قدم الناشط السياسي والمحامي البارز عمر محمود بنجلون رؤية شاملة ومعمقة لمسيرة اليسار المغربي على مدى العقود الماضية، سلط من خلالها الضوء على فترة حاسمة في تاريخ الحركة اليسارية بالمغرب، واصفاً إياها بـ”الحرب” التي امتدت لـ25 عاماً حتى عام 1998.
يصف عمر بنجلون في حواره مع “فبراير” هذه الفترة بأنها كانت “حرباً” بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث شهدت هذه المرحلة، حسب قوله، سلسلة من الأحداث المؤلمة والتحديات الجسيمة، بما في ذلك إعدامات طالت نشطاء يساريين، وصراعات داخلية وانشقاقات في صفوف الحركة. كما شهدت محاولات لاستمالة بعض العناصر وإفساد أخرى، وهرولة البعض نحو تحقيق مصالح شخصية على حساب المبادئ.
يؤكد بنجلون أن هذه الممارسات كانت مدبرة من قبل خصوم اليسار، الذين استهدفوا الحاملين لأفكار الاشتراكية والديمقراطية والتقدمية والسيادة الشعبية.
يشير بنجلون إلى أن عام 1998 شكل منعطفاً هاماً مع تشكيل حكومة التناوب. ورغم إقراره بأن هذه التجربة تحتاج إلى تقييم موضوعي، إلا أنه يلفت الانتباه إلى أن جزءاً كبيراً من اليسار، الذي أطلق عليه “اليسار غير الحكومي”، رفض المشاركة في هذه التجربة.
كما تطرق بنجلون بإسهاب إلى التحديات التي واجهت اليسار في المشاركة السياسية، خاصة بعد عام 2007. وينتقد بشدة ما يصفه بـ”فساد العملية الانتخابية” و”القوانين الانتخابية المجحفة”. ويشير إلى ممارسات مثل استخدام المال السياسي بشكل غير مشروع، ومحاولات شراء أصوات الناخبين والتأثير على المراقبين، واستغلال النفوذ والسلطة لتحقيق مكاسب انتخابية.
وأشاد بنجلون بمبادرة الإنصاف والمصالحة، معتبراً إياها خطوة شجاعة من قبل الدولة للاعتراف – ولو بشكل محتشم – بما جرى في الماضي. ويقارن هذه المبادرة بتجارب مماثلة في دول أخرى مثل تشيلي وجنوب أفريقيا والأرجنتين.
يؤكد بنجلون على خصوصية اليسار المغربي، مشدداً على أنه ليس مجرد نسخة من اليسار الأوروبي، بل يعتبره امتداداً للحركة الوطنية وحركة التحرر الشعبية، مما يمنحه عمقاً تاريخياً وارتباطاً وثيقاً بالهوية الوطنية المغربية.
وحدد بنجلون عدة تحديات تواجه اليسار المغربي اليوم، منها تراجع الفكر الاشتراكي عالمياً وهيمنة النيوليبرالية، وصعود قوى محافظة منظمة بشكل جيد. كما يشير إلى الحاجة إلى بناء مشروعية سياسية جديدة، وضرورة تقديم خط ثالث بين “التحكم النيوليبرالي” و”التيار الأصولي”.
وشدد بنجلون على أهمية توحيد صفوف اليسار لمواجهة التحديات الراهنة. لكنه يقر بصعوبة هذه المهمة نظراً للتكلفة النفسية والتنظيمية للوحدة بعد سنوات من الصراع، وانعدام الثقة نتيجة الحروب السابقة، ومحاولات خلق الفتنة والانقسام من قبل خصوم اليسار.