بين مطرقة الدولة وسندان القطاع الخاص.. من يدفع ثمن غلاء المعيشة في المغرب؟
شهد المغرب موجة متصاعدة من ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، رغم المبادرات والإجراءات الحكومية المتخذة للتخفيف من حدة هذه الأزمة.
وفي هذا السياق، قدم الدكتور سعيد بوشاكوك، المهتم بالشأن العام، خلال حواره مع موقع “فبراير.كوم”، تحليلاً لأسباب هذه الأزمة وسبل معالجتها، مؤكدا في هذا الصدد، أن المغرب منذ تسعينيات القرن الماضي تبنى نهج المبادرة الخاصة أو الحرة، وهو ما كرسته دساتير 1992 و1996 و2011، بهدف تعزيز مساهمة القطاع الخاص في التنمية إلى جانب الاستثمار العمومي. غير أن هذا التوجه لم يعنِ تخلي الدولة عن أدوارها الأساسية في الإشراف والتنظيم والرقابة.
أشار المتحدث إلى أن المغرب كان بلداً فلاحياً بامتياز، وأن الرهان الأساسي كان دائماً على القطاع الفلاحي. لكن موجات الجفاف والتغيرات المناخية أثرت سلباً على المنتوج الفلاحي ونسبة النمو والادخار والسيولة. ورغم ذلك، فإن هذه التحديات لم يكن ينبغي أن تكون مبرراً للتقاعس عن الإبداع الجماعي والابتكار لإيجاد حلول تخفف من وطأة هذه الأزمة.
من أبرز النقاط التي أثارها بوشاكوك، استناداً إلى تحقيق برنامج “45 دقيقة”، كانت مشكلة الوسطاء أو “الشناقة” في المعاملات التجارية، حيث اتسعت رقعة تدخلهم مما خلق متاهة بين المنتج والمستهلك، مؤدية إلى ارتفاع صاروخي في الأسعار. وشدد على أن نظام الوساطة لم يكن مقنناً في المغرب، مما فتح الباب أمام الممارسات غير المشروعة.
لفت بوشاكوك الانتباه إلى أن الفساد كان ظاهرة متعددة الأوجه، طالت النخب السياسية والإدارية والاقتصادية على حد سواء. وتجلى فساد النخب الاقتصادية في عدم استيعابها لنبل الرسالة أو الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتنفيذ سياسات عمومية معينة.
استشهد المتحدث بأزمة أسعار الأضحية كمثال على فشل بعض المبادرات الحكومية، حيث قدمت الحكومة دعماً وتحفيزات للتخفيف من عبء أسعار الأضحية، باعتبارها جمعت بين العبادة والعادة في المجتمع المغربي. لكن للأسف، لم يؤتِ هذا الإجراء أكله بسبب سوء استغلال بعض المستفيدين من هذا الدعم.
شدد بوشاكوك على ضرورة فتح تحقيق نزيه في هذه القضية، سواء من طرف أجهزة الرقابة المعنية، أو لجان تقصي الحقائق البرلمانية، أو من خلال تحقيق إداري أو قضائي. وأكد على أهمية تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ليس فقط للفاعلين العموميين، بل أيضاً للفاعلين الخواص الذين استفادوا من امتيازات وتحفيزات.
رأى المتحدث أن المبادرة الملكية بإلغاء عيد الأضحى كانت قراراً حكيماً وصائباً، كشف المستور وفضح الممارسات غير المشروعة. ودعا إلى مواكبة هذا القرار بإجراءات حكومية حازمة لتجديد الثقة بين الفاعل العمومي والنخب السياسية والمدبرين العموميين من جهة، والشعب والساكنة والمواطنين من جهة أخرى.
في الختام، دعا بوشاكوك إلى ضرورة العمل الجماعي والمسؤول لمواجهة تحديات غلاء المعيشة، مع التركيز على مكافحة الفساد وتقنين دور الوسطاء وتعزيز آليات المراقبة والمساءلة، لضمان وصول الدعم العمومي إلى مستحقيه وتحقيق الغايات المرجوة منه.