الرئيسية / أقلام الحقيقة / خلفادير يكتب... التوتر المغربي الجزائري: هل نحن أمام إدارة للتوتر أم أمام برميل بارود؟

خلفادير يكتب... التوتر المغربي الجزائري: هل نحن أمام إدارة للتوتر أم أمام برميل بارود؟

الدبلوماسية المدنية رافعة جديدة لتعزيز الموقف المغربي في قضية الصحراء المغربية
أقلام الحقيقة
خلفادير هشام 18 ديسمبر 2024 - 00:00
A+ / A-

صدر بتاريخ 29 نوفمبر 2024 تقرير عن المجموعة الدولية للأزمات يرصد التوترات القائمة بين المغرب والجزائر، كما يحاول رصد مجموعة من المخاطر والتهديدات التي يمكن أن تنقل الصراع من حالة توتر إلى حالة حرب، وفيما يلي أبرز ما جاء به التقرير. 

على الرغم من سياسة ضبط النفس المتبادل التي مكنت الجزائر والمغرب من تجنب صدام عسكري مباشر، الا ان خطر اندلاع مواجهة مباشرة لا يزال قائم. ويرجع التقرير الصادر عن المجموعة الدولية للأزمات ذلك الى المتغيرات المرتبطة بالصراع الديبلوماسي بين البلدين، والى سباق التسلح والى القوى التي لها تأثير كبير في المنطقة:  

1. التنافس الجزائري المغربي في شمال أفريقيا والساحل الأفريقي 

من المعلوم الدور الذي لعبته الجزائر في محاولات تحقيق المصالحة بين الحكومة المالية والمتمردين الطوارق في شمال مالي منذ التسعينيات. كما انه سنة 2015، توسطت الجزائر مرة اخرى لاعتماد اتفاق لإنهاء هذا الصراع، غير انه هذه المرة تسببت هذه الوساطة في استياء أعضاء الحكومة المالية الذين اعتقدوا أن الاتفاق أضعف سلطة الدولة المركزية في الشمال، مما دفع بتدهور العلاقات بين باماكو والجزائر. وكمحاولة منها إعادة إحياء هذه العلاقات، عملت الجزائر في ديسمبر 2023، على دعوة مجموعة من الشخصيات التي تمثل الحكومة المالية والمتمردين الطوارق في الشمال، وقد كان بين هذه الشخصيات زعيم ديني مالي ينتقد سلطات باماكو. امام هذا الوضع، ندد المسؤولون الماليون بهذه المبادرة ووصفوها بأنها غير ودية، مما دفع البلدين إلى استدعاء سفيريهما. ومنذ ذلك الحين، واصلت الحكومة المالية تعزيز سيطرتها على الشمال، وأقدمت منذ يناير 2024، على إلغاء اتفاق 2015 الذي توسطت فيه الجزائر، متهمةً الجزائر بالتدخل في شؤون مالي، وهو الوضع الذي أسفر عن تصاعد التوترات الجزائرية المالية أكثر في الأشهر اللاحقة. 

من ناحية ثانية، شكل انقلاب يوليو 2023 في النيجر حدثا أمنيا يهدد استقرار منطقة الساحل. فبعد أن أطاح الجيش بالرئيس محمد بازوم، فرضت الكتلة الإقليمية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا عقوبات على نيامي، مطالبةً المجلس العسكري بإعادة النظام الدستوري أو إقدام الدول المجاورة للنيجر على استرجاع النظام باستعمال القوة. وخوفًا من التدخل العسكري على حدودها، أرسلت الجزائر مقترحًا للوساطة إلى النيجر في أكتوبر 2023، مقترحةً مرحلة انتقالية بقيادة مدنية لمدة ستة أشهر تؤدي إلى إعادة العمل بالدستور السابق. لكن أعقب ذلك ارتباك، حيث إدعت الجزائر في البداية أن نيامي قد قبلت المقترح الجزائري، ولكن تبين فيما بعد ان السلطات العسكرية في النيجر قد رفضته، لتنهار بعدها المبادرة الجزائرية. ولقد تنامت حدة الخلاف بين نيامي والجزائر مرة ثانية في أبريل 2024، عندما احتجت نيامي على قرار جزائري بطرد المهاجرين غير الشرعيين (بما في ذلك العديد من مواطني النيجر) إلى النيجر، وقامت بإنزالهم على الحدود. 

