أجرت قيادة جبهة البوليساريو سلسلة من التغييرات الهيكلية الهامة، مستهدفة مناصب دبلوماسية وسيادية حساسة.
ووفقًا لمراقبين، تهدف هذه التعديلات إلى تعزيز قبضة الزعيم الحالي، إبراهيم غالي، على قيادة التنظيم المسلح المتمركز في تندوف الجزائرية، في محاولة لاحتواء حالة سخط متزايدة داخل بعض الأوساط القيادية بسبب طريقة إدارة النزاع مع المغرب وتوالي الانتكاسات الدبلوماسية أمام التقدم المغربي على الساحة الدولية.
وشملت أبرز التغييرات إقالة من يُسمى “وزير الخارجية”، محمد سيداتي، وتعيين محمد يسلم بيسط خلفًا له. كما طالت التعديلات منصبًا ذا ثقل كبير، وهو “سفير الجبهة” لدى الجزائر، حيث أُعفي عبد القادر الطالب عمر من مهامه، وأُسندت إليه حقيبة وصفت بالهامشية وهي “التعليم والتكوين المهني” في المخيمات، ليحل محله خطري أدوه.
ويرى متابعون للشأن الصحراوي إلى أن التغيير الأبرز هو إقالة “سفير البوليساريو” في الجزائر، عبد القادر الطالب عمر، الذي شغل سابقًا منصب الوزير الأول لفترة طويلة، ونُقل إلى وزارة تُعتبر أقل أهمية. ويثير تعيين السفير الجديد في الجزائر، بالتزامن مع اقتراب مؤتمر البوليساريو، تساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذه الخطوة، خاصة بالنظر إلى ثقل هذا المنصب ودور شاغله السابق كواجهة للجبهة ومنسق رئيسي مع الجانب الجزائري.
وتعتبر بعض التحليلات أن تعيين وزير خارجية جديد ينتمي إلى نفس الدائرة المقربة من الزعيم الحالي، هو خطوة يُراد بها تعزيز الجناح الموالي لغالي في مواجهة قيادات أخرى يُعتقد أنها غير راضية عن طريقة تسييره وقد تسعى لمنافسته في المؤتمر القادم. ويُعتقد أن الهدف الأساسي من وراء هذه الحركة هو إزاحة شخصيات قد تشكل تحديًا مستقبليًا، كجزء من التحضير للمؤتمر القادم.
وتفيد تقارير من داخل المخيمات بوجود حالة من “الغليان الداخلي” ناتجة عن عدم رضا بعض القيادات والنشطاء عن إدارة غالي للملف، وأن هذه التغييرات تأتي في سياق محاولته “قطع الطريق أمام أي مرشح منافس” عبر تثبيت الموالين له في المناصب الحساسة لضمان حسم قيادة الجبهة لصالحه.
على صعيد آخر، يرى محللون أن هذه الإقالات قد تكشف عن تحولات أو خلافات في الرؤية السياسية، أو ربما صراع خفي على السلطة داخل قيادة البوليساريو، وهو أمر ظهرت مؤشراته سابقًا، ويتغذى من فشل الجبهة في تحقيق أهدافها على المستوى الخارجي، مثل الحصول على اعترافات دولية جديدة أو تحقيق اختراقات دبلوماسية.
ويُنظر إلى الأسماء التي شملتها هذه التغييرات على أنها قد تكون بمثابة “أكباش فداء” تسعى القيادة من خلال إبعادها إلى تهدئة الجبهة الداخلية المتوترة، خاصة في ظل ضغوط متزايدة من شباب المخيمات، وشعور عام بالإحباط، وغياب أفق سياسي واضح. ويُلاحظ أن توقيت هذه الإقالات جاء بعد سلسلة من الانتكاسات الخارجية التي منيت بها جبهة البوليساريو، مقابل تنامي الدعم الدولي لخطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب.
ويُشدد على أن هذا التجديد لا يبدو أنه يرقى إلى مستوى خطة مدروسة تهدف لضخ دماء جديدة أو تبني استراتيجية سياسية مختلفة، بل يُرجح أنها إجراءات ظرفية تهدف لاحتواء الانتقادات والفشل المتراكم أمام التحركات الناجحة للدبلوماسية المغربية. ومن المتوقع أن يكون تأثير هذه التغييرات محدودًا في ظل ما يوصف بـ”ضيق الأفق وغياب الرؤية السياسية، والزاوية الضيقة التي حُشرت فيها البوليساريو على المستوى الدولي”.