يواصل الاقتصاد المغربي تحقيق نمو مستقر رغم التحديات الاقتصادية الإقليمية والدولية، حيث توقع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أن يسجل المغرب نموًا بنسبة 3.6% خلال سنة 2025، قبل أن ينخفض بشكل طفيف إلى 3.4% في 2026.
وتعزى هذه التوقعات الإيجابية إلى مجموعة من العوامل، أبرزها انخفاض فاتورة واردات الطاقة، وزيادة التحويلات المالية، وارتفاع عائدات السياحة، والأداء القوي لصادرات قطاع السيارات، التي تشهد ازدهارًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة.
وفيما شهد الاقتصاد المغربي نمواً بنسبة 3.0% في 2024، مقارنة بـ 3.4% في 2023، فإن هذا التباطؤ الطفيف لا يعكس تراجعًا هيكليًا بقدر ما يعكس تأثيرات بعض العوامل الظرفية، مثل الجفاف الذي أثر سلبًا على القطاع الزراعي، الذي لا يزال يمثل قطاعًا حيويًا للاقتصاد الوطني.
ورغم هذا التحدي، فإن الصناعات الاستخراجية والتصنيع والبناء سجلت توسعًا ملحوظًا، مما ساهم في الحفاظ على زخم النمو الاقتصادي.
على مستوى السياسة النقدية، اتخذ بنك المغرب خطوة غير مسبوقة في يونيو 2024 بخفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس ليصل إلى 2.75%، ليصبح بذلك أول بنك مركزي في شمال إفريقيا يعتمد سياسة نقدية تيسيرية، تهدف إلى تعزيز الاستثمار ودعم النمو الاقتصادي.
وقد جاء هذا القرار في ظل استقرار التضخم عند 2.5% في الربع الأخير من 2024، مقارنة بـ 2.3% في الربع السابق، مما يعكس تحكمًا نسبيًا في الأسعار، رغم الضغوط التي فرضتها بعض المتغيرات الخارجية.
أما على صعيد المالية العامة، فقد أظهر الاقتصاد المغربي قدرة على تقليص العجز، حيث بلغ عجز الميزانية 4% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، وهو ما يعد تحسنًا مقارنة بالتوقعات السابقة، وذلك بفضل ارتفاع الإيرادات الضريبية وتحسن أداء المالية العامة.
وفيما يتعلق بالديون، سجل الدين الحكومي انخفاضًا إلى 69.5% من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كان قد بلغ ذروته عند 72.2% في 2020، مما يعكس جهود المغرب في ضبط المالية العامة وتقليل الاعتماد على الاقتراض الخارجي.
فيما يخص التبادل التجاري، لا يزال الحساب الجاري يعاني من عجز بنسبة 1.6% من الناتج المحلي الإجمالي بين يناير وسبتمبر 2024، إلا أن هذا العجز مرشح للانخفاض بفضل تقليص فاتورة الواردات الطاقية، وزيادة التحويلات المالية من المغاربة المقيمين بالخارج، فضلاً عن النمو القوي في إيرادات السياحة وصادرات قطاع السيارات، التي شهدت ارتفاعًا بنسبة 20% مقارنة بالعام السابق.
كما يستفيد المغرب من اتفاقيات التجارة الحرة، خاصة مع الولايات المتحدة، مما يعزز فرص الاستثمارات الأجنبية، لا سيما في قطاعات التكنولوجيا النظيفة والصناعات المتقدمة، التي باتت تشكل محورًا استراتيجيًا في توجهات المغرب التنموية.
في السياق الإقليمي، أشار تقرير البنك الأوروبي إلى أن منطقة البحر الأبيض المتوسط الجنوبية والشرقية، التي تشمل المغرب ومصر والأردن ولبنان وتونس، ستشهد تحسنًا في معدلات النمو، حيث من المتوقع أن يرتفع من 2.5% في 2024 إلى 3.7% في 2025، ثم إلى 4.1% في 2026. وفي الوقت الذي تواجه فيه بعض الاقتصادات، مثل لبنان ومنغوليا وطاجيكستان، تحديات مالية وخارجية معقدة، يظل المغرب في موقع أكثر استقرارًا بفضل سياسته المالية الحذرة وإصلاحاته الهيكلية.
ويعمل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بشكل وثيق مع المغرب لدعم مشاريعه التنموية، لا سيما من خلال تعزيز الاستثمارات في البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية الحيوية، مما يسهم في تعزيز استدامة النمو الاقتصادي.
وفي ظل هذه الديناميات، يواصل المغرب السير بخطى ثابتة نحو تحقيق التوازن بين متطلبات النمو والاستقرار المالي، رغم التحديات التي تفرضها المتغيرات العالمية والإقليمية.