إن ما قامت به فتيحة روتيني في منتهاه منتوج مجتمع بكل أعطابه، في الوقت الذي تغافلنا عن انتشار هذا النوع من المحتويات، بل شجعناه باسم التأثير وتوجيه الرآي العام، نأتي اليوم لنولول كونه ينشر الرداءة والميوعة.
يجب اطلاق سراح فتيحة روتيني، وبموازاة ذلك يجب اطلاق العنان لحرية التعبير، وللثتقيف ولمحاربة الأمية بشكل جدي، وللأحزاب لتلعب دورها الحقيقي وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وارجاع القطار إلى سكته الجادة والجدية التي زاغ عنها منذ سنوات…
لا أدري لماذا هذا الاستهجان الكبير ضد ما نشرته فتيحة روتيني، فعل التغوط العادي الذي نمارسه يوميا في منازلنا، لا يستدعي كل هذه الضجة… قد يقول قائل أن للأمر علاقة بنشر ذلك على العموم، وهو ما اعتبر فعلا خادشا للحياء، كما ذهبت النيابة العامة إلى ذلك… لكن لندقق في الأمر جيدا.. ألا نصادف مشردين وفقراء لا يملكون مراحض، ويتغوطون في الشارع العام وعلى مرأى ومسمع من المواطنين الذين يمرون بقربهم؟ ثم إن فتيحة روتيني اقترفت الفعل من وسط مرحاض دارها، وبثته في قناتها الخاصة، وهي غير ملزمة بميثاق نشر، لأن اليوتوب والفايسبوك لا يضعان قوانين صارمة لنشر المحتويات، وأخيرا لا أحد أجبر أحد على مشاهدة فتيحة روتيني وقناتها وغائطها… إن الأمر في منتهاه منتوج مجتمع بكل أعطابه، في الوقت الذي تغافلنا عن انتشار هذا النوع من المحتويات، بل شجعناه باسم التأثير وتوجيه الرآي العام، نأتي اليوم لنولول كونه ينشر الرداءة والميوعة…
إن نفس الاستهجان تابعناه في مواجهة دعاة محاربة التفاهة والشعبوية، ومنظري الفكر النقدي وهم يسلخون جلد مقدمي بعض المحتويات النظيفة، دون أن يقدموا بدائل ، وحتى وإن قدموها لا تصمد بالنظر إلى بنياتها التي تنخرها الحسابات والممارسات الشاذة والسلوكيات المنحلة الغارقة في الجريمة…
لا يجب أن تكون فتيحة روتيني اليومي متهمة اليوم، هي ضحية نظام تتظافر فيه كل المآسي المجتمعية: فقر وأمية وغياب وعي وانعدام حرية سياسية وانحسار المد الثقافي برافديه اليساري والعلماني وشيوع قيم التربح السريع وانعدام قيمة العمل وتدهور الأخلاق وانحطاط القيم… فتيحة روتيني كانت تعيش الفقر، ووجدت في عالم السوشيل ميديا منقذا لها من وضعيتها المزرية، وهي فهمت اللعبة كما أرادوا لها أن تفهمها: منصة تقتات على البوز واللايكات والمشاهدات، وشعب مفتون بالفضائح والشوهة، زاوجت فتيحة بين هذين المتغيرين، فأعطت النتيجة ما نراه يوميا وما نتابعه يوميا وما تستهجنه يوميا، ولكن ما نبحث عنه ونوزعه ونستنكره لكننا نوزعه آيضا وهكذا ذواليك…
اعتقال فتيحة روتيني لا يختلف عن عملية الخراء المبثوثة على الهواء مباشرة، فتيحة فعلتها لتجني منها مالا يعوزها، والدولة فعلتها لانتاج ملهاة أخرى، ملهاة عن المشاكل الحقيقية والبنيوية التي يعيشها البلد… كل التضامن سيدتي فتيحة، وطلقي La chasse.
