الرئيسية / نبض المجتمع / حق عاشوراء: هل هو احتفال بريء أم أول درس في امتهان مد اليد؟

حق عاشوراء: هل هو احتفال بريء أم أول درس في امتهان مد اليد؟

عاشوراء
نبض المجتمع
فبراير.كوم 06 يوليو 2025 - 20:00
A+ / A-

مع كل مناسبة عاشوراء، تعود إلى شوارع المغرب لوحة اجتماعية مقلقة، أبطالها أطفال صغار، بعضهم لم يتجاوز ربيعه الثالث عشر، يتجولون فرادى أو في جماعات، يطرقون نوافذ السيارات ويمدون أياديهم للمارة في المقاهي والأسواق، طالبين ما يُعرف شعبيًا بـ”حق عاشوراء”، لكن خلف هذا الطقس الذي يتذرع بالتقاليد، تتوارى ظاهرة خطيرة: بوابة نحو التسول الممنهج واستغلال الطفولة.

ما كان في الماضي تقليدًا بريئًا، حيث يمنح الآباء أبناءهم دراهم معدودة لشراء الألعاب والحلويات احتفالاً بالمناسبة داخل نطاق الحي الآمن، تحوّل اليوم لدى فئات واسعة إلى ممارسة منظمة لجمع المال. لم يعد الأمر مقتصرًا على هدية رمزية من الأهل، بل أصبح دافعًا لخروج الأطفال إلى الفضاء العام دون رقابة، إما خلسة من بيوتهم أو بتشجيع مباشر من بعض الأسر.

يقول محمد فاضل، وهو أب لثلاثة أطفال بمدينة العيون، بأسف واضح: “أرى أبناء الجيران يعودون في المساء بمبالغ تصل أحيانًا إلى مئات الدراهم. الأمر لم يعد مجرد لعبة، فبعض الآباء يشجعون أبناءهم صراحة على الخروج لجمع المال، معتبرينها فرصة لا تُفوّت”. هذا التشجيع يحوّل الطفل من محتفٍ بالطقس إلى عامل جمع للمال، في محو تام للحدود بين التقليد والاستجداء.

إن تجوال الأطفال العشوائي في الشوارع المزدحمة يعرضهم لمخاطر جسيمة، تبدأ من حوادث السير والضياع، ولا تنتهي عند احتمالات التحرش أو السرقة، ففي غياب أي حماية، يصبح هؤلاء الأطفال فريسة سهلة للمتربصين، وحتى لو صُرفت تلك الأموال المجموعة على الطبول والمفرقعات، فإن الطريقة التي حُصّلت بها تزرع في نفوسهم قيمًا سلبية، أبرزها أن “مد اليد” هو السبيل الأسهل للكسب، مما يرسّخ سلوكًا اتكاليًا يقضي على روح المبادرة والاجتهاد.

في هذا السياق، وصفت فاطمة راكب، وهي فاعلة مجتمعية، الظاهرة بأنها “مدخل خطير لتعويد الأطفال على مد اليد أمام إشارات المرور والمحلات التجارية”، مضيفة بالقول: “إنها الخطوة الأولى نحو التسول المنهجي. إن لم ننتبه اليوم، سنجد أنفسنا غدًا أمام جيل يعتقد أن الربح يأتي دون تعب ولا جهد”.

وحمّلت المتحدثة في تصريحها لـ”فبراير”، المسؤولية للأطراف كافة، داعيًة”الأسر والدولة والمجتمع المدني إلى تحمل مسؤولياتهم في حماية الطفولة من هذا الانزلاق الخطير”، مؤكدًة أن “ما يبدو تقليدًا بسيطًا هو في الحقيقة تساهل مع سلوكيات تنخر قيم الاعتماد على النفس والتعلم والعمل”.

على الرغم من أن القوانين المغربية تجرّم استغلال الأطفال في التسول، فإن ظاهرة “حق عاشوراء” تتكرر سنويًا دون أي تدخل رادع، وكأنها أصبحت جزءًا مقبولاً من المشهد العام. هذا “التطبيع المجتمعي” هو الخطر الأكبر، لأنه يمنح الظاهرة غطاءً من الشرعية الزائفة، ويهدد ليس فقط الحاضر الآمن للأطفال، بل مستقبل جيل بأكمله قد يتربى على ثقافة الكسل والسلبية.

في نهاية المطاف، لا يمكن أن تُبنى الأوطان القوية على إيقاع طبول المهرجانات المؤقتة، بل على ما تزرعه في وعي أطفالها من قيم الكرامة والعمل والسعي. ويبقى “حق عاشوراء” الحقيقي هو حق الطفل في الحماية والتعليم والتربية السليمة، لا في دفعه إلى الشارع ليمد يده.

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة