أكد الدكتور دداي بيبوط، الباحث في التاريخ الحديث والمعاصر، أن دخول الجزائر إلى ملف الصحراء في بداية السبعينيات، والذي بدأ كـ”دولة مهتمة غير معنية بشكل مباشر”، تحول إلى تبني كامل للسردية الإسبانية القائمة على “نظرية الأرض الخلاء”، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع موقفها التاريخي الرافض لهذه النظرية إبان مفاوضات إيفيان لاستقلالها.
وفي حوار مع موقع “فبراير.كوم”، أوضح الدكتور بيبوط أن المفاوضين الجزائريين، مثل كريم بلقاسم وأحمد بن بلة، رفضوا بشدة محاولات فرنسا اعتبار الصحراء الجزائرية “أرضًا خلاء” لا تتبع لأي سيادة قبل الاستعمار، بهدف استثنائها من مفاوضات الاستقلال. وأضاف: “إذا كان المفاوض الجزائري قد رفض هذه النظرية بالنسبة للتراب الجزائري، فإن الجزائر بعد حكم هواري بومدين تبنتها بشكل كامل في الحالة الإسبانية المتعلقة بالصحراء.”
وأشار الباحث إلى أن الجزائر توافقت مع الطرح الإسباني الذي صور المنطقة كأرض خالية من السكان أو بها فقط رحل لا ارتباط لهم بالدولة المغربية، بهدف ترسيخ الوجود الإسباني. وتابع أنه بعد فشل إسبانيا في تمرير هذه السياسة وخروجها عام 1975، خاصة بعد التحاق قادة حزب الاتحاد الوطني الصحراوي (PUNS) مثل المناضل خطري ولد سيدي ولد الجماني بوطنهم الأم المغرب، “ركبت الجزائر مباشرة على هذا الملف”.
وأوضح الدكتور بيبوط أن الجزائر، التي كانت تعارض بعض جوانب التدبير الإسباني قبل 1975، قبلت بكل شيء بعد إحكام قبضتها على الشباب الذين أسسوا جبهة البوليساريو، وروجت للسردية الإسبانية في إفريقيا، خاصة بعد دخول منظمة البوليساريو إلى منظمة الوحدة الإفريقية. ووجد هذا الطرح، حسب الباحث، آذانًا صاغية في دول إفريقيا الاستوائية وجنوب الصحراء، التي اعتبرها “شعوبًا قاومت الاستعمار ولكن أغلبها ليس له تاريخ مؤسسي قديم أو دول قبل الفترة الاستعمارية”، بينما لم يلق نفس الصدى في دول الساحل والسودان الغربي ذات العلاقات التاريخية مع المغرب.
واعتبر الدكتور بيبوط أن هذا التدخل الجزائري “أدى إلى تمطيط هذا الملف وخروجه عن المنطق”، مؤكدًا أن “عدم انخراط السلطات الجزائرية في الملف هو الذي يعرقل العملية ويعرقل أيضًا رجوع الساكنة الصحراوية إلى مناطقها والعديد من الحلول”. وأضاف أن العديد من الدول الإفريقية بدأت تفهم حقيقة المشكل وفتحت قنصلياتها في المدن الجنوبية المغربية، إدراكًا منها لاستكمال المغرب لوحدته الترابية التي قسمها الاستعمار، وأن الحدود بين المناطق التي استرجعها المغرب تدريجيًا كانت “وهمية” ارتبطت بالتدبير الاستعماري.
وفيما يتعلق بالحلول المقترحة، أشار الدكتور بيبوط إلى أن مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب عام 2007 يلقى رواجًا كـ”خطة عادلة ومنطقية” يمكن أن تكون حلاً جذريًا للمعضلة التي أدت إلى انقسام الأسر وتأخير التنمية في شمال إفريقيا وتعطيل مسيرة المغرب العربي.
ورفض الدكتور بيبوط ترجيح “نظرية المؤامرة” القائلة بأن الغرب لا يريد حل ملف الصحراء لتفادي تشكيل اتحاد مغاربي قوي، مؤكدًا أن “الأشكال الأساسي الذي تعانيه المنطقة هو تعنت من جانب الجارة الشرقية (الجزائر)”. واعتبر أن تعطيل مسار التكامل في شمال إفريقيا يأتي أساسًا من الجزائر، وأن المعضلات المتعلقة بالتنمية مرتبطة بالتدبير السياسي للحكومات أكثر من ارتباطها بسياسات غربية.