيش في الجزائر منذ خمسة عشر عاماً، وعملت كصحافية وأطلقت صحيفة “الوطن ويكاند” (العدد الأسبوعي للصحيفة الجزائرية الناطقة بالفرنسية) رفقة زوجها الصحافي الجزائري عدلان مدي (مراسل مجلة لوبون الفرنسية في الجزائر)، وتدير ماتاريس اليوم شركة.
في مقدمته للحوار قال معده توماس ماهلر، نائب مدير تحرير المجلة: “إنه فشل آخر من فشل السياسة الخارجية لإيمانويل ماكرون. بينما جعل الرئيس الفرنسي “مصالحة الذاكرة” محورًا رئيسيًا للعلاقات بين فرنسا والجزائر، فإن هذه العلاقات اليوم أكثر تدهورًا من أي وقت مضى، بعد اعتقال الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في 16 نوفمبر، الذي أثار ضجة في فرنسا، تلته اتهامات غريبة ضد جهاز الاستخبارات الفرنسي الخارجي (DGSE)، الذي زعمت الصحافة الجزائرية أنه قام بعملية سرية لـ “زعزعة استقرار” الجزائر. لا شك أن ذلك يجب أن يُنظر إليه على أنه نتيجة لتغيير موقف إيمانويل ماكرون الذي اعترف في 30 يوليو بـ “السيادة المغربية” على الصحراء الغربية”.
بدأت “ليكسبريس” حوارها بهذا السؤال: اتهم النظام والصحافة الحكومية الجزائرية فرنسا بالتآمر، عبر المديرية العامة للأمن الخارجي DGSE، لتجنيد إرهابيين جزائريين، ما يذكر بالاتهامات السابقة في وقت قضية بوراوي في عام 2023، أو الهجمات العبثية نفسها ضد أجهزة المخابرات الفرنسية التي زُعم أنها تآمرت مع الموساد والمغرب لزعزعة استقرار الجزائر… هل تم تجاوز مرحلة جديدة في تدهور العلاقات الفرنسية الجزائرية؟
وفي ردها أكدت ميلاني ماتاريس أن “قضية جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي DGSE تضر بالعلاقة الثنائية بين فرنسا والجزائر أكثر مما تبدو عليه لأنها لا تمس السياسة فقط. إنها تقوض أحد الأسس الأكثر قدسية للعلاقة الثنائية: التعاون الأمني بين البلدين.
وذكرت أنه منذ أن اندلعت الأزمة الكبرى – التي يندرج هذا الحدث في إطارها – في يوليو، عقب اعتراف باريس بمغربية الصحراء الغربية، قطعت الجزائر جميع قنوات الاتصال تقريبًا مع باريس، بما في ذلك تلك الخاصة بأجهزة الاستخبارات. وقد عاشت هذه الأجهزة الفرنسية هذه القطيعة بشكل سيئ للغاية، خاصة أنها في ذلك الوقت كانت تعتمد على شركائها الجزائريين في تبادل المعلومات من أجل منع أي هجمات محتملة بينما كانت فرنسا تستضيف الألعاب الأولمبية.
وتضيف ماتاريس أنه “هنا، تظهر كل تناقضات هذه القصة عن المؤامرة: ليس فقط أن باريس والجزائر كانتا دائمًا، رغم الأزمات السياسية، موحدتين في مكافحة الإرهاب. لكن الأهم من ذلك، نرى بوضوح أن فرنسا ليس لديها أي مصلحة في زعزعة استقرار الجزائر لأنها ستكون أول من يدفع الثمن. هذه الهجمات المتكررة ضد الاستخبارات الفرنسية تسبب أيضًا أضرارًا دائمة داخل (المديرية العامة للأمن الداخلي الفرنسي) DGSI والمخابرات الخارجية الفرنسية DGSE، حيث يثير حتى أكثر المدافعين حماسة عن الجزائر مشكلة ثقة.
وعن سؤال عن تفسيرها لاعتقال الكاتب الجزائري ـ الفرنسي بوعلام صنصال، في سن الثمانين، والذي يثير صدمة عميقة في فرنسا، اعتبرت ماتاريس أن “اعتقال بوعلام صنصال يثير صدمة عميقة في هذا الجانب من البحر الأبيض المتوسط لأنه يُنظر إليه، وهذا أمر طبيعي، من خلال عدسة فرنسية: إنه اعتداء على حرية التعبير، لقد “تم حبس” (اختيار الكلمة هنا كاشف) كاتب، رجل في الثمانين من عمره، مفكر حر.
بالنسبة للسلطات الجزائرية، فإن المنظور مختلف قليلاً. أولويتهم هي إدارة نوعين من الضغوط التي قد تؤدي، إذا لم يتم احتواؤها، إلى زعزعة استقرار البلاد بشكل حقيقي. الأولى هي داخلية. الجزائر بلد كبير جدًا (أربع مرات أكبر من فرنسا)، مع سكان متنوعين بين شمال وجنوب البلاد، ونسبة عالية جدًا من الشباب (70% من السكان تقل أعمارهم عن 40 عامًا)، ولديها احتياجات كبيرة في الإسكان، والعمل، والطاقة، وتشهد ديناميكيات داخلية قوية جدًا. بالنسبة للحكام، فإن التحدي هائل”.