في حوار صريح، تحدّثت الباحثة والأستاذة الجامعية سناء غواتي عن واقع العمل الثقافي والأكاديمي في المغرب، مركزة على تجربة جمعية الباحثين في الأدب المغاربي، التي وصفتها بأنها “إحدى المبادرات الريادية التي سبقت ظهور المختبرات الجامعية”، لكنها تواجه اليوم صعوبات حقيقية تهدد استمرارها في غياب الدعم المالي والمؤسسي.
وقالت غواتي: “كنا ننشر لكبار الباحثين في العالم، وكنّا نعقد لقاءات شهرية، وننتقل بها بين الجامعات والمراكز الثقافية في مختلف المدن، لأن الجمعية تضم باحثين من كل الجامعات المغربية، لكن بعد نشأة المختبرات الجامعية أصبح الحضور العلمي مشتتًا، وصار من الصعب الحفاظ على دينامية الجمعية بنفس الزخم السابق”.
وتأسفت الباحثة على توقف وزارة الثقافة عن دعم الجمعية ومجلتها، موضحة أن الدعم كان يتيح للجمعية إصدار أعداد منتظمة من المجلة وتعزيز حضورها داخل الساحة الأكاديمية، مضيفة: “نحن بصدد نقل المجلة إلى الفضاء الجامعي، إذ لدينا عددان جاهزان (17 و18)، لكن بدون تمويل لا يمكننا الاستمرار، فكل المشاريع الثقافية تحتاج إلى تمويل ولو رمزي، فقط لضمان الاستمرارية والحد الأدنى من الاشتغال المحترف”.
وعن علاقة الجمعية بتمويلاتها، أشارت غواتي إلى أن مؤسسة “كروش” دعمت المجلة من عددها السادس حتى العدد الخامس عشر، بما مكّن من إصدار أعداد غنية ومؤتمرات ذات إشعاع وطني، غير أن هذا الدعم توقف لاحقًا، وبدأت الجمعية تفكر في سبل إعادة التأسيس وربما مراجعة شكل وجودها، خاصة مع غياب الدعم العمومي.
في المقابل، شددت غواتي على أن استعمال اللغة الفرنسية في الكتابة والنقاش لا ينبغي أن يُفهم باعتباره تنكرًا للهوية الثقافية أو تبعية فكرية، قائلة: “نحن مغاربة مائة بالمائة. قد نتحدث بالفرنسية، لكن العقل مغربي، والهُوية مغربية، واللسان أداة تواصل فقط. الفرانكوفونية التي نحملها ليست فرانكوفونية العقل، بل فرانكوفونية اللسان التي نستعملها لتسويق أدبنا وثقافتنا في العالم”.
وفي حديثها عن تجربتها في مجال الترجمة، أوضحت غواتي أنها ترأست لثلاث دورات لجنة التبريز في الترجمة بعد اشتغالها في لجنة التبريز في اللغة الفرنسية، وأكدت أن هذا التحول راقها، لأنها من محبي اللغة العربية، وترى في الترجمة أداة أساسية لفهم الذات والانفتاح على الآخر.
وتابعت: “اشتغلت مع مجموعة من الباحثين المغاربة على أنطولوجيا ثقافية تهم القرن العشرين، اشتغلنا من 1904 إلى 2004، وأعددنا كتابًا جماعيًا مع جلال الحكماوي وكينزاس فريوي حول الثقافة المغربية، وأهمية ترجمتها إلى اللغة الفرنسية لفهم أعمق لتاريخنا، خصوصًا أن بعض الدول، ومنها فرنسا، أدركت مؤخرًا أن المغاربة يعرفون عنهم أكثر مما يعرفون هم عنا”.
وأشارت غواتي إلى أن فرنسا بادرت مؤخرًا إلى إطلاق برنامج يحمل اسم “Livre de Dérive”، بهدف ترجمة الأدب المغربي من العربية إلى الفرنسية، ومن الفرنسية إلى العربية، مؤكدة أن هذا النوع من المبادرات يُسهم في تصحيح التصورات النمطية، وفي تقديم الثقافة المغربية كما هي، لا كما تُستهلك في الخيال الاستشراقي.
وختمت الأستاذة الجامعية حديثها بالتأكيد على أن المجهودات الفردية لا تكفي، وأن الحاجة اليوم هي إلى دعم مؤسسي واضح ومسؤول، يراهن على الثقافة بوصفها رافعة للهوية والانفتاح والتعريف بالموروث المغربي في الخارج، مشددة على أن “ما لا تقوم به الدولة، لن تقدر عليه الجمعيات وحدها، مهما بلغت نياتها”.