في مقابل ذلك، استغل المغرب التوترات القائمة بين الجزائر ودول المجاورة لها ليعزز علاقاته في منطقة الساحل. ففي نوفمبر 2023، أعلن الملك محمد السادس عن ”مبادرة أطلسية“، حيث عرض بناء طريق سريع بين دول الساحل وميناء الداخلة. وفي الشهر الموالي، اجتمع وزراء خارجية بوركينا فاسو وتشاد ومالي والنيجر مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في مراكش لمناقشة تفاصيل هذا المقترح .والبين أن الجزائر كانت مستاءة من هذه التحركات، حيث اتهمت المغرب بالتآمر مع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة لعزلها دبلوماسياً لأنها عارضت اتفاقات أبراهام التي تطبع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج العربية (تماماً كما عارضت تحرك المغرب في هذا الاتجاه). وطوال عامي 2023 و2024 حتى الآن، اتهمت وسائل الإعلام الجزائرية الإمارات بتمويل حملات إعلامية في منطقة الساحل الإفريقي تسيء إلى الجزائر وتدعم الانقلاب في النيجر. 

وكرد فعل على المبادرة الاطلسية، أطلقت الجزائر مبادرتها الخاصة للتعاون الإقليمي لعزل المغرب في شمال أفريقيا. حيث أنه بتاريخ أبريل 2024، التقى الرئيس الجزائري تبون مع رئيس المجلس الانتقالي الليبي ومع الرئيس التونسي في تونس، واتفقوا على تعزيز التعاون وتحسين أمن الحدود. وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق لا يستثني أي دولة، إلا أن قرار عدم دعوة المغرب إلى الاجتماع الثلاثي كان مقصوداً، حيث صرح على إثر ذلك أحد الدبلوماسيين الجزائري على أنه ”لا يمكننا أن نبقى سجناء المغرب. إن التجمع الجديد الذي يضم الجزائر وتونس وليبيا ليس تنظيماً جديداً بل هو ترتيب ثلاثي لإعادة السلام إلى ليبيا والحديث عن التجارة وما إلى ذلك“.

2. التوتر على مستوى الاتحاد الأفريقي: 

كانت المعارك الدبلوماسية الجزائرية المغربية على أشدها داخل الاتحاد الأفريقي. فمنذ رجوع المغرب إلى المنظمة سنة 2017، عمل المغرب على منعها من التدخل في قضية الصحراء وعلى طرد منظمة البوليزاريو من قوائم عضويتها. (حصلت جماعة البوليساريو على العضوية في منظمة الوحدة الأفريقية – المنظمة السلف للاتحاد الأفريقي – في عام 1982، مما دفع المغرب إلى الانسحاب احتجاجًا بعد عامين). وفي يناير 2023، جمع المغرب العديد من رؤساء الوزراء والمسؤولين الحكوميين الأفارقة السابقين في طنجة، حيث وقعوا على وثيقة تدعو إلى جماعة البوليزاريو، لترد الجزائر بمحاولة الضغط على مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي لكي يتدخل بفاعلية، إلا أنها فشلت إلى حد كبير في تحقيق ذلك. 

والواقع أن هذه التوترات قد أدت إلى تقويض الأداء الطبيعي للاتحاد الأفريقي. ففي أواخر عام 2023، قرر كل من الجزائر والمغرب الترشح للرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي، حيث كان من المفترض أن تذهب الرئاسة إلى إحدى دول شمال أفريقيا، ليعقب هذا الوضع مأزق، حيث لم تكن الجزائر أو المغرب مستعدة للتنازل للآخر. وفي نهاية المطاف، اختار الاتحاد الأفريقي موريتانيا لشغل هذا المنصب، متجنبًا بصعوبة مأزقًا مؤسسيًا قد يؤدي إلى شلل محتمل، ولكن في جميع الأحوال كانت له آثار سلبية، حيث انه جعل منظمة الاتحاد الافريقي مترددة في الانخراط لإيجاد حل للصراع بين المغرب والجزائر، حيث أن التنافس الجزائري المغربي هو، في الواقع، تنافس للتأثير على الاتحاد الأفريقي ولتوجيهه. كما أدى ذلك إلى تعطيل العمليات الداخلية للاتحاد الأفريقي، كما حدث عندما طرحت الجزائر والمغرب مرشحين لمناصب رئيسية في الاتحاد الأفريقي في فبراير 2023، مما تسبب مرة أخرى في اندلاع مواجهة شديدة بين البلدين.  

