الرئيسية / نبض المجتمع / العدالة على المحك: قصة سلمى تفتح النقاش حول القضاء، المؤثرين، وشرع اليد

العدالة على المحك: قصة سلمى تفتح النقاش حول القضاء، المؤثرين، وشرع اليد

نبض المجتمع
راوية الذهبي 08 أبريل 2025 - 23:00
A+ / A-

لم تعد القضايا الكبرى اليوم تُفصل داخل أروقة المحاكم وحدها، ولم تعد المؤسسات، بما فيها القضاء، تحتكر سلطة الحسم في ما هو عادل وما هو منصف.

لقد تحوّل الفضاء الرقمي إلى محكمة موازية، يُصاغ فيها الرأي العام، وتُقلب فيها الأحكام، ويُعاد فيها تعريف الجريمة والجزاء، ومن داخل هذا الواقع، انفجرت قضية الطفلة سلمى، لتكشف تصدعات خطيرة في العلاقة بين المواطن والدولة، وبين القانون والإحساس بالعدالة.

انطلقت القصة من واقعة عنف داخل مؤسسة تعليمية، لكن سرعان ما اتسعت رقعتها لتصبح مادة لصراع متعدد المستويات: قانوني، أخلاقي، رقمي، واجتماعي، يافعة وجهها مثقل بـ 56 غرزة، ضحية اعتداء موثق، وجانية مؤثرة رقمية، حظيت بحكم لم يقنع الرأي العام. شهران من السجن النافذ، كانا كافيين قانونًا، لكن بعيدين عن إرضاء حسّ العدالة الجماعية الذي تشكّل عبر منصات التواصل.

ما صبّ الزيت على نار الغضب الرقمي هو ظهور الجانية بعد انقضاء العقوبة، لا في هيئة معتذرة أو نادمة، بل في بث مباشر متهكم، تسخر فيه من جراح الضحية، وتتوعدها بعبارات فجة، مستعرضة نفوذها الرمزي في الفضاء الرقمي. ففي لحظة، تحوّلت الواقعة من قضية جنحية عادية إلى اختبار سياسي واجتماعي لمدى قدرة الدولة على فرض احترام العدالة، في ظل صعود أصوات لا تحاكمها القوانين بقدر ما يطوّبها الجمهور.

في هذا السياق، يتقاطع التحليل القانوني مع التفسير السوسيولوجي. الدكتور عادل يعقوبي الباحث في العلوم القانونية يرى أن الأزمة لا تتعلق بالحكم وحده، بل بغياب الشعور بأن العدالة تحققت فعلاً، فالمواطن حسب الحين لا يجد في المؤسسات ما يُطمئنه، يعود إلى أدوات بدائية في استرجاع حقه، من قبيل التشهير، أو التحريض، أو حتى التهديد.

فالخلل الأكبر، كما يوضح يعقوبي، يكمن في التواطؤ غير المعلن بين منطق الشهرة ومنطق العقاب. فالمؤثرة، بفضل جمهورها، لا تنفذ العقوبة فحسب، بل تتجاوزها بثقة. أما الضحية، فتبقى معلّقة في مشهد مليء بالمفارقات: حكم قانوني انتهى، واعتداء نفسي متواصل، وندبة لا تلتئم.

من زاوية سوسيولوجية، يوضح الباحث أيوب الإدريسي أن الرأي العام لم يعد يُصاغ من خلال المؤسسات التقليدية، بل يُنتج لحظيًا على فيسبوك وتيك توك وإنستغرام. وقد نشأت في هذا السياق ما يسميه بـ”العدالة العاطفية”، حيث يغدو التعاطف أساسًا للمطالبة بالعقاب، حتى وإن تعارض مع مبادئ المحاكمة العادلة. في هذا النموذج، تذوب الحدود بين الانتصار للضحية والتحريض ضد المتهم، بين المطالبة بالعدل وتغذية خطاب الكراهية.

أما الباحث في علم الإجرام فؤاد خمار، فيحذر من الانزلاق الأخطر: حين تصبح العدالة شعورًا فرديًا يُمارس خارج المؤسسات، وتُستبدل سلطة القانون بسلطة المؤثر، ويُغتال معنى “المنظومة” لصالح منطق الغضب والانتقام. فحين يشعر المعتدي أنه يمارس “واجبًا أخلاقيًا” في تهديد الضحية، ويشعر المتضامنون بأن تحريضهم هو “عدالة بديلة”، نكون أمام لحظة خطيرة تُهدد الاستقرار الأخلاقي والاجتماعي.

قضية سلمى لا تُلخّص في حكمٍ أو في مشهد اعتداء، بل في اختلال بنيوي يطال العلاقة بين المجتمع والقانون. إنها اختبار للدولة، وللمؤسسات، وللنخب، حول جدوى النظام القضائي في عصر يتشكل فيه الوعي الجماعي خارج منطق المؤسسات. هي لحظة يتعيّن فيها إعادة تعريف العدالة، ليس فقط كنصوص قانونية، بل كعلاقة رمزية بين المواطن والدولة، بين المظلومين وأملهم في إنصاف حقيقي.

فحين يختل هذا العقد الرمزي، وتُفقد الثقة، تنمو بدائل مشوهة: عدالة غوغائية، محاكمات افتراضية، خطاب عنف مبرر، وسلطة مؤثرة قد تكتب مصير الآخرين، دون أن تُسأل أو تُحاسب.

وهكذا، بين ندبة على وجه يافعة، وبث مباشر مفعم بالتهديد، تتقاطع كل الأسئلة الكبرى: من يحكم اليوم؟ من يصوغ العدالة؟ ومن يحمي المجتمع من السقوط في هاوية فوضى لا تعترف لا بقانون، ولا بدولة، ولا حتى بالمعقول؟

السمات ذات صلة

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة