هنا غرب المغرب، لا جديد يذكر ولا قديم يعاد غير صعود النادي القنيطري للبطولة الاحترافية للدرجة الثانية، لا جديد يلوح في الأفق غير تطاول البنايات، والامتداد العمراني وجداريات حلالة بويز الممتدة من القنيطرة عاصمة الغرب إلى الشراردة بني حساين على الحدود مع الجهة الشمالية للمملكة، هنا حيث توقفت عجلة التنمية واستفحل الفقر، ووجدت الجريمة بكل أنواعها ارضا خصبة لتنامي دون حسيب أو رقيب، منتظرين بذلك حدثا مأساويا، لتعود عدسات الإعلام قصد تسليط ضوئها على هذه المنطقة المهمشة من كل الجوانب والنواحي.
الغريب في الأمر أن هذه المنطقة التي تقدر مساحتها بحوالي 7900 كلو متر مربع حسب التقسيم الإداري الجديد للمملكة، والتي يقطنها ما يزيد عن مليوني مواطن ومواطنة، أغلبهم ينحدرون من العالم القروي، لم تستفد البثة من الثروات الطبيعية التي تتمتع بها، سواء الثروة السمكية المتوفرة على طول الساحل الأطلسي أو المساحة السقوية التي تبلغ 600 ألف هكتار والتي تمكن من انتاج محاصيل زراعية متنوعة وبمردودية عالية، هذا دون أن ننسى ما يمكن أن توفره المنطقة من فرص للسياحة الأيكولوجية.
ففي الأيام الثلاث الماضية، برزت للسطح قضية الخمور والمشروبات الكحولية المسمومة، والنتيجة عشرات الوافيات والعاهات المستديمة، وإحصائيات غير رسمية بخصوص المقعدين على فراش المرض، الكل يعلم أين؟ لكن لا أحد يود تقديم إجابات واقعية عن كيف تم ذلك ومتى؟ ومن يجب أن يتحمل مسؤولياته السياسية والأخلاقية؟ من تسبب في تفقير “غرباوة” ومن حول المنطقة إلى ملاذ أمن للمبحوث عنهم وتجار المخدرات وممتهني الإتجار في البشر والهجرة الغير الشرعية.
هي حادثة مروعة هزت المجتمع المحلي بالغرب، فقدت هذه الأم المكلومة ابنها الصغير بعد شربه لما يعرف “بالماحيا“، حيث انتشرت حالة من الحزن في منطقة الغرب إثر هذه الحادثة المأساوية التي هزت الرأي العام الوطني، حيث يأمل المواطنون التي التقطتهم عدسة فبراير إلى ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث المميتة في المستقبل.
وتعود تفاصيل الواقعة إلى يوم السبت الماضي، حين كان الشاب خارج منزله برفقة ابن خالته.
تحكي والدة الضحية تفاصيل اللحظات المروعة، قائلة: “عندما تفقدت غياب ابني وعدم اتصاله بي لمدة يومين بحكم هجرتي للديار الإسبانية أخبرت عائلتي هنا للتفقد أمره وتسرعت لإغاثته، لكن للأسف وجدوه فاقداً للوعي مفارقا الحياة “، ليتم نقله إلى المستشفى حيث تبين أنه تناول احد انواع الخمور التقليدية التي تعرف ب”ماحيا”.
وقالت الأم في تصريحها لميكرو فبراير “قلبي مُنكسر لفقدان ابني البريء، الذي كان بمثابة الضوء في هذه الحياة”.
وخلال مشهد سريالي يجسد مأساة إنسانية مروعة، ظلت خالة الضحية يوسف تبحث عن مصيره بعد اختفائه عن الانظار لأيام قليلة في ظروف غامضة، حيث تحدثت الخالة عن آخر مرة رأت فيها ابن أختها يوسف، قائلة: “في يوم السبت، كان يوسف يعمل وعند انتهاء عمله لم يعد إلى المنزل. انتظرناه حتى اليوم التالي لكنه لم يأت.”
أضافت الخالة أنها تواصلت مع أم يوسف العاملة خارج المغرب، والتي أكدت أنها لم تسمع أي أخبار عنه، لتبدأ العائلة تشك في تعرضه لمكروه بعد انقطاع أخباره تماماً.
وتابعت الخالة روايتها: “في يوم الاثنين، ذهبت خاته إلى منزل ابن خالته فوجدته مغلقا، لتطلب من الجيران فتح الباب باستعمال القوة، فوجدوا بعض العلامات التي تشير إلى تناوله شيئاً سامًا.
حينها حسب المتحدثة وجدوا يوسف مغمى عليه ملقى على الأرض، ليتأكدو أنه أحد ضحايا الكحول المسمومة المنتشرة في المنطقة.”
يذكر أن تحليلات الخمور أظهرت المادة الفاسدة التي تسببت في وفاة العديد من الأشخاص و تسمم العشرات (وفق حصيلة مؤقتة) في سيدي علال التازي، وجود نسب مرتفعة من مادة “الميثانول” في هذه المشروبات المصنوعة بطريقة تقليدية والتي تعرف عند العموم ب”الماحية” أو “ماء الحياة”، فالميثانول أو الكحول الميثيلي مركب هيدروكربوني يتألف من الكربون والهيدروجين والأكسجين وينتمي إلى صنف الكحوليات، وهو مادة هيدروكربونية خطيرة جداً، استخدمها قدماء المصريين في تحنيط الموتى، و يتم استخدامها كذلك في منع تآكل المعادن و في صناعة مبيدات الحشرات.
ويرجع الأثر السام للميثانول إلى تحوله في جسم الإنسان إلى فورمالدهيد وحمض فورميك بواسطة إنزيم نازع هيدروجين الكحول بالكبد ، ما يؤدي على ظهور أعراض وعلامات التسمم بجسم الانسان، وأهم نتائجه اتلاف العديد من خلايا الجسم وبخاصة شبكية العين والعصيات البصرية بالإضافة إلى حدوث الحماض بسبب تكون حمض الفورميك، وعلى ذلك فأعراض التسمم بالميثانول تبدأ في الظهور بعد فترة تتراوح بين 12 و 14 ساعة من تعاطيه على شكل صداع ودوار وغثيان وقيء وآلام شديدة بالبطن والظهر والفشل التنفسي، ومن العلامات الثابتة للتسمم بالميثانول الاضطراب البصري.
.
