في أحلك الظروف وفي عز الأزمات يظهر عادة المعدن الأصلي للفرد والمجتمعات على حد سواء، يتجلى خلالها نقيضان اثنان، انبثاق الخير أو سواد الشر، ويتم عبرها فرز الطالح من الصالح والفاسد من المصلح.
يعيش المغرب ومنذ مساء يوم الجمعة المنصرم حالة استثنائية هي الأولى من نوعها منذ استقلال الدولة المغربية وبناء الدولة المدنية الحديثة، بفعل زلزال هو الأعنف خلال 100 عام كان مركزه إقليم الحوز وأثر على سكان وأقاليم الحوز وتارودانت ومراكش وشيشاوة وغيرها وشعر به أكثر من نصف المغاربة.
وفي خانة التعريفات لا يمكن إلا أن يعرف هذا الزلزال الكبير وتوابعه على أنها أزمة تضرب المغرب من شماله لجنوبه، تختلف درجات التأثر من منطقة لأخرى، وتختلف كذلك درجات رد الفعل بين من يحاول مد العون بشتى الطرق للمتضررين والمنكوبين وبين من يسمون بتجار الأزمات وناهبي الضحايا.
ومنذ اللحظة الأولى التي علم فيها المغاربة بوقوع زلزال وتمركزه في أقاليم وسط المملكة، التفوا حول شبكات الأخبار والمواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي، لمعرفة ما يحدث وما هي المدن والجماعات التي كانت أكبر ضحية لهذا الزلزال غير المسبوق.
وبعد ليلة من التتبع المضني لصور الدور المخربة في مراكش وضواحيها وإصدار وزارة الداخلية الحصيلة الأولى لأعداد الوفيات والجرحى والتي خلفت صدمة للجميع لهولها، وإثر الدعوات المتكررة لمسؤولي قطاع الصحة في مراكش للتبرع بالدم، قام المغاربة بشتى أطيافهم، صباح اليوم التالي، بإنشاء طوابير أمام مراكز تحاقن الدم في جل مدن وحواضر المملكة استمرت طول اليوم واليوم الذي يليه، الأمر الذي ساعد مهنيي الصحة حسب تصريحات مسؤولين في الوزارة الوصية في تخزين مخزون دم يكفي الجرحى لمدة أسبوع كامل.
وفي اليوم التالي للزلزال ومع تكشف حجم الدمار الذي لحق ببلدات وجماعات ودواوير في أقاليم الحوز وتارودانت وشيشاوة بالخصوص، وبفعل مناشدات قادمة من الدواوير المنكوبة، هب المغاربة مرة أخرى وأظهروا معدنهم الأصيل، عبر تنظيم قوافل عظمى لا تزال مستمرة حتى الآن ولن تنقطع طول عمر الأزمة، تحوي جل المواد الأساسية من أطعمة وأشربة ومواد صحية وأخرى مخصصة للأطفال.
وانطلقت القوافل واحدة تلو الأخرى ساعات فقط من حدوث الزلزال، كان من اللافت فيها، وصول سيارات ملأى بالمواد الأساسية قادمة من مدينة الحسيمة ونواحيها الواقعة أقصى شمال المملكة المغربية، وتبعتها أخرى من الرباط وطنجة والدار البيضاء فضلا عن مراكش وأكادير.
كما عجت منصات التواصل الاجتماعي من وقت ضرب الزلزال، بدعوات التضامن اللامشروط مع ضحاياه، سواء بطريقة عينية أو مادية أو عبر الدعوة للتطوع لمساعدة المتضررين، حيث لوحظ وصول أعداد غفيرة من المواطنين لأقاليم الزلزال حاملين معهم مساعدات مستعجلة ومستعدين للانخراط في عمليات الانقاذ.
من جانب آخر، وعكس الهبة الإنسانية التي أبان عليها المغاربة بعد الزلزال، أبت مؤسسات وعدد من القطاعات وكذا أفراد، إلا أن يظهروا عدم انسجامهم مع التضامن الاجتماعي الحاصل في كافة ربوع المملكة.
وظهرت أولى هذه المظاهر السلبية، في محطة مدينة إنزكان لسيارات الأجرة، والتي امتنع عدد من أصحابها إيصال ذوي الضحايا لرؤية عائلاتهم والاطمئنان عليهم، ليلة وصباح الزلزال، إلا عبر مضاعفة أسعار الرحلات واستغلال تهافت الأشخاص لزيارة قراهم بعد سماعهم بتأثرها بالضربة الزلزالية.
وفي ذات السياق، كانت تبريرات أصحاب سيارات الأجرة تصب مجملها في إرجاعها لارتفاع أثمنة المحروقات، هذه الأخيرة استمرت مؤسساتها في أن تكون على غير مستوى الحدث، حيث لم تقم بخفض أسعارها التي ارتفعت خلال الأشهر الأخيرة وساهمت في عودة ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية.
ورغم تنظيم المغاربة لقوافل عدة وتسييرها لمناطق الزلزال، لم تقم شركات المحروقات بمراعاة الحدث المأساوي ولم تراوح أسعار منتجاتها مكانها، بل إن خبراء الطاقة أفادوا بأن أسعارها سترتفع مرة أخرى خلال أسابيع.
الشركة الوطنية للطرق السيارة “ADM”، لم تكن هي الأخرى على مستوى “الوطنية” ولا الواقعة غير المسبوقة، حيث لقيت انتقادات واسعة على منصات التواصل الاجتماعي لعدم توفير طرقها مجانا أو بأثمنة رمزية لقوافل المساعدات المتوجهة نحو الأقاليم المتضررة بالزلزال، إذ خلقت الشركة تعطيلا كبيرا ومشاكل جمة عند نقاط دفع الرسوم، بسبب عدد المركبات الكبير المتوجهة لوسط المملكة.
بدورها عرّضت المؤسسات المالية والبنكية نفسها لانتقادات كبيرة من عموم المغاربة الذين اتفقوا عبر منشورات في منصات التواصل، على “قبح” و”انعدام الوطنية” لدى عدد من الأبناك التي تقتطع من المواطنين لدى إرسالهم معونات مادية إلى الحساب البنكي الذي نشره بنك المغرب والمخصص لإعانة منكوبي زلزال الحوز.
