الرئيسية / أخبار في صورة / أفيلال وانتفاضة 29 يناير 1944 التي كان ولي العهد (الحسن الثاني) في مقدمة المتظاهرين فيها (الحلقة الثانية)

أفيلال وانتفاضة 29 يناير 1944 التي كان ولي العهد (الحسن الثاني) في مقدمة المتظاهرين فيها (الحلقة الثانية)

أخبار في صورة سياسة قصاصات نبض المجتمع
abdeltif fadouach 22 يونيو 2015 - 19:11
A+ / A-

ارتبط تأسيس المركزية النقابية الاتحاد العام للشغالين بالمغرب بخروج رفاق المهدي بن بركة، وأحمد بنجلون، وعبد الرحيم بوعبيد من حزب الاستقلال ومعهم قادة الاتحاد المغربي للشغل، وكان النقاش، حينها، داخل حزب الاستقلال يتراوح بين البقاء داخل الاتحاد المغربي للشغل أو تأسيس بديل نقابي، قبل أن ترجح كفة تأسيس الاتحاد العام للشغالين.
تأسيس وتطور والمحطات التي شهدتها هذه المركزية النقابية، التي ارتبط اسمها، بأحد مؤسسيها التاريخيين، عبد الرزاق أفيلال، هو ما سنحاول تسليط الضوء عليه في هذه السلسلة، إضافة إلى مسارات تاريخية مرتبطة، من كتاب « عبد الرزاق أفيلال كفاح نقابي في حزب الاستقلال » لمؤلفه الأستاذ رشيد أفيلال الإدريسي، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال سابقا، وعضو المكتب الوطني للشبيبة الاستقلالية سابقا، وعضو المجلس الجهوي للموثقين بالدار البيضاء، وكاتب وفنان تشكيلي… في ما يلي الحلقة الثانية..
———————————
مع تعاقب الأحداث وتوالي السنوات، اتضح للنخبة الوطنية أن الإصلاحات الهيكلية التي تدعيها الحماية الفرنسية؛ كانت مجرد مخطط استعماري، الغرض منه استنزاف ثروات المغرب واحتكارها. فالحماية فرضت مجموعة من الإجراءات التعسفية والقسرية، التي أثقلت كاهل المواطن المغربي. لكن سرعان ما تصدت الحركة الوطنية لهذه الخلفيات اﻹستعمارية بتنسيق مع جلالة المغفور له محمد الخامس، الذي بعث في مطلع صيف 1943 السيد محمد الفاسي إلى مجموعة من الوطنيين من بينهم: محمد اليزيدي، وعبد الله إبراهيم، ومسعود شيكر، وعمر بن عبد الجليل، والهاشمي الفيلالي والفقيه محمد الغازي. وفي صباح 11 يناير1944، تفضل اثنا عشر وطنيا يتقدمهم الحاج أحمد بلافريج بتقديم وثيقة الإستقلال، لجلالة المغفور له محمد الخامس بالقصر الملكي بالرباط.
نزلت هذه الوثيقة كالخبر الصاعقة على الكيان المستعمر، الذي أقدم أياما معدودة بعد توقيعها على استعمال كل أشكال العنف والقوة ضد المغاربة، الذين استشهدوا بالعشرات. فاعتصم الوطنيون بالمساجد وقرأوا اللطيف، واتخذوا من بعض الأماكن السرية ملاذا يحميهم من طيش رصاص المستعمر. وقد كان عبد الرزاق افيلال، وقتئذ تلميذا بثانوية مولاي يوسف بالرباط، وسنه لا يتجاوز الخامسة عشر ربيعا. كان يقطن بحي ديور الجامع، بمنزل يجاور دار الطالب، خصصته الحركة الوطنية لاستقبال بعض الطلبة الوافدين من مدن أخرى على الرباط طلبا للعلم والمعرفة. وفي هذا السياق يتذكر عبد الرزاق أفيلال أن المهدي بن بركة القاطن بالحي نفسه، كان مكلفا بتأطير وتوجيه الطلبة بهذا المركز الإيوائي.
وعاش المغرب يوم 29 يناير 1944 أحداثا دموية، بسبب الانتفاضة الشعبية التلقائية في مختلف المدن، حيث كانت العاصمة الرباط مسرحا لأكبرها. لقد احتشد المغاربة بالآلاف منددين باعتقال محمد اليزيدي وأحمد بلافريج. وبمجرد سماع ولي العهد، أنداك، الأمير مولاي الحسن لصدى هتافات المتظاهرين؛ خرج من القصر للتعبير عن تضامنه معهم، في الوقت الذي تصدت فيه قوات الأمن الفرنسي لهذه المظاهرة الاحتجاجية بإطلاق النار.
يتذكر عبد الرزاق افيلال أنه في مطلع شهر غشت 1999، اجتمع قادة الحركة النقابية الثلاثة بالمغرب (المحجوب بن الصديق، عن الاتحاد المغربي للشغل، نوبير الأموي، عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وعبد الرزاق افيلال، عن الاتحاد العام للشغالين بالمغرب) لأول مرة بالقصر الملكي بالرباط، جنبا إلى جنب لتقديم التعازي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس إثر وفاة والده جلالة المغفور له الحسن الثاني. واغتنم عبد الرزاق افيلال هذه المناسبة الأليمة للتعبير لجلالته، باسم الطبقات العمالية المنضوية تحت لواء الاتحاد العام، عن مشاعر حزنها العميق ومواساتها إثر هذا المصاب الجلل. وقد عاد بذاكرة جلالته إلى أحداث 29 يناير1944، التي قاد مسيرتها الاحتجاجية جلالة المغفور له الحسن الثاني، وسط حشود من الوطنيين الأفذاذ، وهم يهتفون بالحرية والاستقلال. في هذا المقام، أبلغ عبد الرزاق افيلال جلالته، أيضا، بكل افتخار واعتزاز أنه حظي بشرف إحاطة ولي العهد آنذاك، بعدما أقدمت سلطات الحماية على تفرقة المتظاهرين بكل أساليب العنف والقمع. عرفت الأحداث المذكورة عشرات القتلى ومئات الجرحى، أما المعتقلون في صفوف المتظاهرين فكانوا يعدون بالمئات.
ويستشهد عبد الرزاق أفيلال بحدث اغتيال المقاوم بلحساين على إثر رصاصة أصابته في رأسه، وهو يترصد تواجد المستعمر من شرفة باب المسجد الذي اتخذه مخبأ. كما يستحضر السلوك الذي صدر عن الضابط الفرنسي حين استشاط غضبا، أمام من اعتقلوا مجموعة من التلاميذ مخاطبا إياهم: “يا لها من مفارقة عجيبة لقد أصبحنا نطارد القاصرين بدل المقاومين”. صفع الضابط عبد الرزاق وأمر بإخلاء سبيل التلاميذ بعد ذلك.
وحاصرت الإدارة الفرنسية أمنيا مدينة الرباط وسلا، وطوقت حي ديور الجامع برجال الشرطة، وبفيلق من (الكوم) كان معظمهم من الأفارقة والزنوج، يرتدون ألبسة تقليدية مدججين بالهراوات وبأحزمة جلدية، متربصين بالمتظاهرين الذين اتخذوا بعض المنازل مخبأ لهم. حيث ظل بعض الطلبة المتظاهرين محاصرين لمدة ثمانية عشر يوما بدار الطالب، وقد كان المستعمر يجهل كليا مكان تواجدهم. حينها، كان عبد الرزاق أفيلال يتسلق جدار منزل أسرته المجاور لدار الطالب قصد تزويد المحاصرين بالمؤونة الضرورية، التي حرصت أمه السيدة مينة وكذا بعض الوطنيين على توفيرها بشكل منتظم. لقد استغربت كثيرا لمغزى هذا الحدث وتساءلت: لمادا لم يداهم الفرنسيون دار الطالب؟؟، أوضح لي عبد الرزاق افيلال، بخصوص هذه النازلة، أن المستعمر كان يجهل مكان اختباء المبحوث عنهم. كما أن القانون، لم يكن يسمح بمداهمة البيوت إلا بموجب ترخيص قضائي، وهو القانون الذي تقدمت به ثلة من الوطنيين باسم المغاربة سنة 1934 إلى جلالة المغفور له محمد الخامس، و أطلقت عليه اسم مطالب الشعب المغربي.
وخلال كل مناسبة وطنية، كان عبد الرزاق افيلال يتحدث عن وثيقة مطالب الشعب المغربي منوها بأسماء موقعيها: علال الفاسي، محمد اليزيدي، محمد المكي الناصري، عمر بن عبد الجليل، بوبكر القادري، عبد العزيز بن إدريس، محمد الغازي، أحمد الشرقاوي ومحمد الديوري. وبخصوص الحصار وعدم مداهمة دار الطالب، ينص أحد بنود هذه الوثيقة على احترام المنازل، وعدم السماح باقتحامها أو تفتيشها، إلا بطريقة قانونية وبأمر من القاضي المختص.
علاوة على اقتصار التفتيش على الشخص أو الشيء المعني في نص القرار دون غيره، ووجوب حضور رب المنزل أو من يمثله من عائلته أو شخصين من هذا البلد. كما أن القانون المذكور يقضي باحترام المراسلات بجميع أشكالها، وعدم السماح بالاطلاع عليها إلا بأمر من القاضي. يحكي عبد الرزاق أنه رغم اختلاف الوطنيين حول رفض الفرنسيين تطبيق المقتضيات، التي جاءت بها مطالب الشغب المغربي، فإن حرص فرنسا على الحفاظ على مصالحها بالمغرب كان يلزمها بمواصلة برنامجها الإصلاحي.
ومرت سنة على المطالبة بالاستقلال، مارس المستعمر على امتدادها جميع الوسائل لقمع الأصوات الشعبية، من نفي واعتقال وتعذيب، لكن المغاربة تشبثوا بحقهم الثابت في الحرية والسيادة والكرامة، مستمدين قوتهم من رمز الكفاح جلالة المغفور له محمد الخامس. حيث أفضت مشاعر الحب التلقائي والتعلق المتين ببطل التحرير، والملك المجاهد الذي أصبح أسطورة في ذاكرة الشعب المغربي، إلى حد رؤية صورته في القمر بعد نفيه خارج الوطن. وبمناسبة تخليد الذكرى الأولى للمطالبة بالاستقلال، أشهر عبد الرزاق سلاحه الرمزي، وهو في سن السادسة عشر لكي يعرب عن تضامنه مع هذا الحق الوطني المشروع. أمسك بقطعة طبشور صغيرة وكتب بخط بارز وعريض على السبورة السوداء بالقسم الذي كان يدرس به: “تحيا الذكرى الأولى للمطالبة بالاستقلال”. استفز هذا السلوك الوطني مدرسه الفرنسي،الذي استشاط غضبا مستفسرا بصوت مرتفع عن صاحب هذه الأسطر، وأمام الصمت الجامد الذي خيم على صفوف التلاميذ، اضطر هذا المدرس إلى استدعاء مدير الثانوية، حيث قاما بإخلاء القسم من كل التلاميذ قصد استنطاقهم.
يتذكر عبد الرزاق افيلال هذا الحدث بعد مرور أزيد من ستة عقود،، ذلك أن اعتزازه به مرده إلى الموقف الوطني، الذي أعلن عنه أستاذه السيد الهاشمي بناني؛ الذي صاح في وجه مدير الثانوية على مسمع ومرأى جميع التلاميذ: “أنا كاتب تلك السطور !.

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

حصاد فبراير

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة