جريمة السؤال

أقلام الحقيقة اعمدة
sakhir 30 ديسمبر 2015 - 10:36
A+ / A-

قلت قبيل نهاية أحد حصص الدروس لطلابي، أفهمتم؟ إسألوا، فليس هناك سؤال محرم. كل الأسئلة في العلم مباحة، وليس العلم والثقافة إلا حب و ممارسة السؤال، والبحث المضني عن الحقيقة والشك في النتيجة. فلاحظت امتعاض البعض و تعجب الآخرين، بلى، أجاب أحدهم هناك حدود للسؤال، وليست كل الأسئلة مباحة بل أكثر ما يعاقب عليه في أمتنا السؤال. و صحيح ما قاله إننا أمة لم نصنع الحضارة لأننا حرمنا السؤال وجرمناه. أعطانا الله أجوبة قطعية عن الخلق وسن قوانين للعدل والحياة فامتثلنا. وجعل السؤال ذنب و إلحاد وسن الحاكمون سننا وخطوا خططا لمنع السؤال. فامتثلنا حتى لا ندخل السجن، وسنت الأسر سننا للتربية، أساسها الخوف والتخويف والقمع فامتثلنا بالصمت. فكبرنا وفوق رؤوسنا أسقف من التحريم والتجريم مَنَعَت الشك الذي هو أصل السؤال والسؤال أصل البحث والبحث أصل اكتشاف الحقيقة.

السقف الأول: الدين.

قال تعالى في سورة المائدة: الآيتان 101 ، 102 ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (102) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ﴾، مهما كان سبب نزولها، توحي بتحريم كل رغبة في السؤال والبحث. بالإضافة إلى آيات بداية الخلق المتطابقة بين الأديان السماوية وغير السماوية، جعلتنا أمة نعتقد أننا خير أمة أخرجت للناس، وجعلت المسيحيين يعتقدون أنهم أمة ابن الله، واليهود شعب الله المختار. أهدِيَت لنا الحقيقة على طبق من ذهب وكفّت عنا أسى البحث و الاستفهام ، إلا الأمم التي استطاعت أن تنجو بنفسها وتخترق السقف بالسؤال. فاخترعت حواسيب، وأنظمة و وجهت الذكاء الإنساني لخدمة الإنسان وتركوا لله أمر الكون وأداروا هم أمر الإنسان والأمم. فعدنا واستعملنا ما اخترعوه بدون سؤال، فاستهلكنا حضارة لم نبتكرها، فطورنا عبر التقنية المقترضة جهلنا، وتدارسناه، وتبادلناه، ونشرناه عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها… وألفنا كتبا على طول التاريخ لتقديس اللّاعقل و تكُفَّنا شر البحث، ففسرنا الواقع والمستقبل عبر تفسير الأحلام، وضمنا المال والحب بقراءة الأبراج و تداوينا بالتمائم ثم نعود ونتساءل لما نحن في نهاية الركب؟ فكرنا في كل الأسباب دون أن نفكر في السؤال، وسَن الدين للمرأة وللرجل حدودا، وشرع الفقهاء قوانينا تدور حول الفراش والجنس وكأننا أمة أخرِجت للجنس، سمّمت أفكارنا وحصنت الأمة الإسلامية من أي رغبة في التغيير بمقولات وتفاسير مثل أن تغطى المرأة حتى لا تثير غير بعلها، وتغطى حتى تنجو مما خلقه الله لها، من جسد وكأن المرأة آلة جنسية للجماع ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ سورة البقرة، وقد اجتمع العلماء على تفسيرها ولكن ما لفت انتباهي وهو غياب إرادة المرأة أو وجودها في علاقة هي طرف أساسي فيها. ما زلنا نسن قواعد عن الجنس و نطور ونقَنِّع فكرة الحريم، على كل رجل أن يغطي متاعه حتى لا يراه غيره. وآيات عن الارث غير قابلة للتعايش مع مستجدات العصر لكننا مع كل هذا لم نسأل سؤالا واحدا لماذا؟ لماذا لم توكل الخلافة للمرأة؟ لماذا لا تقبل شهادتها؟ لماذا لا تتساوى في الإرث مع الرجل؟رغم أن أغلب الأسر تشترك المراة في إعالتها و أخرى تقتصر الإعالة فيها عليها فقط.

السقف الثاني: المجتمع.

ليس المجتمع إلا كتلة إنسانية وثقافية وليس المجتمع إلا أثر للدين و للحضارات المتعاقبة على أرضنا، كل حضارة تحط رِحلَها العقائدي والثقافي، ثم تأتي حضارة أخرى وتحط رحلها ثم أخرى وأخرى حتى تصير الأمم كتلة مندمجة من الأديان والثقافات المتعاقبة المتكتلة ويصير الإنسان يحمل في ذاته كل الحضارات المتعاقبة ثم يصير هو ذاته نموذجا حضاريا يتحرك أينما حل وارتحل ويزيد عليه ما رضت اليه نفسه أو أجبرت عليه.

ولأننا أمة يحثنا الدين على عدم السؤال فإننا لا نستطيع ان نسأل الأب عن سبب الفقر وعن سبب الاختلاف مع الغير في الرزق والنفقات لأن الأمر محسوم، الله يريدنا أن نموت جوعا حتى ندخل الجنة، فنأكل ونمارس الجنس في شكل سرمدي غير قابل للتوقف، ولا نسأل الأم عن سبب التهميش والجهل ولماذا هي عورة وناقصة عقل ودين؟ ولا نسأل لماذا على الرجل التظاهر بالقوة والحزم ونجرم الدموع أو الإحساس بالخوف والتعبير عن الحب؟ و على المرأة التظاهر بالضعف والتواري خلف الرجل؟ تلك تركيبة نربي بها أبناءنا ونزرع فيهم تجريم السؤال: نحبط تساؤلات الطفل عن اختلاف عضوه الجنسي عن أخته ونحبط الابنة إذا سألت لما عليها إن تقوم بأشغال البيت وحدها وأن لاىتبدي زينتها إلا لمن يدفع للأب المهر، ونقول للاثنين الرحمن على العرش إستوى ثم نحبط أي رغبة في الاستفسار عن الأمر: ” الاستواء ومعلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة وأظنك رجل سوء أخرجوه من مجلسي” هذا ما قاله أحد الأئمة في أمر الاستواء.

السقف الثالث: الدولة

إن أنظمة الحكم هي من أكبر المستفيدين من أزمة تحريم وتجريم السؤال، لأنها غير مجبرة أن تعدل في الحكم فالله مع المظلوم، وغير مجبرة على العدل في الرزق لأن الله فرق الأرزاق، وغير مجبرة على المساواة بين الرجل والمرأة، وغير مجبرة للوقوف ضد إغتصاب الأطفال، لأننا أمة الغلمان تباها الفاتحون المسلمين بصفوف الغلمان، ونظم الشعراء كأبي النواس أبياتا في التغزل بالغلمان:

وَأَقبَلَ مَحمودُ الجَمالِ مُقَرطَقٌ    إِلى كَأسِها لا عَيبَ فيهِ أَريبُ

يَشُمُّ النَدامى الوَردَ مِن وَجَناتِهِ   فَلَيسَ بِهِ غَيرُ المِلاحَةِ طيبُ

فَمازالَ يَسقيــــنا بِكَأسٍ مُجِدَّةٍ    تُوَلّي وَأُخرى بَعدَ ذاكَ تَؤوبُ

واشتهر خلفاؤنا بصنوف الجواري والجنس الجماعي كما ورد في بعض الكتب عن هارون الرشيد، و دخل نبينا عليه السلام ببنت التاسعة، وجعلنا للأمر ألف مبرر شرعي نخفي خلفه إحساسنا بأن هناك شيء خطأ. ثم قيل ليس علينا أن نشك في أولي الأمر لأن من مات بدون ولي مات على غير الإسلام دون أن نسأل أي ولي يقصد؟ فتشدق مفتونا بما ليس لهم به علم و دعوا إلى قتل المختلفين على ؟ اختلاف اختلافهم وأفتوا غرائب الفتوى حتى شرب بول البعير. ومن شك من المواطنين فالدول العربية على مر تاريخها صنعت السجن و التنور. لتحبس المتمنطقين ومتفلسفين والاشتراكيين والليبراليين والعلمانيين و اعتبرت الجميع زنادقة و الملحدين…

بعد هذا ،إن تعاقب الأسقف وتراصها يجعل الحرية التي هي أصل السؤال محرمة، و العلم والإبداع أصل الترقي محرم. وأتمنى أن أستطيع بعد هذه المقالة العودة سالمة إلى طلابي لأدرسهم أمر هموم العشق في الغزل العربي دون ألم السؤال: هل قيس بن الملوح حقيقة أم خيال؟

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

حصاد فبراير

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة