الرئيسية / نبض المجتمع / جرائم اغتصاب الأطفال بالمغرب.. ضحايا منسيون و "جناة أحرار"

جرائم اغتصاب الأطفال بالمغرب.. ضحايا منسيون و "جناة أحرار"

نبض المجتمع
نهيلة بلفضيل 08 أبريل 2023 - 14:30
A+ / A-

قبل سنة تقريبا، حذرت الهيئة المغربية للعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، من استفحال ظاهرة اغتصاب الأطفال القاصرين بالمغرب، حيث تشير الأرقام إلى احتلال المغرب المرتبة الثانية عربيا واصفة إياه بـ”الكارثي” ويعكس واقع حقوق القاصرين بالمغرب، رغم التزامه بالاتفاقيات الدولية التي تلزم حمايتهم.

اليوم يعيش المغرب، على وقع حالة من الخوف وعدم الأمان والغضب بعد كل واقعة اغتصاب، فتتعالى معها أصوات المجتمع المدني المنددة بالأحكام الصادرة في حق المغتصبين والتي تتأرجح بين “التساهل” و”التخفيف”.

وعديدة هي الجرائم التي هزت الرأي العام وخلقت جدلا واسعا، منها ما سكن ذاكرة المغاربة وتحولت إلى قصص للعبرة، ومنها جرائم منسيات توالت عليها جرائم أخرى، أكثر قسوة وأشد جرما.

ضحايا منسيون وأحكام مخففة!

من منا لا يتذكر “دانييل كالفان”، البيدوفيل الإسباني الذي اغتصب 11 طفلا مغربيا، وتمت إدانته ب30 سجنا نافذا، لكنه لم يقضي منها إلا عاما واحدا بفضل تمتعه بعفو ملكي، وعودته لبلده الأم، وهو القرار الذي أثار زوبعة من النقاش وخلق احتجاجات غاضبة في الشارع المغربي.

الديوان الملكي أعلن فيما بعد سحبه وإلغائه للعفو، ليتم بعد ذلك اعتقاله في إسبانيا حيث قبع لاستكمال مدته السجنية.

جريمة اعتداء جنسي أخرى وقعت ضحيتها 4 تلميذات مكفوفات، على يد أستاذ يدرسهن في مؤسسة رعاية المكفوفين بمدينة تازة، حيث تتراوح أعمارهن بين 7 و14 سنة، وتمت إدانة الجاني بثمان سنوات سجنا نافذا.

وبالعودة لسنة 2020، نسترجع واحدة من القضايا التي أشعلت عاصفة الغضب بين مختلف الهيئات الحقوقية المغربية، إثر اغتصاب بيدوفيل كويتي لقاصر لا يتجاوز عمرها 14سنة، حيث تم تمتيعه بالسراح المؤقت استطاع من خلاله مغادرة التراب الوطني، وتم تأجيل الحكم 22 مرة منذ فتح هذا الملف يوم 21/01/2020.

وآخرهم، “طفلة تيفلت” البالغة من العمر 12 سنة، والتي تناوب على اغتصابها 3 وحوش آدمية، لكن الأكثر ظلما واستخفافا هو الحكم الذي صدر في حق هؤلاء المجرمين والمتمثل في سنتين سجنا .

القضية أشعلت فتيل النقاش وطنيا وعربيا، وأعادت “أحكام الاغتصاب المخففة” إلى الواجهة.

وقد جرت جلسة الاستئناف يوم الخميس، بحضور الضحية، حيث تم تأجيل البت في القضية إلى غاية ال13 من أبريل الجاري.

الاغتصاب.. ظاهرة مريرة تنخر المجتمع

عندما نتحدث عن الاغتصاب في مجتمعنا المغربي فدوما ما نتحدث عن الموضوع بمرارة، يقول د.محسن بنزاكور أستاذ علم النفس الاجتماعي، لسبب بسيط فالاغتصاب لا يمس فقط الراشدين بل أيضا الأطفال ذكورا وإناثا بغض النظر عن المستوى المعيشي والطبقة الاجتماعية.

إذا فهو ظاهرة تجاوزت حدود الإجرام بمفهومه التقليدي، يضيف بنزاكور خلال تصريحه ل “فبراير”، إلى مفهومه المرضي الذي يحيل على أننا مجتمع مهووس بالجنس المرضي كنوع من التلذذ بتعذيب الضحية.

وتساءل أستاذ علم النفس الاجتماعي عن طبيعة هذه الممارسات الإجرامية، فهل أصبح المجتمع المغربي يفرخ مثل هذه الظواهر المرضية والإجرامية ؟ ولماذا تشهد هذه القضايا ارتفاعا مريبا تشمئز منه النفوس ؟

وجوابا على ذلك قال: “إن البراديغم الاجتماعي المغربي تحول من الأخوة والمواطنة والحماية وتقاسم المصير والاشتراك فيه، إلى هذه البشاعة في العلاقة مع الجسد، علما أن هناك طابو يدور حول الجنس بالنسبة للمراهقين والأخطاء التي قد يقعون فيها من باب العادة السرية والأخطاء الجنسية المؤدية إلى المرض وغيرها، لكن نحن هنا نتحدث عن الطابو بمفهمومه المرضي الذي يفضي إلى نرجسية تقصي الآخر وتتلذذ بآلامه”.

بدورها، اعتبرت نجية تزروت، رئيسة شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع، بأن “وتيرة اغتصاب الأطفال في المغرب تصاعدت بالرغم من التعديلات التي أدخلتها وزارة العدل والحريات على الفصول المتعلقة بحماية الأطفال ضحايا الاغتصاب في القانون الجنائي، فالكل يتذكر قضية دانييل ومجرم القنيطرة، ووحش طنجة الذي اغتصب الطفل وقتله”.

وأضافت نجية تزروت، في تصريح خصت به “فبراير”، أن “ما خفي كان أعظم، فغالبية أسر الضحايا تفضل الصمت حفاظا على سمعتها في غياب بنيات استقبال لتوفير الرعاية النفسية لضحايا الاغتصاب، وغياب ذوي الاختصاص في المراكز الصحية، وكذلك غياب قضاة مختصّين في هذا المجال”، مؤكدة على أن “المقاربة الحمائية لضحايا الاغتصاب في المغرب ما تزال قاصرة، في ظل العقم الثقافي السائد، والذي ما يزال يعتبر الاغتصاب طابو، وهذا ما يجعل المجتمع متواطئا ويصبح الضحايا هم المسؤولون عن جرائم الاغتصاب التي يتعرضون لها”.

المغرب..  تايلاند “مرتع البيدوفيليا”

وذهب عزيز غالي رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان،  إلى القول أن “المغرب اليوم أصبح يشبه تايلاند “مرتع البيدوفيليا”، بشكل أو بآخر،  مادامت ليست هناك حماية قانونية حقيقية، ملفتا إلى أن الأسرة عليها أن تتحمل مسؤوليتها في تلقين التربية الجنسية لأطفالها، كما على الحكومة تنزيل ترسانة قانونية لحمايتهم”.

وأشار عزيز غالي، في اتصال هاتفي مع “فبراير” أنه من بين المطالب التي تناضل بها الهيئات الحقوقية اليوم بخصوص الاغتصاب هي “عدم  تنازل أولياء الامور”، فهذه الجرائم لا يجب أن تقف وتنتهي بالتنازل أو بتزويج الضحية لمغتصبها.

المحامية سعاد البراهمة ترى أن “ارتفاع قضايا الاغتصاب التي تسجل سنة بعد أخرى، يدل على غياب أي مجهود أو إرادة في القضاء على جرائم خطيرة من هذا النوع ، تمس إنسانية وكرامة المغتصَبة أو الذي تعرض عرضه للهتك كما يسميه القانون الجنائي المغربي، وهو تمييز في وصف تستهجنه الجمعيات وتطلب توحيد المصطلحات بشأنه واعتبار الأفعال من هذا النوع اغتصابا أو اعتداء جنسيا يستوجب عقابا مشددا للمعنف جنسيا”.

الاغتصاب في ميزان القانون

وأفادت المحامية خلال تصريح خصت به “فبراير” أن القانون الجنائي ينص على “معاقبة المغتصب بالسجن من 5 إلى 10 سنوات، وتشدد العقوبة لتصل إلى 20 سنة في حالة افتضاض الضحية، أما إذا كانت الضحية قاصرا، فيعاقب الجاني بالسجن من 10 إلى 20 سنة. وتشدد العقوبة في حالة الافتضاض لتصل إلى السجن 30 سنة ،ويعاقب من هتك عرض قاصر بالحبس من سنتين إلى 5 سنوات، وفي حال استخدام العنف تشدد العقوبة إلى 10 سنوات”.

وبحسب منظورها، تعتقد سعاد البراهمة أن “المشكل لا يكمن في القضاء وحده، ولا فقط في النص القانوني الواجب تطبيقه في حالة الاغتصاب بل في القانون نفسه الذي يمنح ظروف تخفيف كبيرة جدا حتى في مثل هاته القضايا الضارة بالمجتمع، إذ تخلف عاهات نفسية مستديمة قد لا يمكن جبرها مهما طال الزمن، وآفات اجتماعية قد تقضي على أسرة بكاملها، إذ يتعدى ضرر هاته القضايا الضحية وحدها إلى العائلة بأكملها التي قد تتشرد بطلاق الأبوين، أو اظطرارها لترك الحي أو المدينة أو القرية التي يسكنونها هربا من وصم المجتمع “الفضيحة والعار”، ويعطي كذلك سلطة تقديرية واسعة مفتوحة للقضاة بناء على اقتناعاتهم وتكوين وجدانهم، و الأمر الأخطر من هاته السلطة الواسعة أن لا رقابة للقضاء على قناعة ووجدان القضاة”.

واسترسلت المحامية والناشطة الحقوقية في حديثها، بأن غياب النص القانوني الرادع والدقيق اصطلاحا ومعنى، وبوجود ظروف تخفيف، وسلطة تقديرية مبنية على قناعة ووجدان القضاة ولا رقابة عليها إضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بالتربية والتكوين الحقوقي والجنسي، وبدور الدولة بكل أبعادها أي انطلاقا من الوقاية فالحماية ثم الردع وأخيرا التكفل بالضحايا اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا، سيظل الاغتصاب والاعتداء بل الجنسي بكل أنواعه ينخر المجتمع ويغتصب الطفولة والانسانية”.

“طفلة تيفلت”.. ظلم وضياع

“هو حكم صادم لا يتطابق مع فظاعة وبشاعة الجريمة المرتكبة في حق الطفلة”، هكذا علقت نجية تزروت، رئيسة شبكة الرابطة انجاد ضد عنف النوع، على الحكم الصادر في حق مغتصبي “طفلة تيفلت”، متسائلة عن : كيف يعقل أن يتمتع الجناة الوحوش بظروف تخفيف تراعي وضعيتهم الاجتماعية ولا تراعي الوضعية الاجتماعية والنفسية للطفلة وللمولود وما ذنبهما؟ أية عدالة هذه وأي قانون يبيح هذا الظلم ؟

ولفتت رئيسة شبكة الرابطة انجاد ضد عنف النوع، في نفس التصريح إلى أن “هذا الحكم الظالم يطبع مع العنف في حق الطفلات ويشجع على الاغتصاب ويسيء لسمعة العدالة المغربية”، مطالبة بتشديد العقوبة في المرحلة الاستئنافية لكي يكونوا عبرة لكل من سولت له نفسه الاعتداء على حرمة جسد الآخر “.

د.محسن بنزاكور أستاذ علم النفس الاجتماعي طرح أيضا تساؤله عن حرمان طفلة من عمر 12 سنة من حياتها وبراءتها الطفولية والقضاء على مستقبلها وحملها غير المرغوب فيه، وما تعرضت له من عنف وتناوب وتعذيب واغتصاب لا يساوي سوى سنتي ؟

هذا الحكم “المخفف والمتساهل” أبان عن جفاف القانون، يجيب بنزاكور، وعن قصور المادة القانونية التي تجرم مثل هذه الظواهر وتفتح المجال لنقاش واسع، ساخط ورافض لها، إلا أننا لن نقول أنها سوف  تشجع على الاغتصاب، بل الظاهرة تحكمها أبعاد نفسية واجتماعية كما ذكرنا سالفا.

وأردف بنزاكور في حديثه مع “فبراير” : ” الاغتصاب جرم منبوذ بكل أنواعه، سواء في حق الذكور أو الإناث قاصرين كانوا أو راشدين،  فالمسألة تستدعي منا وقفة وتساؤلا حول ظاهرة الإجرام في المغرب التي أصبحت تستفحل لدرجة استباحة حرمة وعرض أطفال من سن هذه الضحية”.

ويتفق عزيز غالي، مع ما قاله بنزاكور على أن ملف “طفلة تيفلت” أبان عن تساهل القضاء في حالات اغتصاب الأطفال، مشددا على أنه لا يمكن الحديث عن محاربة هذا النوع من الجرائم في ظل هذه الأحكام المخففة.

وأورد رئيس الجمعية المغربية لحقوق الانسان أنه لا يعقل بأن يكون للحكومة المغربية خطابا مزدوجا بين محاربة هذه الأنواع من الجرائم وبين التساهل في الأحكام، فالواجب أن تكون هناك أحكاما صارمة ومصداقية في تطبيقها”.

من جهتها، ترى المحامية سعاد البراهمة أن “الحكم غير منصف تماما، ولن يحقق الردع، وسيشجع على العود، موضحة أنه يعبر عن “تكوين وقناعة مصدريه ومدى إيمانهم بحق المتقاضين في العدالة والانصاف والحق في المحاكمة العادلة أولا، ثم مدى إدراكهم لدور المحكمة الحقوقي والإنساني والاجتماعي في ارساء الدعائم الأساسية لمجتمع تسوده قيم المساواة والاحترام للكرامة الانسانية ولحق الطفولة في الحماية من اي انتهاك”.

وتابعت البراهمة : “ولكن فاقد الشيء لا يعطيه، فحين تتحكم العقلية الذكورية، وفي غياب تكوين حقوقي، وقصور النص القانوني، عن الحماية وتحقيق الردع، وإعطاء سلطة تقديرية واسعة للقضاة، وعدم اخضاع كيفية تكوين وجدانهم وقناعتهم للقانون و المراقبة ، والسماح بظروف التخفيف في مثل هاته الجرائم، فالتيجة حتما هي الحكم الذي صدر في حق مغتصبي طفلة تيفلت، والذي لا اعتبره غريبا أو سابقة بالمحاكم إذ يكفي الرجوع إلى الأحكام المماثلة في جرائم الاغتصاب، لنجد أن العمل القضائي تواتر على إصدار مثل هاته الأحكام بل هناك إدانة بأقل بكثير منه، إلا ما تعلق بالأحكام الصادرة في بعض قضايا الاعتقال السياسي المغلفة بجرائم هتك العرض او الاغتصاب، للمعارضين او منتقدين لبعض أجهزة الدولة حيث يتم تطبيق الحد الأقصى للعقوبة، مثال قضية الصحفي سليمان الريسوني وعمر الراضي”.

وفي الختام، توجهت ذات المتحدثة بالقول إلى أن “الحكم وحده لن يقضي على جرائم الاغتصاب وإنما يتعين مكافحتها، بالتعليم، وبالتربية الحقوقية والجنسية، والتربية على القيم الإنسانية المساواة والكرامة، ومحاربة الفقر والهشاشة في صفوف النساء وتحمل الدولة مسؤوليتها في حماية الطفولة وفرض إلزامية تعليمها وفرض بسط رقابة النيابة العامة على الخروقات التي يتعرض لها الأطفال حتى داخل الأسر، وتفعيل دور الأخصائية الاجتماعية بالمحكمة والمدارس وكذا دور خلايا العنف ضد النساء، وسن تشريعات وقوانين ترقى إلى مستوى التشريعات الدولية تضمن حقوق النساء وتحميهن من العنف كيفما كان نوعه وتوفر آليات الوقاية الرقابة والتكفل بالضحايا”.

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

حصاد فبراير

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة