في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، أعربت هيئة شباب تامسنا الأمازيغي عن استنكارها الشديد لعدم إدراج حروف “تيفيناغ”، التي تمثل الكتابة الأمازيغية، في الورقة النقدية الجديدة التي طرحها بنك المغرب يوم أمس الأربعاء .
يأتي ذلك رغم ما ينص عليه الدستور المغربي والقانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وهو ما اعتبرته الهيئة انتهاكًا صارخًا للمرجعيات القانونية والدستورية التي تمثل الأساس لتفعيل الأمازيغية كلغة رسمية للمملكة.
تجاهل متكرر للأمازيغية
في بيانها، عبّرت الهيئة عن استغرابها الشديد من استمرار بنك المغرب في إصدار أوراق نقدية دون احترام مقتضيات الفصل الخامس من الدستور، والمادة 22 من القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية. هذا الموقف، بحسب الهيئة، يشكل استمرارًا لسياسة التمييز اللغوي ضد اللغة الأمازيغية، وهو ما يضر بصورة المؤسسات الرسمية للدولة ويضعف من ثقة المواطنين فيها.
وأكد البيان أن غياب الأمازيغية من الأوراق النقدية يُعَدّ سلوكًا “لا دستورياً” ويُشكل ضربة لمصداقية بنك المغرب، المؤسسة الوطنية المسؤولة عن إصدار العملة في البلاد. وتساءلت الهيئة: “كيف يمكن لمؤسسة سيادية كهذه أن تتجاهل أحد المكونات الأساسية للهوية الوطنية المغربية؟”.
مواقف متناقضة وتحذيرات من تراجع الثقة
رشيد أيت مبارك، عضو هيئة شباب تامسنا الأمازيغي، أشار في تصريح صحفي له إلى أن النشطاء الأمازيغ تفاجأوا مرة أخرى بإقصاء اللغة الأمازيغية من الورقة النقدية الجديدة. وأوضح أن هذا التكرار يعكس تناقضًا واضحًا في مواقف بعض المسؤولين تجاه اللغة الأمازيغية، مما يثير شكوكًا حول نواياهم الحقيقية بشأن الاعتراف الفعلي بها كجزء من التراث الثقافي والحضاري للمغرب.
وأضاف أيت مبارك أن عدم إدراج “تيفيناغ” في الأوراق النقدية يُظهر تناقضًا بين ما يُقال وما يُنفذ على أرض الواقع، حيث يتم التغني بأهمية اللغة الأمازيغية كمكون أساسي للهوية الوطنية، ولكن دون ترجمة ذلك في السياسات والممارسات الرسمية. وأشار إلى أن هذه الممارسات تُساهم في تراجع ثقة المواطنين في المؤسسات الرسمية، وتُعمق الشعور بالتمييز والإقصاء لدى شريحة واسعة من المغاربة.
الأمازيغية والهوية الوطنية
في سياق حديثه، شدد أيت مبارك على أن الأمازيغية تمثل مكونًا أساسيًا للثقافة المغربية، ولها جذور عميقة في تاريخ المغرب. وأشار إلى الاكتشافات العلمية الحديثة التي أثبتت أن أصل البشرية يعود إلى المغرب، مثل اكتشاف جمجمة “إيغود” بالقرب من تافوغالت، والتي يعود تاريخها لأكثر من 300 ألف سنة، ما يعزز من أهمية الحفاظ على اللغة الأمازيغية واستخدامها في جميع الأوراق الرسمية، بما فيها الأوراق النقدية والبطاقات الوطنية.
كما أكد الناشط الأمازيغي أن استمرار تجاهل اللغة الأمازيغية يُعَدُّ تحديًا لجهود الحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيز الانتماء الوطني. ودعا إلى ضرورة إدراج حروف “تيفيناغ” في جميع الوثائق الرسمية، بما في ذلك الأوراق النقدية، كمظهر من مظاهر الاحترام للغة الأم للمغاربة.
الورقة النقدية الجديدة: تصميم حديث وإشكاليات قديمة
تجدر الإشارة إلى أن بنك المغرب أصدر ورقة نقدية جديدة من فئة 20 درهمًا، كجزء من السلسلة الجديدة للأوراق النقدية والقطع النقدية، التي أُطلقت احتفاءً بعيد الشباب. وتسلط هذه الورقة الضوء على التراث المعماري المغربي والتطور الاجتماعي والثقافي للبلاد، حيث تحمل صورة الملك محمد السادس وشعار المملكة، إلى جانب زخارف معمارية مستوحاة من الأبواب المغربية ومنظر لجامعة القرويين بفاس.
وعلى ظهر الورقة، تظهر رسومات تمثيلية فنية لمسرح الرباط الكبير، ومتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر، ومدرج لمنشأة رياضية، بالإضافة إلى رسم لقصبة آيت بن حدو. كما أُدمجت في الورقة النقدية الجديدة أحدث تقنيات الأمان، مثل خيط الأمان المتغير اللون، والشريط القزحي على الظهر، والعلامات البارزة لضعاف البصر، والأرقام التسلسلية التصاعدية، وذلك بحسب ما ذكره بنك المغرب.
نقاش متجدد حول الهوية واللغة
على الرغم من التصاميم الحديثة والتقنيات المتطورة المستخدمة في الورقة النقدية الجديدة، إلا أن إقصاء “تيفيناغ” أثار نقاشًا متجددًا حول هوية المغرب ولغاته الرسمية. ويرى العديد من النشطاء أن تجاهل اللغة الأمازيغية في مثل هذه الإصدارات يُعَدّ انعكاسًا لسياسات أوسع نطاقًا تُعنى بتمكين لغة على حساب أخرى، وهو ما يعتبره البعض إهدارًا لفرصة تعزيز الوحدة الوطنية عبر احترام جميع مكونات الهوية المغربية.
وبينما يواصل بنك المغرب إصدار أوراق نقدية جديدة تعكس التطورات الاجتماعية والثقافية في البلاد، تظل مسألة إدراج اللغة الأمازيغية في هذه الأوراق موضوعًا محوريًا يثير الجدل والنقاش بين مختلف الأطراف المعنية.
وفي ظل هذه المعطيات، يبقى التساؤل مفتوحًا حول متى سيتم احترام مقتضيات الدستور بشكل كامل، وضمان حضور “تيفيناغ” في جميع الرموز الوطنية، كخطوة أساسية نحو تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وتعزيز مكانتها كلغة وثقافة في المغرب.