عرفت سنة 2017 ، والتي تشرف شمسها أن تغيب قرارات ملكية فارقة ومفصلية ستطبع تاريخ المغرب الحديث، سواء على المستوى الداخلي من خلال إعفاء ابن كيران من منصب رئيس الحكومة بعد خمسة أشهر من “البلوكاج السياسي” والزلزال السياسي، أو خارجيا من خلال العودة إلى الاتحاد الافريقي وتنويع الشركاء الاقتصاديين والانفتاح على الصين وروسيا
العودة إلى الاتحاد الافريقي
أولى هذه القرارات كانت العودة إلى كنف الاتحاد الافريقي وافق قادة ليصبح العضو الخامس والخمسين بعد 32 سنة من انسحاب الرباط من الاتحاد.
وقال العاهل المغربي في خطاب ألقاه أمام المشاركين في أشغال القمة الثامنة والعشرين لقادة دول ورؤساء حكومات بلدان الاتحاد الافريقي التي احتضنتها العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.”كم هو جميل هذا اليوم، الذي أعود فيه إلى البيت، بعد طول غياب! كم هو جميل هذا اليوم، الذي أحمل فيه قلبي ومشاعري إلى المكان الذي أحبه ! فإفريقيا قارتي، وهي أيضا بيتي”.
وتابع الملك قائلا “لقد عدت أخيرا إلى بيتي. وكم أنا سعيد بلقائكم من جديد. لقد اشتقت إليكم جميعا”.
إعفاء ابن كيران وتعيين سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة
لم يستطع عبد الاله ابن كيران تشكيل الحكومة في أعقاب خمسة شهور من المشاورات مع باقي الأحزاب، وظل التراشق الكلامي سيد الموفق بين ابن كيران وباقي الأحزاب حول من المسؤول عن “البلوكاج الحكومي”، إلى أن قرر الملك محمد السادس إعفاء ابن كيران.
وقال بلاغ للديوان الملكي إن الملك “أخذ علما بأن المشاورات التي قام بها السيد رئيس الحكومة المعين، لمدة تجاوزت الخمسة أشهر، لم تسفر إلى حد اليوم عن تشكيل أغلبية حكومية، إضافة إلى انعدام مؤشرات توحي بقرب تشكيلها”، لذلك قرر “أن يعين كرئيس حكومة جديد، شخصية سياسية أخرى من حزب العدالة والتنمية”.
الزلزال السياسي
ستبقى عبارة “الزلزال السياسي” موشومة في الحياة السياسية المغربية، والتي جاءت في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان، إذ هناك من اعتبرها مؤشرا على حملة تطهير جديدة تمس عدة مؤسسات.
وقال الملك ” إننا لا نقوم بالنقد من أجل النقد، ثم نترك الأمور على حالها. وإنما نريد معالجة الأوضاع، وتصحيح الأخطاء، وتقويم الاختلالات”، مضيفا ” كما ندعو للتحلي بالموضوعية، وتسمية الأمور بمسمياتها، دون مجاملة أو تنميق، واعتماد حلول مبتكرة وشجاعة ، حتى وإن اقتضى الأمر الخروج عن الطرق المعتادة أو إحداث زلزال سياسي”.
الزلزال السياسي لم يتأخر كثيرا، فقد أعفى الملك وزراء من الحكومة الحالية ومسؤولين ،على خلفية تعثر مشروع « الحسيمة منارة المتوسط » .كما أبلغ الملك عدد من المسؤولين في الحكومة السابقة المعنيين كذلك بهذه الاختلالات، عدم رضاه عنهم، لإخلالهم بالثقة التي وضعها فيهم، ولعدم تحملهم لمسؤولياتهم، مؤكدا أنه لن يتم إسناد أي مهمة رسمية لهم مستقبلا.
لقاء العاهل المغربي برئيس جنوب إفريقيا ياكوب زوما
شكل استقبال العاهل المغربي محمد السادس رئيس جمهورية جنوب إفريقيا جاكوب زوما، على هامش القمة الافريقية الاوروبية التي انعقدت بالعاصمة الايفوارية أبيدجان، حدثا بارزا في تاريخ العلاقات التي طبعتها سنوات من الجفاء و »العداء الخفي ».
العلاقات المغربية الجنوب الإفريقية مرت من مراحل عصيبة، خاصة وأن بلد مانديلا ظل لسنوات يعادي الوحدة الترابية للملكة، وظل كذلك محسوبا على المحور المعادي للمغرب بالقارة السمراء..
تنويع الشراكة الاقتصادية والانفتاح على الصين الشعبية وروسيا الاتحادية
يسعى المغرب في الآونة الأخيرة إلى تنويع شركائه الاقتصاديين، وفي هذا الصدد عرفت العلاقات المغربية الروسية والمغربية الصينية توطيدا أكثر وفتحا لأفاق جديدة لتطوير سبل التعاون الاقتصادي.
وفي هذا الصدد قال محمد الغالي، أستاذ العلاقات السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش،” بخصوص القرارات المتخذة فئة المستوى الإفريقي والمستوى الدولي على مستوى تنمية وتطوير العلاقات بين المغرب وكل من الصين وروسيا تدخل في اطار الخطة الإستراتيجية للمملكة في الدفاع عن مصالحها الإستراتيجية وبالتالي الدفاع عن الأمن القومي”.
وتابع في تصريح خص به “فبراير” الرجوع إلى أفريقيا يضمن للمملكة التحكم في مخاطر الجوار وذلك على مستوى المخاطر المصدرة المتمثلة في الهجرة والإرهاب وكذلك عدم ترك فرصة الاستفراد بالنسبة المتربصين بالوحدة الترابية للمملكة وذلك من خلال هياكل الاتحاد الإفريقي ومختلف التكتلات الإفريقية ذات الاهتمام المشترك، على اعتبار أن القارة الإفريقية باتت اليوم تشكل رهانا استراتيجيا بالنسبة لمجموعة من القوى العظمى مما يستدعي ضرورة حسن التموقع في ظل مختلف التطورات التي يعرفها العالم”.
وسجل الغالي أن ” أن تنمية العلاقات مع كل من روسيا والصين يمكن من تنويع الشراكات المغربية وفي هذا التنوع رسالة قوية إلى الحليف التقليدي الاتحاد الأوربي، حتى يكون أكثر توازنها في علاقاته الاقتصادية والسياسية مع المملكة، من خلال منطق رابح رابح وليس استغلال العلاقات المغربية الأوروبية لخدمة مصالح دول أفريقيا تتعارض مصالحها الإستراتيجية في بعض المستويات مع المصالح الإستراتيجية للمملكة المغربية”.
وخلص أستاذ العلوم السياسية إلى أن” تحركات المملكة في التأسيس لجيل جديد من الشراكات يقوم على مبدأ رابح رابح يتماشى مع المتطلبات الضرورية في خدمة الأمن القومي الإستراتيجي المغربي”.
وبخصوص إعفاء الملك والزلزال السياسي الذي أطاح بعدد من الوزراء والمسؤولين، قال محمد زين الدين، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالبيضاء، “إعفاء رئيس الحكومة يندرج ضمن الاختصاصات المخولة دستوريا للملك طبقا لمقتضيات الفصل 47 من الدستور”.
وتابع في اتصال هاتفي مه “فبراير”، “وأتى الإعفاء بعد سلسلة من الإشارات التي بعثها الملك إلى الطبقة السياسية عموما ورئيس الحكومة السابق، لكن الممارسة كشفت عن محدودية في تعاطي هذه الطبقة مع رسائل الملك”.
وأضاف زين الدين قائلا “يمكن أن هذه الطبقة لم تع أن منطق العرض والطلب السياسي قد تغير في مغرب الآن، إذ يقوم هذا المنطق اليوم على إلحاحية كبيرة من قبل المواطنين، وضرورة تبني منهج الحكامة وهو الآمر الذي لم تستجب له الطبقة السياسية”.
عدم استجابة الطبقة السياسية لهذا المنطق عجل بإعفاء رئيس الحكومة في أول الأمر، بحسب نفس المتحدث، خصوصا بعد أحداث الريف، التي كشفت عن اختلالات خطيرة في تدبير الشأن العام سواء على المستوى المحلي أو الجهوي أو الوطني.
هذه الاختلالات أفضت إلى زلزال سياسي عبر ارتدادات متعددة مازالت مستمرة، ومن الممكن أن تمتد إلى المسؤولين المنتخبين نظرا لوجود العديد من المؤشرات، يقول أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية.
