ضمن فعاليات معرض الكتاب الدولي بالرباط، ألقى الكاتب والشاعر صلاح الوديع مداخلة قيمة سلطت الضوء على أهمية أدب السجون في الذاكرة الجماعية المغربية، ودوره في مسار المصالحة الوطنية، مستعرضا بدايات هذا الأدب في تسعينيات القرن الماضي، وكيف تحول من همسات خافتة إلى صرخة مدوية هزت أركان المجتمع، وكشفت عن جوانب مظلمة من تاريخ البلاد.
وأكد الوديع أن هذه الكتابات، التي صدرت في البداية بمبادرات فردية وعلى نفقة أصحابها، لم تكن مجرد شكوى أو تفريغ ألم، بل كانت شهادات حية على واقع مرير، وكشفًا لانتهاكات غير مقبولة لحقوق الإنسان. وأشار إلى أن الإقبال الكبير الذي حظيت به هذه الكتابات من طرف الرأي العام، يعكس تعطش المجتمع لمعرفة الحقيقة، وفضح الممارسات التي طالما طُمست.
ولم يغفل الوديع الجانب الأدبي لهذه الأعمال، مشيراً إلى أن تقييمها يظل مهمة الباحثين والنقاد، لكنه شدد على قيمتها التوثيقية والتاريخية، باعتبارها شهادات حية من مغاربة عاصروا تلك الأحداث، وعانوا من قسوتها. وأوضح أن هذا الأدب لم يكن مجرد صرخة ألم، بل كان مساهمة في النضال من أجل الديمقراطية، وكشفًا لواقع لا يمكن تبريره.
وأبرز الوديع كيف استطاعت هذه الكتابات، التي بدأت معزولة ومهمشة، أن تتحول إلى ظاهرة ثقافية، ومادة معتمدة من طرف مؤسسات الدولة. وأشار إلى أن توصية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في عام 2003 بضرورة المصالحة مع الماضي، وحفظ الذاكرة، كانت استجابة لمطالب منتدى الحقيقة والإنصاف، الذي ضم ضحايا الانتهاكات.
في ختام مداخلته، جدد الوديع التأكيد على أهمية توصية هيئة الإنصاف والمصالحة بإدماج هذه الأدبيات في البرامج التعليمية، بهدف تعريف الأجيال الصاعدة بتاريخ بلادهم، وبالمراحل الصعبة التي مرت بها، وكيف تم تجاوزها بطريقة مبتكرة. واعتبر أن تجربة العدالة الانتقالية في المغرب، والتي تجسدها هيئة الإنصاف والمصالحة، تعتبر من التجارب الرائدة على مستوى العالم، ويجب الاعتزاز بها.
ختم الوديع بالإشارة إلى أن الواقع لا يختفي، وأن هذه الكتابات وجدت طريقها إلى السينما والمسرح، لتتجاوز وضعية الهامشية، وتصبح مصدر إلهام لإبداعات أخرى، مؤكدًا أن هذا النجاح يجب أن يُسجل لأولئك الذين غامروا في البداية، وكتبوا شهاداتهم، لتصبح رصيدًا للوطن.
