الرئيسية / نبض المجتمع / "التنمر المدرسي" يسائل واقع القيم في المؤسسات التعليمية بالمغرب

"التنمر المدرسي" يسائل واقع القيم في المؤسسات التعليمية بالمغرب

نبض المجتمع
محمد غمري 24 أغسطس 2022 - 21:00
A+ / A-

يشكل فضاء المدرسة بمختلف مدارجها ومسالكها مجتمعا مصغرا يعكس طبيعة العلاقات التفاعلية التي تحدث بين الأفراد في الحياة الاجتماعية وفق أبعادها الماكروسوسيولوجية، إنها عبارة عن مؤسسة تلعب دورا محوريا في عملية التنشئة الاجتماعية وتكوين أجيال الشابات والشباب الذين سيحملون على عاتقهم مسؤولية الرقي بأحوالهم الفردية، وكذلك بمستوى التقدم المنشود لوضعهم الاجتماعي والاقتصادي، وتجسيد الفضائل المثلى للمواطن المتمتع بقيم الوطنية وحقوق الإنسان والديمقراطية.

ولا يخفى أن مرحلة المراهقة والتي تتزامن مع أطوار السلك التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي، تعرف في أحيان كثيرةٍ عديدَ التحديات والصعوبات، نظرا لما يطرأ على المراهقين من تغيرات عميقة في أجسادهم وشخصيتهم وطباعهم وأنماط سلوكهم، فضلا عن تكوين تمثلات جديدة حول ذواتهم ومحيطهم الأسري والاجتماعي.

وتتخذ العلاقة بين الجنسين في هذه المرحلة أبعادا جديدة، إذ يعاد التعرف على الجنس المخالف من منظور جديد مختلف كليا عن ذاك المعهود في مرحلة الطفولة المبكرة، منظور يتدخل فيه العامل الجنسي البيولوجي بشكل كبير، فضلا عن عوامل أخرى لا تقل أهمية من قبيل البناء الثقافي والاجتماعي لصورة الذكر في متخيل الأنثى وصورة الأنثى في متخيل الذكر، بناء يكرِّس هيمنة أحدهما على الآخر، ويفتح مجالات كثيرة لممارسة أشكال متعددة من العنف المادي والرمزي.

ولأن البناء الثقافي للمجتمع يكرس منطق الهيمنة من خلال إرساء نظام من القيم والتمثلات يجعل الذكر أعلى مرتبة وأفضل شأنا من الإناث، فإن هؤلاء يجدن أنفسهن في حالات كثيرة وفي الأوساط المدرسية – فضلا عن مختلف مجالات الفضاء العام – تحت أنماط معينة من التعنيف الرمزي، والذي من بين أبرز تجلياته ما بات يعرَف تحت مسمى “ظاهرة التنمر”…

ويمكن تحديد “التنمر المدرسي school Bullying” بأنه عبارة عن أشكال متعددة من السلوك العدواني الذي يتخذ طابعا تكراريا ويتمظهر عبر أدوات متعددة مثل التعنيف اللفظي والتوبيخ وإطلاق الألقاب الخادشة بالكرامة والتي تحط من اعتبار المراهقين إناثا وذكورا أمام ذواتهم وأمام أقرانهم من الزملاء والزميلات. إنه عبارة عن أفعال سلبية متعمدة من جانب تلميذ أو أكثر لإلحاق الأذى بتلميذ آخر أو تلميذة، وهو أيضا تفاعل عدواني غير متوازن يحدث بصورة روتينية ويومية في علاقات الأقران ببعضهم.

ويعرَّف “التنمر” في أبحاث علم النفس الاجتماعي بأنه حالة إسقاطية أو انعكاسية لنوع من اختلال النمو النفسي والإدراكي لدى المعتدي والمعتدى عليه، نتيجة غياب أو ضعف مصادر الثقة وتنمية قدرات ضبط النفس والتحكم في الانفعالات. وترجع أسبابه لدى المتنمِّر إلى عوامل بنيوية أهمها تفشي مظاهر العنف اللفظي والتطبيع معه على مستوى التنشئة الأسرية وانعدام قيم الاحترام وتقدير الآخر داخل الأسرة نفسها، فضلا عن حالات التهميش والتفكيك والهشاشة الاجتماعية التي يعيش في كنفها عديد الأبناء والبنات، حالات من قبيل التفكك الأسري والطلاق والفقر وانعدام الإحساس بالأمان والاستقرار… .

كما أن آثاره على مستوى المعتدى عليه وخيمة للغاية، ذلك أنه يتسبب في نسب معينة من الهدر المدرسي والفشل الدراسي وفقدان الرغبة والحماس في الالتحاق بالمحيط التعليمي نظرا لأنه الفضاء الذي تتم داخله هاته الأشكال من العنف النفسي والذي يصل إلى درجة الاكتئاب والانعزال عن العالم الخارجي وتراكم الكثير من الاضطرابات النفسية والسلوكية والتي تظل ملاحقة للتلميذ والتلميذة طيلة مسار حياتهما.

وعلى الرغم من أن نسبة العنف ضد النساء قد انخفضت بنسبة 6,3% ما بين سنة 2009 حيث بلغت 62,8%، وسنة 2019 حيث انخفضت إلى 56,5%، فإن المندوبية السامية للتخطيط في نشرتها لسنة 2021، واستنادا على البحث الوطني الثاني الذي أجرته في 2019 والذي تمحور حول التطورات الكبرى للعنف ضد النساء وتصورات المجتمع لهذه الظاهرة، قد كشفت أن 70,7% من الإناث التي تتراوح أعمارهم ما بين 15 و19 سنة قد تعرضن للعنف، وأن 25,3% منهن قد تعرضن للعنف في أماكن الدراسة والتكوين ومحيطها، كما أن 61,6 % من نفس الفئة قد تعرضن لأشكال متعددة من العنف النفسي بشكل خاص.

معطيات إحصائية كمية تؤكدها الملاحظة المباشرة لمختلف مكونات الفضاء العمومي، كما تؤكدها عديد المقابلات التي تم إجراؤها مع مجموعة من التلميذات اللائي ينتمين إلى أسلاك التعليم الإعدادي والثانوي.

التلميذة “ش.م” تنحدر من دوار أولاد بوخالفة وتقطن رفقة أسرتها بمدينة ميسور، يبلغ عمرها حوالى 16 ربيعا، تدرس في السنة الأولى من سلك الباكلوريا، تعاني من سمنة زائدة ومن بطء وتثاقل في الحركة: “ما تايدوزش شي نهار بلا نسمع شي كلمة خايبة على مظهري الخارجي، أغلب الدراري تايعاروني بطريقة مشينة، ووليت تانفضل نبقى بوحدي ومانهضر مع حد.. كانتمنى شي نهار مانبقاش نجي فيه لهاد المدرسة كاع باش مانسمع حد تايقول فحقي كلمات جارحة”.

التلميذة “م.ب” تدرس في السنة ثانية باكلوريا، مسلك العلوم الإنسانية، تحظى بتقدير عال بين أساتذتها، وتتفوق على الكثير من الفتيان في ألعاب القوى من حصص التربية البدنية، هي تنحدر من دوار كبدور، يتيمة الأب، وتتحمل الأم وحدها مسؤولية تربية الأبناء وتوفير الحاجيات، تتمنى التلميذة “م.ب” أن تنجح في مسارها الدراسي لتعين أمها في لقمة العيش، وتحقق حلمها كبطلة رياضية.

لكن طموحاتها تصطدم بعائق كونها أنثى في مجتمع ذكوري، حيث الكثير من زملائها يسخرون من بنائها الجسماني ومن قوتها البدنية ويجعلون ذلك مثارا لألقاب مستفزة يطلقونها عليها، لأنهم اعتادوا على تصور الأنثى رقيقة البنيان ضعيفته، واعتادوا على اعتبار القوة والبأس وصعوبة المراس من قيم الرجولة والفروسية التي يحظى بها الذكور فقط لا الإناث.

الحالات كثيرة ومنتشرة في مغرب الهامش كما في مغرب المركز، في المناطق القروية والمداشر، كما في المناطق الحضرية والمدن، وهو ما يستدعي مساءلة حقيقية لواقع القيم في محيط المؤسسات التعليمية، وفي مدى حصول الترابط والانسجام بين ما يتم تدريسه في المقررات والمناهج الدراسية وقاعات الأقسام من قيم إنسانية تدعو إلى تكريس الاحترام كقاعدة للتعامل بين الجنسين، والحرص على التشبع بالقيم الوطنية والأخلاقية والحقوقية، وبين ما تكرسه الممارسة الفعلية في صميم الحياة الاجتماعية من سلوكات ومظاهر تتعارض بدرجة كبيرة مع ما هو مأمول ومنشود.

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

حصاد فبراير

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة