الرئيسية / ثقافة و فن / طه عبد الرحمان يشبه "طوفان الأقصى" بـ"معركة الأحزاب" ضد اليهود

طه عبد الرحمان يشبه "طوفان الأقصى" بـ"معركة الأحزاب" ضد اليهود

طه عبد الرحمن
ثقافة و فن
فبراير.كوم 13 نوفمبر 2023 - 15:30
A+ / A-

يرى الدكتورطه عبد الرحمان أن طوفان الأقصى استئناف جديد للحضارة، وانبعاث جديد للأمة، وميلاد جديد للإنسان، من خلال قيم جديدة يكتشف فيها المرء ذاته فيغوص إلى أعماقها، ليتصل ظاهره بباطنه، وعاجله بآجله، ومفاهيم جديدة يتلمس فيها حريته في ظل شيوع قيم التعبيد للإرادة الإسرائيلية، وشروط جديدة يستعيد فيها فطرته في واقع شاعت فيه قيم الضلال.

ويضيف المفكر المغربي طه عبد الرحمان في حوار منشور على موقع مركز الحضارة للدراسات والأبحاث: تكتب المقاومة الفلسطينية اليوم تاريخ الأمة، وتقود الإنسانية نحو النور بما ينفتح بصنيعها من عقول، وما يقع وسيقع جراء فعلها المبهر من مراجعات ذاتية: فردية وجماعية، وهي بحقٍ استئنافٌ راشدٌ للعطاء المتواصل، وتوريثٌ إبداعيٌّ للطاقة المتجددة في مسارات التاريخ الإسلامي والإنساني.

وهي، يضيف “فيلسوف الأخلاق”، – وإن كانت قليلة العديد- إلا أنها عظيمة الأمانة، وشريفة الإرادة، لأنها تعيد تأسيس القيم على الصفات الإلهية، وتعيد تأسيس الإسلام على الصبغة المقدسية، وتعيد تأسيس الروح على القرب الإلهي، وإن بقاء الأمة اليوم وفي الغد مرهون ببقاء المقاومة، وهزيمتها لا قدر الله إيذان بفناء الأمة.

نص الحوار الذي أعده وأنجزه الباحث الفلسطيني محمود النفار في زيارة للمفكر المغربي

طوفان الأقصى أفق لقراءة غزوة الأحزاب:

يُشَبِّه المفكر طه عبد الرحمان طوفان الأقصى بمعركة الأحزاب التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وواجهوا فيها جيوش المشركين واليهود الذين أحاطوا بالمدينة من الخارج، والمنافقين ومرضى القلوب الذين بثوا فيها الأراجيف من الداخل، حتى بلغت القلوبُ الحناجرَ.

يقول طه عبد الرحمان: لقد رأيت هذه المعركة من خلال ما قام به هؤلاء المجاهدون من حسن الاستعداد والتخطيط، وابتكار وسائل الهجوم والدفاع على الرغم من قلة الإمكانيات وعظيم التحديات.

“واحد لا ثاني له في هذا الزمان” ..المقاوم الفلسطيني في مخيال الفيلسوف:

يرى المفكر المغربي أن المقاومة هي الفعل الذي يسهم في بناء الحضارة الإسلامية وتشييد الحضارات الإنسانية.

ويضيف: إن الطريقة التي يمكن لأمتنا اليوم أن تسهم بها في البناء الحضاري والتجديد الإنساني هي “الجهاد”، وليس أي سبيل آخر، وحتى يرى هذا الإسهام النور لا بد أن تتحمل مسؤوليته فئة من الأمة.

وبحسب الفيلسوف، فإن المقاوم الفلسطيني اليقظ قد انتهض لحمل هذه الأمانة ببراعة، وتحمل هذه المسؤولية بإحسان، فحملها خير حمل، وقام بها خير قيام، بل إنه واحد لا ثاني له في هذا الزمان.

“لم أُسبَق إلى هذا المعنى” .. المقاومة فعل كياني لا سياسي:

المقاومة في منظور الفيلسوف ليست فعلاً جزئياً، بل هي فعل كلي، ويضيف: نظرت إلى المقاومة من ناحية كيانية، وأعني أنه لا معنى للوجود بدون مقاومة، ولا مغزى من الحياة بلا جهاد؛ لأن الوجود والحياة إنما يكتسب من فعل المقاومة نفسه.

والفعل المقاوم يستفزّ ويستجمع كل القدرات الإنسانية: السمع والبصر والعقل، وجميع حواس الإنسان، فلا يتفرد عضوٌ محدَّدٌ ولا إدراكٌ معينٌ بالمقاومة. والجهاد ليس عملاً تقف أو تستبد به مَلكة من الملكات، بل هو استعداد يتوسل بجميع الملكات، وبها يتشكل الإنسان على الحقيقة.

والمقاومة والجهاد بهذا المعنى هي إكسير الحياة الذي وهبه الله للمقاومين، وبدونه لا يكون ثم إلا الموت والفناء كما قال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال: 24]، كما أنها الخصيصة التي يمتاز فيه المقاومون الذين فارقوا مسوغات العجز ودواعي القعود وبواعث السلبية عن سائر المخلوقين من غيرهم ممن رضوا بالخيانة واعتادوا الخذلان، فكانوا أشبه بالأموات منهم بالأحياء، ويصدق في هذه الثلة المجاهدة قول الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } [الأنعام: 122].

ويرى الفيلسوف المغربي أنه لم يُسبَقْ إلى هذا المعنى الكلي في تفسير المقاومة، بوصفها فعلاً كيانياً ينهض بوجود الإنسان ذاته.

“لقد هُزِم العقل الصهيوني” .. تحقق حلم الفيلسوف:

قال طه عبد الرحمان إنّ وعيه وهمه السياسي بدأ مع هزيمة 1967م، وحينها كان طالباً في الجامعة يميل نحو كتابة الشعر، فأحدثت هذه الحربُ في نفسه زلزالاً شديداً، فاستولى عليه سؤال مصيري مفاده: ما هو هذا العقل الذي استطاع أن يهزِمَ العربَ جميعاً؟ وكيف لأمة كثيرة العدد راسخة التاريخ أن تُهزم؟ ولطالما ساوره هذا السؤال وهذه الأمنية: متى يكون لنا عقلٌ يهزمُ العقلَ الصهيونيَّ؟

يضيف: لقد حملت هذه الأسئلة، والتي هي أسئلة الزمان وأسئلة الأمة، كهُمُوم شخصية ورهانات معرفية، ووجهت دراستي نحو المنطق والفكر كي أتبين الآليات العقلية التي تحقَّقَ بها الانتصارُ الصهيوني، وأوجهَ الخللِ والقصور التي وقعت بسببها الهزيمةُ العربية، ولم يزل صدى هذه الأسئلة يتضخم في نفسي مع مرور الأيام حتى رأيت المقاتلَ الفلسطينيَّ يبدعُ هذا الطوفان، فرأيت بأم عيني كيف انهزم العقل الصهيوني، فشعرت لأول مرة بشفاء الصدر، وحصلت على إجابات تلك الأسئلة التي رابطتُ على ثغري المعرفي من أجل العثور عليها.

إنني أعتقد أنّ أعظم مظهر للعقل العربي والإسلامي في العصر الحديث هو ما تجسد في طوفان الأقصى، حيث تجلت لهذا المقاوم إمكانيات العقل الإسلامي فاكتشف سعته وقوته، وتجلت أمامه إمكانيات العقل الصهيوني فاكتشف محدوديته وهشاشته، فتحمل المسؤولية العملية تجاه هذه الحقائق، فتحققت معه هذه المنجزات الفارقة، وهذا هو معنى الاصطفاء من الله تعالى.

عقل المقاوم هو العقل المؤيَّد:

يقسم طه عبد الرحمان العقول إلى ثلاثة: عقل مجرد تعوقه الحدود، وعقل مسدد تدخله الآفات، وعقل مؤيد يسبح في الكمالات.

ويرى الفيلسوف أن السر وراء هذا النجاح الذي تحقق يوم السابع من أكتوبر هو العقل المؤيد من الله.

ويضيف: هذا العقل مملوء إيماناً خالصاً، يتجاوز كل حدود المادة والأغراض، ويسمو كالملك لا تبقى معه معصية “نور على نور”.

لقد كان هؤلاء المقاتلون ولا زالوا أنواراً تشعّ في الإنسانية كلها بالقيم التي فقدها الإنسان المعاصر، يكتشف فيها فطرته يوم أن أشهده الله على ربوبيته، لتتجلى له في أجلى مظهرها وأبهى صورها.

إن هؤلاء المقاتلين ملكوتيون، فهِمَّتهم لا حدود لها زماناً ولا مكاناً، معلقة بالعرش، وهم تحت الظل الإلهي، يجتمعون على الله ويفترقون عليه، وتقاتل الملائكة معهم.

وما حققوه في ثلاث ساعات برهان على أنهم مثال العقل المؤيد الذي لطالما تحدثت عنه في كتبي ومحاضراتي، فطوبى لهم ..

وهذا برهان جلي وحقيقة ساطعة أن الله تعالى أراد أن يورثهم هذه الأفضلية الإلهية، والخصوصية الربانية، لتكون آيةً لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، إذ إن المهم هو الاعتبار بهذا الحدث، فهو آية قبل أن يكون حكاية.

“ليتني كنت شاباً فأقاتل معهم!” .. أمنية الفيلسوف في معركة الطوفان “
في لحظة نورانية في هذا اللقاء النوراني باح لنا أستاذنا بمشاعره وأمنيته في هذه المعركة، فقال: ليتني كنت شاباً أقاتل معهم، هذا هو الزمان الذي يستحق الحياة، وهذه هي اللحظات التي ينبغي أن تغتنم، لحظات قرب من الحياة لا يتمنى الإنسان حياة إلا سواها، يتجلى للمقاتل فيها الخطاب الإلهي، يسمعه فيها كمخاطب لا كقارئ لبلاغ، وفي هذه اللحظات إذا دعا استجاب له، وإذا استغفر غفر له، تلازمه أمداد الله ولا تفارقه كما قال تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران: 160]، وكما قال: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ } [البقرة: 249]. هذه هي اللحظة التي كنت أتمناها لحظة من حياتي في هذه المعركة، لكنها كانت من نصيب هذه الطائفة المختارة.

“كنت محمولاً على هذا الكتاب ” .. الباعث على تصنيف كتاب “ثغور المرابطة” ..
“لطالما شعرت بأنّ هناك واجباً علي لا بد لي أن أقوم به، وإلا تكون حياتي قد فقدت معناها، وأكون قد عصيت الله عصياناً ما عصيته إياه من قبل، إنني محمول على هذا الكتاب، وقد أهديته إلى دار النشر دون أي حق لي، ولا أجر”.

بهذه الكلمات خص طه عبد الرحمن حكاية تأليف كتاب “ثغور المرابطة”، والباعث على تصنيفه، وهو سبب لم يذكره في مقدمة كتابه المذكور.

وفيه تتجلى أبعاد المسؤولية الفردية والمعرفية والثقافية والفكرية والفلسفية التي عملت في نفس الفليلسوف بوصفها مسؤولية ومهمة وواجبًا لا يمكن التخلف عنه، وإلا تفقد تلك المفردات دلالاتها وصدقيتها.

الخذلان والتطبيع .. خيانة الأمانة وخيانة الثقافة :

بثّ لنا أستاذنا طه عبد الرحمن حزنه الشديد وألمه العميق إزاء التخاذل الحاصل من الأمة عامة ومثقفيها خاصة .

ومما قاله: إن تخاذل الأمة يدمي القلب، خاصة تخاذل المثقفين، وأنا أعتبر أن عدداً كبيراً من المثقفين قد خانوا الأمانة وخانوا الثقافة.

وإنه لولا التطبيع ما أقدمت دولة الاحتلال على ما أقدمت عليه، ولو أن الدول المطبعة اتخذت موقفاً لتوقفت تلك الهجمات الإجرامية.

وبخصوص الواجب المطلوب يرى الفيلسوف أن الواجب في حق الأجيال الجديدة هو أضعاف الواجب الملقى على عاتق الأجيال السابقة.

والسبب وراء ذلك أن ما كان يقال في العام 1967م هو أن اليهود عادوا إلى وطنهم، أما شباب اليوم فلم يعيشوا لحظات الهزيمة تلك التي كان السائدُ فيها التَّزمتَ والتَّعصبَ لدولة الاحتلال، إنما يحملون تصورات جديدة مصحوبة باستعدادات مختلفة.

والفيلسوف إذ يفرد شباب الأمة بالخطاب فلثقته بأنهم سر الحياة في كل مجتمع وأمة، وأنهم وحدهم القادرون على إخراج الأمم من ظلماتها إلى أنوار الوعي الإصلاحي، وأضرُبِ الحياة الناهضة.

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

حصاد فبراير

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة