افتتحت يوم أمس الجمعة بمدينة أكادير، فعاليات الدورة السادسة عشرة للمهرجان الدولي للشريط الوثائقي (فيدادوك)، وذلك في حفل بهيج حضرته نخبة من الشخصيات البارزة في المشهد الثقافي والفني. ويستمر هذا الحدث السينمائي الهام، الذي تنظمه جمعية الثقافة والتربية بواسطة السمعي-البصري، حتى الثامن عشر من يونيو الجاري، مقدماً لجمهور سينما الصحراء برنامجاً غنياً ومتنوعاً.
وتشهد هذه الدورة تنافس 19 شريطاً وثائقياً تمثل 20 دولة إنتاج، مما يعكس البعد الدولي للمهرجان. ويبرز ضمن المشاركين حضور لافت لمخرجين ناشئين من القارة الأفريقية والعالم العربي، إلى جانب مخرجات من أوروبا وكيبيك، اللواتي ركزت أعمالهن على استكشاف الروابط الاجتماعية والأسرية بعمق وحساسية.
ومن أبرز لحظات المهرجان، سيتم تكريم المخرجة الهندية المتميزة، نيشثا جين، التي ستحل ضيفة على المهرجان لتشارك تجربتها السينمائية الثرية مع الجمهور، وذلك عقب عرض فيلميها الحائزين على جوائز عالمية: “ثورة الزراعة” (2024) و”الخيط الذهبي” (2022).
كما تحتفي الدورة الحالية بتاريخ السينما العربية من خلال عرض النسخة المرممة من الفيلم اللبناني الكلاسيكي “ليلى والذئاب” (1984) للمخرجة الرائدة هيني سرور. وسيحظى هذا العرض بتقديم خاص من تودا بوعناني، التي كان لها دور بارز في طباعة وإنتاج أعمال هذه السينمائية التي تركت بصمة لا تُمحى في تاريخ السينما العربية.
وتضم المسابقة الدولية للأفلام الطويلة أعمالاً تعرض لأول مرة في المغرب، وستقوم بتقييمها لجنة تحكيم مرموقة تتألف من المخرجة الفرنسية سيلفي باليو، والمصور المغربي المبدع مهدي مريوش، والصحافي السنغالي المرموق أبو بكر ديمبا سيسوكو.
وإلى جانب الأفلام الطويلة، يقدم المهرجان أربعة أفلام قصيرة هي نتاج ورشتي عمل متخصصتين: “رؤى متقاطعة” التي أقيمت في تونس، و”السينما والتنوع البيولوجي” التي احتضنتها لبنان.
وتتسع دائرة العروض لتشمل، بالإضافة إلى قاعة سينما الصحراء، برنامج “طريق السينما” المتنقل، الذي يصل هذا العام إلى السجن المركزي في آيت ملول، في مبادرة إنسانية تحققت بدعم من إدارة السجن واللجنة الجهوية لحقوق الإنسان.
وفي كلمتها بهذه المناسبة، أكدت رئيسة المهرجان، هند سايح، أن “فيدادوك” في نسخته السادسة عشرة يواصل بثبات مهمته النبيلة في “بناء روابط مثمرة بين الثقافة والتاريخ والمجتمع”.
وأضافت أن المهرجان يسعى للمساهمة الفعالة في “بناء قطاع وثائقي قوي وجريء ومستدام، قادر على إبراز أصوات فريدة، وتوثيق الحاضر، وبناء إرث سمعي بصري للأجيال القادمة”. وشددت السيدة سايح في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء على الإيمان الراسخ بقوة الفيلم الوثائقي ودوره في “بناء خيال جماعي، وفي قدرته على تشكيل الضمائر، وفي بناء قطاع منظم ومستدام ذي اقتصاد حقيقي”.
من جانبه، أشاد الناقد السينمائي المغربي، عبد الكريم أوكريم، بالتطور الملحوظ الذي شهده مهرجان “فيدادوك” على مدى ستة عشر عاماً، مؤكداً أنه أصبح “حدثاً لا غنى عنه لعشاق الأفلام الوثائقية في المغرب وخارجه”.
وأبرز أوكريم أهمية هذا الحدث في تعزيز السينما الوثائقية، “لا سيما في سياق غالباً ما يظل فيه هذا النوع من الأفلام مهمشاً”، مشيراً إلى أن المهرجان، من خلال برنامجه الغني والمتنوع، يسهم في “توسيع آفاق المشاهدين ومساءلة الحقائق الاجتماعية بحساسية وعمق”.
ويستمر المهرجان في التزامه بدعم المواهب الشابة من خلال “الخلية الوثائقية” التي تصل إلى دورتها الثالثة عشرة هذا العام. وتستقبل هذه الورشة التكوينية حوالي 100 مشارك من حاملي المشاريع والمتعلمين، بهدف توفير منصة لتبادل الخبرات وتشجيع جيل جديد من صناع الأفلام الوثائقية في المغرب والمنطقة.
ويؤكد منظمو المهرجان الدولي للشريط الوثائقي بأكادير أنه منذ انطلاقته، سعى ليكون واجهة للأفلام الوثائقية الإبداعية ومختبراً حقيقياً للأفكار، مساهماً بذلك في بروز جيل جديد من صانعي الأفلام الملتزمين، وتوثيق اللحظة الراهنة، وترك إرث سمعي بصري غني للأجيال المتعاقبة.
