الساعة الثالثة صباحا من يوم جمعة حزين، 2 نونبر 2012 غيبت عنّا الدنيا امرأة من طراز خاص، امرأة صنعت من صلابتها قصيدة، ومن نضالها لوحة فنية، ومن حبها لوطنها أنشودة خالدة.
في طابور طويل ينتظر استقبال الملك، وقفت امرأة قصيرة القامة متحدية التقاليد. بينما انحنى الجميع، وقفت هي منتصبة القامة ، ممسكة بيد الملك بإحكام وابتسامة عريضة، تصرفها غير المتوقع أثار دهشة الجميع، فكيف تجرؤ امرأة بسيطة على كسر هذه القاعدة المتوارثة؟ و في جو من التوتر والانضباط، ظهرت آسية أو “ماما آسية” كما يحلو للكثيرين مناداتها، كشرارة أضاءت الظلام.
تصرفها الجريء، وإن كان غير متوقع، كان بمثابة تحدٍ للعادات والتقاليد الراسخة. ابتسامتها الصادقة كانت كافية لتكسر حاجز الخوف والانكسار الذي كان يسيطر على الجميع.
في تلك اللحظة، شعر الجميع بتغيير طفيف في الهواء، وكأن شرارة أمل قد أضاءت الظلام ،ابتسامتها الصادقة كانت أقوى من أي كلمة، معبرة عن احترامها للملك دون خضوع.
في المساء، تلقت آسية استدعاء للحضور للقصر الملكي و حدث ما لم يتوقعه أحد، فالملك الشاب قد رحب بآسية، واحتفل بها في القصر واحترم فيها شجاعتها وعدم خضوعها، بل وطلب منها مرافقته ووزير عدله في زيارة تفقدية غير معلنة لأحد السجون
بالرغم من نظام السجون الصارم و الصلب في قلب صرح الحجر البارد، حيث يزدان الألم بالظلام، كانت آسية نجمة ساطعة. قلبها، بحر من العطف، يغمر السجناء بفيض من الأمل. بابتسامة حانية وكلمات دافئة، كانت تحطم جدران العزلة، وتعيد للأرواح نبض الحياة. لم تكن مجرد زائرة، بل كانت أمًّا حنونة، وأختًا وفية، وصديقة مخلصة. في كل سجين، كانت ترى إنسانًا يستحق الحياة، يستحق الحب، يستحق الكرامة.
تخيلوا سجناً، قفصًا من الحديد، يضم أرواحًا مكسورة. فجأة، تدخل إليهم نسيمة أمل، تجسدت في امرأة تحمل في عينيها لمعة الأمل وفي قلبها نبض الإنسانية. كانت آسية الوديع، التي حولت زياراتها إلى رحلة تحرر، حيث تفتح القلوب وتنطلق العقول. كانت تستمع إلى قصصهم، آلامهم، أحلامهم، وكأنها تكتب رواية جديدة، رواية أمل.
في عالم حيث تسود القسوة والظلام، كانت آسية شعلة من نور. تحدت النظام، كسرت القيود، وأثبتت أن الإنسانية أقوى من أي سجن. لم تكتفِ بزيارة السجناء، بل عاشت معهم، شعرت بآلامهم، وناضلت من أجلهم. كانت صوتًا للمهمشين، رمزًا للأمل، وقدوة للجميع
آسية الوديع، يا أيقونة الصمود، يا رمز العطاء، يا من جعلت من اسمها عنوانًا للكفاح والتضحية. برحيلكِ، لم يغِب نوركِ، بل ازداد سطوعًا في سماء ذاكرتنا.
أنتِ يا آسية، ليستِ مجرد اسمًا في سجل التاريخ، بل أنتِ روحٌ تسري في عروق الوطن، وقلبٌ ينبض بحب الناس. في كل مرة نذكر فيها اسمكِ، نتذكر معانيه السامية، ونستلهم من صبركِ وقوتكِ العزيمة على مواجهة التحديات.
رحيلكِ لم يكن نهاية لمسيرتكِ، بل بداية لخلود إرثكِ. ففي كل قلبٍ يحمل هم الوطن، وفي كل امرأةٍ تسعى لتحقيق ذاتها، وفي كل رجلٍ يؤمن بالعدالة، هناك جزء من روحكِ الخالدة.
ستبقين يا آسية، في قلوبنا، وفي ذاكرتنا، وفي كل عملٍ نبيل نقوم به. وستظلين مصدر إلهام للأجيال القادمة، لتكوني بذلك قد حققتِ أسمى أمانيكِ.
إلى روحك الطاهرة السلام، الطمانية، الرحمة .