أعادت الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل إلى الواجهة نقاشًا قديمًا داخل التيارات الإسلامية في المغرب، يتعلق بموقع هذه التيارات من الاصطفافات الإقليمية، خصوصًا تلك المرتبطة بما يُعرف بمحور المقاومة.
وبينما تتصاعد وتيرة الصراع في الشرق الأوسط، بدأت مواقف الإسلاميين المغاربة تكشف عن تباينات واضحة في النظر إلى أطراف النزاع، وإلى الدور الذي تلعبه إيران في المنطقة.
فالتيارات ذات التوجه الحركي التقليدي، والتي تتبنى خطابًا سياسيًا معتدلاً وتمارس العمل من داخل المؤسسات، تتعامل بحذر مع السياسات الإيرانية، وترى في طموحات طهران عاملًا إضافيًا في تأجيج التوترات الطائفية والعرقية في المنطقة. في المقابل، تذهب مكونات أخرى من المشهد الإسلامي، خصوصًا ذات المرجعية الراديكالية أو الرافضة للاندماج في النظام السياسي القائم، إلى تبني خطاب أكثر تعاطفًا مع إيران باعتبارها من القوى الداعمة للمقاومة الفلسطينية.
ويأتي هذا الانقسام في سياق داخلي يتسم بحساسية عالية تجاه الملفات الإقليمية، لا سيما في ظل التطورات المرتبطة بالتقارب العربي الإسرائيلي، وتنامي الدعوات إلى مراجعة الاصطفافات الإيديولوجية التقليدية. كما يتغذى هذا الانقسام من التوتر التاريخي بين السنّة والشيعة، وهو ما يجعل من الموقف من إيران مسألة تتجاوز الجغرافيا السياسية إلى اعتبارات عقدية وثقافية.
من جهة أخرى، لا يخفي بعض الفاعلين الإسلاميين خشيتهم من الانجرار وراء استقطابات لا تخدم سوى الأجندات الخارجية، مؤكدين على مركزية القضية الفلسطينية بوصفها القضية الجامعة، دون الحاجة إلى الاصطفاف مع قوى دولية ذات طموحات توسعية أو حسابات معقدة.
وعلى مستوى القواعد الشعبية، يتجلى قدر من التردد والحيرة. فبين من يرى في إيران حليفًا موضوعيًا للمقاومة ضد إسرائيل، وبين من يحمّلها مسؤولية التدخل في شؤون دول عربية مجاورة، تظهر ملامح ارتباك في الرؤية والموقف، يعكسه النقاش الدائر على منصات التواصل الاجتماعي.
في المحصلة، تؤكد الحرب الحالية بين إيران وإسرائيل أن الإسلاميين المغاربة لم يعودوا كتلة واحدة متجانسة في المواقف والتقديرات، بل إن تباين قراءاتهم لما يحدث في الإقليم يكشف عن تحولات أعمق في أولوياتهم وخطاباتهم. ومن المرجح أن يستمر هذا الانقسام، بل ويتعمق، مع تصاعد حدة الاستقطاب الجيوسياسي في المنطقة، واحتدام النقاش حول حدود الالتزام الأيديولوجي مقابل البراغماتية السياسية.
