الرئيسية / حوارات / بين الوثائق السرية والتاريخ الشفوي.. موساتي يقدم رؤية شاملة لإعادة كتابة تاريخ المغرب

بين الوثائق السرية والتاريخ الشفوي.. موساتي يقدم رؤية شاملة لإعادة كتابة تاريخ المغرب

موساتي
حوارات
فبراير.كوم 09 أبريل 2025 - 00:00
A+ / A-

في حوار خاص مع موقع “فبراير.كوم”، قدم الباحث في التاريخ والتراث، يوسف موساتي، قراءة معمقة لدراسة حديثة للباحث التشيكي “يان كورا”، والتي ألقت الضوء على علاقة بن بركة بالاستخبارات التشيكوسلوفاكية في ستينيات القرن الماضي. الدراسة، التي اعتمدت على وثائق سرية رُفع عنها الحجاب مؤخراً، قدمت صورة مركبة لبن بركة، بعيداً عن التبسيط والاختزال.

وأشار موساتي إلى أن الدراسة لم تتهم بن بركة بالجاسوسية بالمعنى التقليدي، بل وصفته بأنه “متصل سري”، وهو مصطلح استخباراتي أشار إلى شخصية قيادية تعاونت مع جهاز استخباراتي معين، مع احتفاظها بهامش من الحرية والاستقلالية. هذا التعاون، وفقاً للدراسة، بدأ في أوائل الستينيات، حين كان بن بركة في منفاه الاختياري بفرنسا، وكانت تشيكوسلوفاكيا تسعى لتعزيز نفوذها في المغرب، الشريك الاقتصادي الأول لها في أفريقيا.

وكشفت الوثائق عن تبادل للمعلومات والتقارير بين بن بركة والاستخبارات التشيكوسلوفاكية، مقابل دعم مالي. لكن الدراسة أشارت أيضاً إلى خيبة أمل التشيكوسلوفاكيين من طبيعة التقارير التي قدمها بن بركة، والتي كانت في الغالب صحفية وليست استخباراتية بالمعنى الدقيق.

ولم تقتصر علاقة بن بركة على التشيكوسلوفاكيين، بل امتدت لتشمل الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة والصين، وحتى بعض الأطراف داخل المغرب. أوضح موساتي أن بن بركة كان يسعى للاستفادة من هذه العلاقات المتشابكة لتحقيق أهدافه السياسية، بما في ذلك طموحه لقيادة الحكومة في المغرب، والسعي لرئاسة منظمة الوحدة الأفريقية الآسيوية.

الدراسة كشفت أيضاً عن طلب بن بركة تدريب معارضين اتحاديين في الجزائر على السلاح، وهو ما رفضته تشيكوسلوفاكيا لتجنب الصدام مع النظام المغربي. هذا الرفض، بالإضافة إلى الكشف عن علاقة بن بركة بالتشيكوسلوفاكيين لبعض الاتحاديين، أثار انتباه المخابرات المغربية والأمريكية، وزاد من تعقيد المشهد.

وبقي السؤال الأهم: من المستفيد من اغتيال بن بركة؟ طرح موساتي عدة فرضيات، شملت الاتحاد السوفيتي الذي ربما خشي من تقارب بن بركة مع الصين، والنظام المغربي الذي كان يرى في بن بركة تهديداً مباشراً، والمخابرات الأمريكية التي استفادت من التوتر الدبلوماسي بين فرنسا والمغرب عقب الاغتيال.

أكد موساتي أن اغتيال بن بركة كان عملية استخباراتية معقدة، تورطت فيها عدة أطراف، وأن الحقيقة الكاملة ربما لن تُكشف إلا برفع السرية عن جميع الوثائق المتعلقة بالقضية في مختلف الدول المعنية.

بعيداً عن الجدل حول شخصية بن بركة، شدد موساتي على أن فهم ملابسات اغتياله كان ضرورياً لفهم جزء كبير من الصراعات السياسية التي شهدها المغرب في تلك الحقبة. فالوثائق والدراسات الجديدة، رغم التحفظات التي قد أثيرت حولها، قدمت معطيات مهمة لفهم طبيعة العلاقات بين القوى السياسية المختلفة في المغرب، ودور العوامل الخارجية في تشكيل المشهد السياسي.

بقيت قضية المهدي بن بركة لغزا مفتوحا، احتاج إلى المزيد من البحث والتدقيق. لكن الأهم كان أن يتم التعامل مع هذه القضية بعيداً عن التقديس أو التجريح، وأن يُسعى لفهمها في سياقها التاريخي والسياسي، كجزء من تاريخ المغرب المعاصر الذي لا يزال يلقي بظلاله على الحاضر.

في خضم الكم الهائل من المصادر التاريخية المتنوعة التي تتناول تاريخ المغرب، يستدعي الباحث في التاريخ والتراث يوسف موساتي ضرورة إعادة النظر في كيفية قراءة وتفسير هذه المصادر، وذلك ضمن الحلقة الأولى من برنامج “ما لم يُرو” الذي أطلقه موقع فبراير.كوم.

يشرح موساتي أن المصادر التاريخية المغربية متنوعة، منها المكتوبة بشقيها الرسمية وغير الرسمية. المصادر الرسمية تتمثل في الكتب التي بدأت مع الفترة المرينية مثل “زهرة الآس” و”روض القرطاس” وصولاً إلى “كتاب الاستقصا في تاريخ المغرب الأقصى” وغيرها من المؤلفات التي تعبر عن وجهة النظر الرسمية للدولة، حيث كان مؤلفوها غالباً من المقربين للسلاطين والوزراء.

أما المصادر غير المباشرة فتشمل كتب النوازل التي تعطي صورة عن الحياة الاجتماعية والمشاكل اليومية التي كانت تواجه الناس. يستشهد موساتي بظاهرة اجتماعية برزت في القرن السادس عشر حيث انتشرت حالات هروب النساء مع عشاقهن وترك أزواجهن، مما أدى إلى كتابة الفقهاء لأحكام وفتاوى حول هذه الظاهرة.

ويضيف موساتي أن هناك أيضاً كتب الحسبة التي توضح آليات تسيير المجتمع، وكتب الرحالة الذين زاروا المغرب وقدموا وصفاً للمدن والأبواب والأسوار. لكن المهم، حسب موساتي، هو أن جميع هذه المصادر تعكس زاوية نظر معينة لمؤلفيها، سواء كانوا فقهاء أو مؤرخين أو رجال دولة أو رحالة، وبالتالي فهي لا تمثل الحقيقة المطلقة بل الحقيقة من وجهة نظر كاتبها.

يتعدى موساتي المصادر المكتوبة ليسلط الضوء على التاريخ الشفوي، معتبراً إياه “كتابة على الجسد والعقول”. فالروايات الشفوية والحكايات والأساطير ليست مجرد خرافات كما يعتقد البعض، بل هي رؤية مجازية للتاريخ، تعكس ذهنيات المجتمع وتصوراته.

ويقدم موساتي أمثلة توضيحية من التراث الثقافي المغربي، مثل الرقصات التي تختلف من منطقة لأخرى وتعكس طبيعة الحياة فيها. فمناطق الشرق والمناطق القبلية التي كانت في حالة توتر دائم تميزت رقصاتها باستخدام السلاح والضرب القوي على الأرض كرمز للتمسك بالأرض. كما يشير إلى الموسيقى، وخاصة “العيطة” التي تعتبر توثيقاً مهماً لتاريخ المناطق والمعارك، حيث يمكن من خلالها التعرف على تفاصيل الأحداث حتى التي قد تخالف السرديات الرسمية.

يعتبر موساتي أن علم الآثار هو المؤهل الأول اليوم لإعادة كتابة تاريخ المغرب. فالاكتشافات الأثرية قلبت العديد من المسلمات التاريخية، مثل قصة فاطمة الفهرية التي يرى أنها “اختلاق أسطوري” وفقاً للأدلة الأثرية.

ويشير إلى أن المغرب يمثل حلقة أساسية في فهم التاريخ البشري، حيث تم اكتشاف أقدم إنسان عاقل، وأقدم عملية جراحية، وأقدم استخدام للملابس والأدوات الطبية وغيرها.

لكن موساتي ينبه إلى إشكالية مهمة تتعلق بعلم الآثار في المغرب، وهي ارتباطه في بداياته بالرؤية الاستعمارية. فقد بدأ هذا العلم في أواخر القرن التاسع عشر بهدف إثبات أن المغرب كان امتداداً جغرافياً للإمبراطورية الرومانية، وأن الحضارة جاءت للمغرب مع الرومان.

يدعو موساتي إلى ضرورة النقد الإبستمولوجي لعلم الآثار والتحرر من المنطلقات التي سطرتها الأركيولوجيا الفرنسية والرؤية الاستعمارية. ويشيد بالعمل الذي قام به الأستاذ أحمد شعبان الذي اقترح منهجاً جديداً للبحث الأثري ينطلق من الميدان إلى النص، عكس المنهج الفرنسي الذي ينطلق من النصوص.

ويختم موساتي بالقول إن تاريخ المغرب بأكمله يحتاج إلى إعادة نظر، وأنه إذا تم تبني المنهج الجديد وتحرير علم الآثار من الرؤية الاستعمارية، فسيتم اكتشاف حقائق جديدة ستغير نظرتنا لتاريخنا.

السمات ذات صلة

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة