يشهد ملف الصحراء المغربية تحولات لافتة في موازين الدعم الدولي، في وقت تزداد فيه الدعوات لإعادة توجيه مقاربة الأمم المتحدة نحو حل سياسي قائم على الواقعية، يتجسد في مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب.
هذا ما خلص إليه تقرير تحليلي جديد أصدره مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، تحت عنوان “الصحراء المغربية: هل يمكن للإجماع الدولي حول مخطط الحكم الذاتي أن يُحدث دينامية جديدة للأمم المتحدة؟”، والذي يسلط الضوء على التناقض الصارخ بين حالة الجمود التي تطبع مسار المفاوضات الأممية من جهة، والتنامي المتسارع للاعتراف الدولي بالطرح المغربي من جهة أخرى.
التقرير يشير إلى أن مقترح الحكم الذاتي بات يحظى بدعم واسع من دول كبرى، في مقدمتها الولايات المتحدة، إضافة إلى عدد متزايد من الدول الأوروبية والعربية والأفريقية، ما أدى إلى انسحاب أو تجميد اعتراف العديد من الدول بالكيان الانفصالي.
وحسب ما ورد في التقرير، فإن أزيد من 85% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لم تعد تعترف بالبوليساريو مع مطلع سنة 2025، ما يعكس تآكلًا شبه نهائي في الدعم الدولي لهذا الكيان. هذه الدينامية تُعزز، حسب معدّي التقرير، من واقعية المخطط المغربي وقابليته للتطبيق كحل نهائي لهذا النزاع الذي طال أمده.
ورغم هذه المعطيات الإيجابية، يسجل التقرير أن الأمم المتحدة ما زالت متأخرة عن مواكبة هذا التحول الدولي، إذ لم ينجح المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا منذ تعيينه في 2021 في تحريك عجلة المفاوضات. ويعزو التقرير هذا الفشل إلى الانقسامات داخل مجلس الأمن، فضلاً عن محدودية صلاحيات بعثة “المينورسو”، التي باتت عاجزة عن لعب دور فاعل في الدفع بالحل السياسي إلى الأمام.
أمام هذا الواقع، يدعو مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد إلى تبني مقاربة جديدة داخل الأمم المتحدة، تقوم على تجاوز منطق الانتظار والتحفظ، واعتماد رؤية استباقية تؤمن بأن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الخيار الوحيد الواقعي والقابل للتحقيق.
ويقترح التقرير أن يكون الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي في طليعة هذه الدينامية الجديدة، بدعم مباشر من مجلس الأمن، من خلال الانخراط في تيسير سبل تطبيق الحل المغربي، واستبعاد خيار الاستفتاء على تقرير المصير الذي لم يعد قابلاً للتنفيذ ميدانيًا ولا يحظى بأي دعم واقعي دولي.
كما يشدد التقرير على ضرورة تعزيز حضور الأمم المتحدة ميدانيًا في الأقاليم الجنوبية، عبر آليات دعم عملية لتنزيل النموذج التنموي الذي اعتمده المغرب، مع الاعتراف بالدور الاستراتيجي الذي تلعبه الرباط في استقرار المنطقة.
فالمغرب، وفق التقرير، لا يقدّم فقط حلاً سياسياً، بل يربط مقاربته بمشاريع اقتصادية وتنموية ملموسة تسهم في تحسين أوضاع السكان وتعزيز الأمن في محيط إقليمي متقلب.
ويخلص التقرير إلى أن مستقبل نزاع الصحراء المغربية سيُحدد بمدى قدرة الأمم المتحدة على التفاعل الجاد مع التغيرات المتسارعة في الموقف الدولي، وترجمتها إلى تحركات دبلوماسية وميدانية تدعم الحل السياسي الواقعي.
فالمسألة لم تعد مجرد صراع إقليمي أو ورقة تفاوضية، بل اختبار حقيقي لقدرة المنظمة الأممية على التكيف مع التحولات، والاضطلاع بدورها كفاعل محايد يسعى إلى تسوية عادلة ودائمة، منسجمة مع الشرعية الدولية ومبادئ السيادة والاستقرار