أكد الدكتور جواد مبروكي، الخبير في التحليل النفسي، أن مفهوم الشيخوخة يختلف من ثقافة إلى أخرى، إذ لم يعد العمر وحده هو المحدد الأساسي لها، مشيرًا إلى أن هذه المرحلة الحياتية بدأت تتأخر مقارنة بالماضي بفضل تحسن ظروف المعيشة والتطورات الصحية.
وأوضح مبروكي أن تعريف الشيخوخة في المغرب كان يختلف عن دول أخرى، حيث تبدأ رسميًا في سن 60 عامًا، في حين أن دولًا أوروبية تحددها عند 69 سنة، بينما تصل في أمريكا اللاتينية واليابان إلى 70 عامًا.
وأوضح أن تغير مفهوم الشيخوخة يرتبط أساسًا بأسلوب الحياة، فقديمًا، كان الزواج يتم في سن مبكرة، وغالبًا ما يصبح الشخص جدًّا في سن 45 عامًا، مما كان يُعتبر دليلًا على دخوله مرحلة الشيخوخة وانتهاء مرحلة الشباب. وكان من المتوقع أن يتبنى الرجل في هذا العمر نمطًا معينًا من المظهر والسلوك، مثل ارتداء الجلابة والطربوش، وتجنب أي مظاهر شبابية، حيث كان المجتمع ينظر إلى أي خروج عن هذه القواعد على أنه قلة احترام للسن والمقام.
ومع تطور الزمن، تغيرت هذه النظرة تمامًا، وأصبح الفرد يستكمل دراسته حتى 25 أو 30 عامًا، ثم يدخل سوق العمل متأخرًا ويتزوج في سن متقدمة، ما أدى إلى تأخر مرحلة الشيخوخة وأعطى الناس فرصة للتمتع بحياتهم لفترة أطول.
وأضاف مبروكي أن المسنّين اليوم لم يعودوا يرون أنفسهم خارج الحياة الاجتماعية، حيث أصبح الكثيرون في سن 60 و65 عامًا يتمتعون بصحة جيدة ويواصلون أنشطتهم بحيوية، ولم يعد “الشعر الأبيض” علامة على نهاية الحياة، بل مجرد مرحلة أخرى من التطور الطبيعي للفرد.
وأشار إلى أن المجتمع المغربي شهد تحولات جذرية في نظرته إلى الشيخوخة، حيث لم يعد المسنّون ينتظرون من المجتمع أن يعاملهم كأشخاص انتهت أدوارهم، بل أصبحوا يشاركون في الحياة العامة بشكل أكبر، حتى أن بعضهم يرفض لعب دور الجد التقليدي، معتبرين أن هذه الفترة فرصة للاستمتاع بالحياة، مثل السفر، ممارسة الهوايات، وحتى استكشاف تجارب جديدة.
وأبرز أن هذه التغيرات مستوحاة من الثقافة الأوروبية التي تأثرت بها المجتمعات الحديثة، حيث لم يعد المسنّون يرون أنفسهم عبئًا على العائلة، بل أفرادًا مستقلين لهم حق في التمتع بالحياة بعد عقود من العمل والمسؤوليات.
كما أشار إلى أن المسنين أصبحوا يرفضون تحمل أعباء تربية الأحفاد كما كان في الماضي، حيث باتوا يقولون بوضوح: “لقد قمنا بدورنا، والآن حان وقتنا لنعيش حياتنا”.
وخلص مبروكي إلى أن هذه التغيرات تواكب التحولات الديموغرافية، حيث يتزايد عدد المسنين مقارنة بعدد المواليد، متوقعًا أنه بحلول 2030، سيكون نصف سكان المغرب ممن تجاوزوا سن الستين، مما سيعزز مكانة هذه الفئة داخل المجتمع، ويفرض على الجميع إعادة النظر في الطريقة التي يتم التعامل بها مع الشيخوخة، باعتبارها مرحلة للاستمتاع بالحياة وليس مجرد انتظار النهاية.