3. خطر التصعيد بين البلدين:  

على الرغم من التوترات الدبلوماسية والعسكرية، تمكنت الجزائر والمغرب حتى الآن من تجنب المواجهة العسكرية المباشرة. وحتى عندما قطعت الجزائر علاقاتها مع الرباط سنة 2021، فقد انغمس كلا الطرفين في خطاب تحريضي، أدى، بسبب انغلاق قنوات التواصل، الى التصعيد. وهو المعطى الذي يفسر الحوادث العسكرية المتفرقة التي تهدد حالة ضبط النفس. فحسب التقرير الصادر عن المجموعة الدولية للازمات، كان من الممكن أن يدخل البلدان في مواجهة مسلحة بشأن ثلاث حوادث: مقتل سائقي الشاحنات الجزائريين في الصحراء في نوفمبر 2021؛ وانسحاب بعثة الأمم المتحدة من المنطقة العازلة سنة 2022؛ ثم في أكتوبر من سنة 2023 بسبب مقتل مدني مغربي في قصف جبهة البوليساريو لمدينة السمارة. وفي كل هذه الحالات، تم نزع فتيل المواجهة من خلال مزيج من ضبط النفس المتبادل والوساطة الدبلوماسية الخارجية. لقد كشفت كل من هذه الحوادث عن شيء ما يتعلق بالخطوط الحمراء التي رسمها البلدان. فكلما وقع حدث أمني معين ندد الطرف المتضرر بذلك، وتوعد بالانتقام. والواقع انه لم ينفذ أي من الطرفين تهديده ووعيده، ومرد ذلك يرجع الى إدراك كلا البلدين بضرورة تجنب المواجهة المباشرة وبالتالي تجنب اتخاذ إجراءات استفزازية. 

وعلى الرغم من ان ضبط النفس هذا يعكس، بشكل أو بأخر، التزام الأطراف بالقانون الدولي، بالشكل الذي ساهم في خفض خطر المواجهة، إلا أن التقرير الصادر عن المجموعة الدولية يحدد أربعة عوامل قد تكون سببا في اندلاع مواجهة مباشرة: 

أولاً، يدعو الناشطون الصحراويون الشباب، الذين يشعرون باستياء متزايد إزاء استراتيجية حرب الاستنزاف التي تنتهجها جبهة البوليساريو، إلى تصعيد حاد. ومن المرجح أن يظل هذا الضغط مرتفعاً، لاسيما مع صعود المسؤولين الأصغر سناً في الرتب واكتسابهم نفوذاً أكبر في صنع القرار. وقد يكون لكيفية تطور هذا النقاش الداخلي أهمية كبيرة بالنسبة للاستقرار الإقليمي، خاصة إذا هددت الجبهة مرة أخرى العمليات التي تقوم بها بعثة الأمم المتحدة أو إذا قامت بقصف مدينة تابعة للسيادة المغربية. 

ثانياً، قد يؤدي سباق التسلح بين الجزائر والمغرب الى مفاقمة التهديد، مما يدفع أحد الجيران إلى إلحاق الضرر بالآخر. وإذا اعتقد أي من الجانبين أن التوازن قد تحول إلى الأبد أو حاول استباق التحول، فقد يقرر توجيه ضربة على أمل الفوز في صراع محدود في الوقت والنطاق. وفي حين أن هذا الخطر متدني، فإن كلا الجانبين يشعر بالقلق إزاءه لاسيما أن الدولتان في الاستعداد دائم لاحتمال تطور صراعهما إلى صراع مسلح. وهذا ما يفسر تنامي الإنفاق العسكري لدى الجانبين .ففي الوقت الذي اشترى فيه المغرب نظام Skylock Dome المضاد للطائرات بدون طيار من إسرائيل، وطائرات Harop بدون طيار في ديسمبر، كما حصل المغرب ايضا في فبراير 2022 على نظام Barak MX، وهو نظام معياري إسرائيلي الصنع يمكنه إسقاط الصواريخ والطائرات بدون طيار، بالإضافة الى موافقة الحكومة الامريكية في أبريل 2023 على حصول المغرب على ثمانية عشر قاذفة صواريخ متعددة من طراز

HIMARS، سارعت الجزائر إلى مواكبة هذه المشتريات حيث وافق البرلمان الجزائري في نوفمبر 2022 على زيادة كبيرة في الميزانية العسكرية لعام 2023 ورفعها الى حوالي 23 مليار دولار، وهو ارتفاع يقدر بحوالي 11 مليار دولار مقارنة بسنة 2022. وفي أواخر 2022، أشارت وسائل الإعلام الجزائرية إلى أن السلطات في الجزائر تستعد لشراء طائرات الشبح سو-57 وقاذفات سو-34 ومقاتلات سو-30، بالإضافة إلى أنظمة دفاع جوي جديدة، مثل إس-400، من روسيا. ولتنويع مصادر أسلحتها، لجأت الجزائر إلى شركة توركي لشراء طائرات أنكا إس+ بدون طيار وإلى الصين لشراء طائرات هالكون بدون طيار. 

العامل الثالث هو انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة للمرة الثانية. فخلال فترة ولايته الأولى (2017-2020)، أشعلت إدارته التوترات الإقليمية – ويمكن القول إنها زادت من حدة التهديد الذي تواجه الجزائر – من خلال الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، وكذا من خلال تشجيع المغرب على تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. وفي الوقت الذي تمكنت فيه إدارة بايدن من تهدئة الأجواء من خلال إعادة التواصل مع جميع الأطراف، فإن الإدارة المقبلة يمكن أن تلعب مرة أخرى دورًا مزعزعًا، على الرغم من أنه لا يزال من غير المعروف ما هي الخطط (إن وجدت) التي لدى فريق ترامب لشمال أفريقيا. فإذا اختارت الإدارة الامريكية الجديدة دعم المغرب بشكل أكثر علانية ضد الجزائر أو العمل من خلال الأمم المتحدة لإنهاء عمل بعثة المينورسو، فإن ذلك قد يتسبب في رفع درجة التوتر بين المغرب والجزائر. وفي نفس الوقت، إذا قررت إدارة ترامب المقبلة عدم التدخل بالوساطة، فإن الوضع القائم بين البلدين قد يصبح أكثر هشاشة. 

وأخيرًا، يؤدي الانتشار المتزايد للمعلومات المضللة وخطاب الكراهية على الإنترنت في كل من الجزائر والمغرب إلى نشر روايات خطيرة بين السكان، حيث تروج هناك نبرة عدوانية بين البلدين على مستوى منصات التواصل الاجتماعي. فمنذ سنة 2017، ظهرت شبكة من الحسابات اليمينية المتطرفة المغربية التي تعرف نفسها باسم “موريش Moorish ” على تويتر/إكس وفيسبوك، وبدرجة أقل، في منصات أخرى، حيث تنتقد المنشورات على هذه الحسابات الصحفيين المستقلين والنسويات والناشطين اليساريين بسبب أفكارهم، بينما تمجد في بعض الأحيان العنف ضد جبهة البوليساريو والجزائر. ومن غير الواضح من يقف وراء “موريش”. وفي المقابل، يبدو أن الهجوم الإلكتروني “المغربي” قد أثار ظاهرة مماثلة في الجزائر، حيث تنشر بعض الحسابات التي يطلق عليها أحيانًا اسم “دزوريش”، وهي كلمة مركبة من اسم نطاق الإنترنت الجزائري .dz، منشورات ومعلومات مضللة تستهدف نظيراتها المغربية. والنتيجة، كما قال أحد الباحثين الأوروبيين، هي “حرب للفوز أو إسكات القلوب والعقول… إنها سباق تسلح افتراضي بين جيشين يستخدمان العنف العشوائي عبر الإنترنت”. 

وعلى الرغم من هذه العوامل، فإن الخطر الإجمالي للنزاع المفتوح يبقى منخفضاً بشكل عام، وذلك لأسباب مفادها ان كل من الرباط والجزائر والدول الفاعلة لديها إدراك بحجم المخاطر في حال اندلاع مواجهة مباشرة. ومن المؤكد أن تأثير ذلك على البلدين وجيرانهما سيكون شديداً. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للحرب أن تهدد إمدادات النفط والغاز من الجزائر إلى أوروبا، وتقلل من قدرة البلدين على السيطرة على الهجرة غير النظامية عبر البحر الأبيض المتوسط، بل وقد تعرض السفن التجارية التي تمر عبر مضيق جبل طارق للخطر. وأخيراً، يمكن أن يؤدي الصراع إلى تعطيل التجارة مع البلدان المجاورة، مثل موريتانيا ومالي، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية.

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

حصاد فبراير

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة