كشف الدكتور جواد المبروكي عن واقع المرأة العاملة في المجتمع المغربي، متناولاً التحديات المتعددة التي تواجهها يوميا، والتي تتجاوز حدود الصعوبات المهنية لتشمل أعباء منزلية وأسرية تضاعف معاناتها. وفقاً للمبروكي، فإن المرأة العاملة في المغرب تقف على مفترق طرق صعب بين طموحها المهني وتحقيق ذاتها من جهة، والواجبات التقليدية التي يفرضها عليها المجتمع من جهة أخرى.
ويرى المبروكي وهو يتحدث لموقع “فبراير.كوم”، أن الإشكالية الرئيسية تكمن في عدم المساواة المتجذر في الثقافة المغربية، حيث يعتبر المجتمع أن المرأة، وإن كانت موظفة، تبقى المسؤولة الأولى والأخيرة عن شؤون المنزل.
فالمرأة العاملة تجد نفسها في موقف لا تحسد عليه، تُثقل كاهلها مسؤوليات متعددة من تربية الأطفال، ومتابعة دراستهم، وتحضير الفروض المدرسية، وإدارة شؤون المنزل، بالإضافة إلى التزاماتها المهنية خارج البيت. هذا الوضع يجعلها، بحسب المبروكي، “ضحية عدم المساواة” بين الجنسين، حيث يتوقع منها أن تنجح في كل هذه المجالات دون أن يقدم لها المجتمع، وخاصة الزوج، الدعم اللازم.
وأكد المبروكي على أن “البيت الزوجي هو مؤسسة تحتاج إلى إدارة مشتركة بين الزوجين، ولا يمكن أن تقع مسؤوليتها على طرف واحد. لكن الثقافة المغربية، للأسف، ترسخ فكرة أن المرأة هي المسؤولة عن هذه المؤسسة، بينما يكتفي الزوج بتوفير الجانب المادي”.
يقول المبروكي: “الزوج في الثقافة المغربية مستقيل هو على هذه الوظيفة المنزلية أو الواجبات المنزلية، لأن في الثقافة المغربية يوجد اعتبار أن المرأة عندها واجبات منزلية والزوج ليس لديه واجبات منزلية،لديه واجبات مادية فقط”. هذا العبء المزدوج يرهق المرأة العاملة ويحد من قدرتها على التقدم في حياتها المهنية.
وتطرق المبروكي أيضاً إلى معاناة فئة أخرى من النساء العاملات، وهن الموظفات العازبات اللواتي يتحملن مسؤولية الإنفاق على أسرهن، فبمجرد حصول البنت على وظيفة، يتنصل الأب في كثير من الأحيان من مسؤولياته المادية، ويعتمد الإخوة عليها مالياً.
فهي لا تستفيد من راتبها الذي يذهب كاملا لتغطية نفقات الأسرة، ولا تتمتع بالحرية الشخصية التي من المفترض أن يوفرها لها استقلالها المادي. تصبح هذه المرأة، وفقاً للمبروكي، “بحال واحد العبدة ديال ديك الدار، كتمشي تخدم باش كتجيب شنو ياكلوا”.
وأشار المبروكي إلى أن المشكلة تتعمق بسبب استمرار ثقافة المنافسة بين الرجل والمرأة في المجتمع المغربي، بدلاً من التكامل والمساواة. فما زال الكثير من الرجال يعتقدون أن “المرأة البلاصة ديالها في الدار”، وأن دورها الأساسي هو العناية بالبيت والأطفال والزوج. هذه النظرة تنعكس في العبارة المشهورة التي يسمعها معظم النساء العاملات: “أنت اللي بغيتي تخدمي”، والتي تلقي بكامل المسؤولية على عاتق المرأة وتعفي الرجل من أي دور في دعمها.
لكن المبروكي يشدد على أن هذه المعادلة غير العادلة تهدف في النهاية إلى إبقاء المرأة تحت سيطرة الرجل، حتى لو كانت متعلمة وموظفة ومستقلة مادياً. يقول: “منساوش أن قديم الزمان والرجل كيحطم المرأة باش كتبقى تحت السيطرة ديالو”. فالتحطيم النفسي للمرأة من خلال تحميلها أعباء فوق طاقتها، ومن ثم التقليل من شأن عملها وإنجازاتها، هو أسلوب للهيمنة والسيطرة.
وهناك ظاهرة أخرى يلفت إليها المبروكي، وهي دفع بعض الرجال لزوجاتهم للعمل، ليس بهدف تمكينهن أو تحقيق ذواتهن، بل طمعاً في الراتب الشهري الذي سيدخل البيت. وبمجرد أن تبدأ المرأة بالعمل، يزداد الضغط المادي عليها من خلال الالتزامات الجديدة كشراء شقة أو سيارة بالتقسيط، مما يجعلها غير قادرة على التوقف عن العمل حتى لو أرادت ذلك. تصبح المرأة، كما يقول المبروكي، “كتخدم بين قوسين بحال واحد العبد وصافي”.
ووجه المبروكي رسالة واضحة للرجال، داعياً إياهم إلى تبني ثقافة المساواة والتعاون. يقول: “المرأة بحالها بحالنا احنا الرجال، الحوايج اللي كتبغيهم أنت حتى هي كتبغيهم، الحقوق اللي باغيها أنت حتى هي كتبغيها”. ويدعو إلى خلق بيئة أسرية قائمة على الشراكة الحقيقية، حيث يتقاسم الزوجان المسؤوليات المنزلية وتربية الأطفال بشكل متساوٍ، دون تمييز بين أدوار الأب والأم.
وأكد المبروكي أن قرار المرأة بالعمل خارج المنزل أو البقاء فيه ينبغي أن يكون نابعاً من حريتها الشخصية وسعيها لتحقيق ذاتها، وليس نتيجة ضغوط خارجية. والأهم من ذلك، يجب أن يكون هذا القرار محترماً ومدعوماً من قبل الزوج والأسرة والمجتمع، فالمساواة الحقيقية تبدأ باحترام خيارات المرأة وتوفير الدعم اللازم لها، سواء اختارت العمل خارج المنزل أو البقاء فيه.
وفي خاتمة حديثه، أشاد المبروكي على أهمية تربية الأجيال القادمة على قيم المساواة والتعاون، مضيفا أن التغيير الحقيقي يبدأ من الأسرة، ومن خلال تقديم نموذج إيجابي للأطفال عن العلاقة المتكافئة بين الرجل والمرأة، يمكن بناء مجتمع أكثر عدالة ومساواة في المستقبل.