في ندوة نظمها المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة حول مدونة الأسرة، ألقى وزير العدل وحقوق الإنسان السابق، مصطفى الرميد، مداخلة شاملة أثارت نقاشاً عميقاً حول التعديلات المقترحة في المدونة وأثرها على المجتمع المغربي.
واستهل الرميد كلمته بالتأكيد على أهمية مبدأ “لا أحل حراماً ولا أحرم حلالاً” كقاعدة أساسية يجب أن تُحترم في أي تعديل تشريعي، مشدداً على ضرورة الفصل بين هذا المبدأ ومفهوم المواءمة التشريعية، التي تسعى إلى جلب المصالح ودفع المفاسد.
وفيما يخص سن الزواج، أشار الرميد إلى أن تحديده بـ18 سنة، مع إمكانية الاستثناء بقرار قضائي لمن بلغ 17 سنة، يحترم مبادئ الشريعة الإسلامية ولا يتناقض مع القاعدة الأساسية المذكورة. وأضاف أن هذه الخطوة تعكس توازناً بين حماية القاصرين وضمان ملاءمة القوانين مع الواقع الاجتماعي، داعياً إلى التركيز على النصوص الشرعية التي تدعم هذا التوجه.
وعن موضوع شهادة الشهود المسلمين في عقود الزواج بالخارج، أوضح الرميد أن الشريعة تهدف إلى التوثيق، وليس بالضرورة الشهادة بحد ذاتها. واستشهد بنصوص قرآنية تؤكد أهمية توثيق العقود بطرق حديثة، مشيراً إلى أن توثيق عقود الزواج وفق قوانين الدول المضيفة يحقق الغاية الشرعية المرجوة دون خرق للمبادئ الإسلامية.
وفيما يتعلق بالنيابة الشرعية المشتركة بين الأبوين، أكد الرميد أنها منظمة في مدونة الأسرة الحالية ولا تمنح أي طرف صلاحيات مطلقة. واعتبر أن هذا التعديل يعزز المصلحة الفضلى للطفل، خاصة في الحالات التي تتسم بوجود نزاعات بين الأبوين. واستشهد بحالات قانونية تظهر فيها أهمية وجود نيابة مشتركة لضمان حقوق الأطفال، خاصة في القضايا المتعلقة بالتعويضات المالية.
أما بشأن نفقة الزوجة، فتطرق الرميد إلى التحديات التي تواجه تطبيق المادة 194 من المدونة. وأشار إلى أن اعتبار النفقة واجبة بالعقد فقط، دون الدخول أو الخلوة، أمر يحتاج إلى مراجعة تشريعية تعكس واقع العلاقة الزوجية. كما أكد أن الشريعة لا تعارض هذا التوجه الذي يسعى إلى تحقيق العدل والإنصاف.
وفيما يخص “إيقاف السكنى”، أوضح الرميد أن الفقهاء اعتمدوا هذا المصطلح بدلاً من “العمرى” لتجنب الالتباسات الشرعية. واعتبر أن هذا التعديل يعالج إشكاليات حقيقية تتعلق بحقوق الزوج أو الزوجة الباقي على قيد الحياة، دون الإضرار بحقوق الورثة. وأشار إلى أن تطبيق هذا المقتضى يتطلب صياغة قانونية دقيقة تأخذ بعين الاعتبار الحالات المختلفة، مع الحفاظ على التوازن بين الحقوق.
الرميد تناول أيضاً موضوع التعصيب في الإرث، موضحاً أنه من الصعب إسقاط هذا النظام كلياً، لأنه يشكل جزءاً من نظام الإرث الإسلامي. لكنه أشاد بالحلول التي تسعى إلى حماية حقوق البنات والزوجات في حالات النزاع مع الورثة من العصبة، معتبراً أن هذه الإجراءات تحفظ كرامة الأسر وتحقق العدالة الاجتماعية.
واختتم الرميد مداخلته بالتأكيد على أن التعديلات المقترحة تحترم قواعد الشريعة الإسلامية، وتسعى في الوقت ذاته إلى تحقيق التوازن بين النصوص الشرعية والواقع الاجتماعي. وأشار إلى أن هذه التعديلات تتطلب جهداً تشريعياً استثنائياً لضمان صياغة قانونية تحقق المصلحة العامة وتراعي خصوصيات المجتمع المغربي.