أستاذ جامعي: تاريخ كرة القدم المغربية يحتاج لإعادة قراءة بعيداً عن العاطفة
فتح الأستاذ الجامعي والباحث في التاريخ، مراد زروق، ملف تاريخ كرة القدم المغربية، لا سيما خلال الفترة الاستعمارية، مقدماً قراءة جديدة تتجاوز المنطلقات العاطفية وتستند إلى المنهج الأكاديمي الصارم. يكشف زروق عن تحديات البحث في هذا المجال، مسلطاً الضوء على قضية الأرشيف المفقود وضرورة إعادة النظر في سرديات سائدة.
وفي حديث ثري لموقع “فبراير.كوم”، انطلق زروق من تجربة شخصية تتعلق بنادي الوداد البيضاوي، حيث يتذكر موقفاً قديماً رُسم فيه الوداد بـ”نادي السباحة” على جدار كلية الآداب بعين الشق بشكل “قدحي”، وكأن السباحة “أصبحت وصمة عار”. يؤكد الأستاذ أن مفهوم “النادي متعدد الفروع” كان متداولاً وطبيعياً آنذاك، وهناك أندية كثيرة كانت كذلك. هذا الانتقاد الذي لا يستند إلى أسس أكاديمية يؤكد الحاجة إلى فهم السياقات التاريخية.
في تحليله لتأسيس نادي الرجاء البيضاوي، يربطه زروق ارتباطاً وثيقاً بنادي الفتح البيضاوي وعصبة فرق الأحياء أو “العصابة الحرة” (المعروفة أيضاً بـ”العصابة المسلمة”). يوضح أن الأعضاء المسيرين لنادي الفتح هم أنفسهم من أسسوا نادي الرجاء لاحقاً.
كانت “العصابة الحرة” رداً على عرقله تأسيس الأندية المغربية، ونتيجة لتغلغل حزب الاستقلال في الأحياء. هذا الوضع جعل السلطات الفرنسية تتوجس منها وتحاول إدماجها في “العصابة المغربية لكرة القدم” النظامية. إلا أن المفاوضات فشلت لأن الإدماج كان سيخل بالتوازن ويمنح المغاربة عدداً أكبر من الأصوات. في هذا السياق، يرى زروق أن تأسيس الرجاء كان “مناورة” من أعضاء نادي الفتح للحصول على موطئ قدم في كلتا العصبتين، قبل أن يكتب له البقاء ويصبح أحد أكبر الأندية المغربية، بينما اختفى الفتح. ويؤكد أنه لم يجد ما يشير إلى وجود أي “اندماج” بين الأندية خلال الفترة الاستعمارية، وهو مصطلح يرى أنه اكتسب حساسية مفرطة اليوم.
يواجه زروق، الذي يعمل بشكل فردي، تحديات جمة في بحثه. يؤكد أن تاريخ كرة القدم المغربية في السياق الاستعماري يحتاج إلى جهد كبير وتنويع للمصادر، إذ لا يمكن الادعاء بتقديم تاريخ متكامل بالتركيز على منطقة الحماية الفرنسية فقط، بل يجب أن يشمل البحث كل مناطق النفوذ الأربع (الفرنسية، الشمالية، الجنوبية، وطنجة الدولية).
ويضع زروق يده على الجرح الأكبر: الأرشيف. ففي رأيه، النادي الوحيد الذي يملك أرشيفاً هنا في المغرب هو الوداد، لكنه ملك لعائلة بنجلون (الرئيس المؤسس محمد بنجلون)، مما شكل تحدياً لبحثه. يعرب الأستاذ عن أسفه لعدم اهتمام الأندية بتاريخها، وعدم سعيها للحفاظ على ذاكرتها وتأسيس متاحف خاصة بها واستعادة الكؤوس الضائعة. وينتقد المسيرين الذين يهتمون بالنتائج فقط على المدى القريب، على حساب الحفاظ على إرث النادي.
وفي لفتة تاريخية مهمة، يشيد زروق بدور الأستاذ عبد القادر بنجلون (رئيس الوداد في سنة 1943) الذي أنقذ الفريق من الزوال وترافع عنه بشجاعة أمام السلطات الفرنسية، وقام بتحويل كل الوثائق في حوزته إلى الرئيس المؤسس محمد بنجلون، مما يؤكد أهمية دور العائلات في حفظ ذاكرة الرياضة الوطنية.
يختتم مراد زروق حديثه بدعوة عامة للمغاربة إلى “إعادة النظر في كل ما كتب حول الجمعيات الرياضية”، لأنها غالباً ما كُتبت “من منطلقات عاطفية” أو ركزت على الإحصاء والأمجاد فقط. يدعو إلى “أعمال الجهد الأكاديمي” للنظر إلى هذه الجمعيات من منظور علاقتها بالنخب وبالطبقة العمالية وكيفية توظيفها من قبل الفاعلين المختلفين، سواء داخل الإدارة الاستعمارية أو خارجها.
ويشدد الأستاذ الجامعي: على ضرورة “تجاوز الرؤية العاطفية” للفترة الاستعمارية، وتجاوز التقسيمات المبسطة بين “الحركة الوطنية” و”المتعاونين”، وفهم الظروف التي تصرف فيها كل فاعل. فـ”لا يزال أمامنا الشيء الكثير” لفهم تاريخنا بكل جوانبه، وهذا ما يسعى إليه عمل مراد زروق الطموح.