في صباح يوم حزين من فبراير 2025، أسدل الموت ستاره على مسيرة الصحافي المغربي أيوب الريمي، الذي رحل في العاصمة البريطانية لندن بعد صراع مرير مع المرض.
لم يكن خبر وفاته مجرد فقدان شخص في الوسط الإعلامي، بل كان رحيلًا مبكرًا لصوت شاب حمل قضايا مجتمعه بكل شغف، وكرّس حياته لنقل الخبر وتحليل الوقائع وإثارة النقاش حول قضايا مصيرية، بأسلوب هادئ وطرح رصين.
وُلد أيوب الريمي عام 1990 بمدينة القنيطرة، ونشأ في بيئة حملته إلى عالم الصحافة حيث تميز بشغفه المبكر بالكلمة والإعلام. اختار أن يدرس الصحافة في المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، حيث تخرج سنة 2013 بتخصص الصحافة السمعية البصرية.
لم يكن مجرد طالب في المهنة، بل كان شابًا طموحًا يسعى لتطوير مهاراته واكتساب تجربة أعمق، وهو ما دفعه إلى التنقل بين عدة مؤسسات إعلامية مغربية ودولية، تاركًا بصمة في كل تجربة خاضها.
عمل الريمي في عدد من المنابر المرموقة، من بينها هسبريس واليوم 24، قبل أن ينتقل إلى قناة الغد ثم يستقر كمراسل للجزيرة نت من لندن. هناك، واصل تقديم تحليلاته العميقة للأحداث، كما أطلق برنامجه الخاص “بودكاست هنا لندن” الذي ناقش من خلاله مواضيع سياسية واجتماعية بأسلوب تحليلي، يبتعد عن الإثارة ويقترب من جوهر القضايا، وهو ما جعله محل متابعة من جمهور واسع.
لم يكن أيوب مجرد ناقل للأخبار، بل كان مؤمنًا بأن الصحافة مسؤولية، وبأن الإعلامي عليه أن يكون صوتًا لمجتمعه، باحثًا عن الحقيقة في زوايا قد يغفل عنها كثيرون، عرف بين زملائه بحسّه المهني العالي، وبتواضعه الكبير، وبشغفه اللامحدود بالمهنة، فلم يكن يتعامل مع الصحافة كوظيفة، بل كرسالة يحملها معه أينما حل وارتحل.
ورغم الغربة التي أبعدته عن وطنه، ظل قلبه نابضًا بقضاياه، منشغلًا بمستجداته، حاضرًا فيه أكثر مما كان حاضرًا بجسده في لندن.
في أيامه الأخيرة، قاوم المرض كما قاوم التحديات التي واجهته طيلة مشواره المهني. ظل متابعًا لما يجري حوله، متحاورًا مع أصدقائه، محتفظًا بذات الروح الوثابة التي جعلته واحدًا من أكثر الصحافيين المغاربة نشاطًا وتأثيرًا. لم يكن المرض عائقًا أمامه، بل ظل يواجهه بصبر وكبرياء، رافضًا الاستسلام رغم قساوة المعركة.
رحل أيوب تاركًا وراءه أسرة صغيرة لم يمهله القدر ليواصل تفاصيلها اليومية، لكنه ترك أيضًا إرثًا إعلاميًا يذكره به زملاؤه وجمهوره. بقيت كلماته في مقالاته وتحليلاته، وصوته في تسجيلاته، وأثره في كل من عرفه وتعامل معه. لم يكن أيوب مجرد اسم في قائمة الصحافيين، بل كان روحًا صحافية متقدة، جمعت بين الالتزام المهني والرؤية العميقة والطرح الهادئ.
وفاته لم تكن مجرد خبر عابر في المشهد الإعلامي، بل كانت لحظة توقف عندها كثيرون، متذكرين مسيرته القصيرة في عمرها الطويلة في أثرها. فكما عاش بشغف، رحل بصمت، تاركًا وراءه أسئلة كثيرة عن العدالة الزمنية، وعن القسوة التي تداهم الأحلام في أوجها، وعن الصحافيين الذين يعيشون حياتهم بين نقل الأخبار، دون أن يتوقعوا يومًا أن يصبحوا هم الخبر نفسه.