تحظى زيارة وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان للمغرب في الفترة من 21 إلى 23 أبريل الجاري باهتمام كبير، نظرا لأهمية المحطات التي سيمر بها والملفات الشائكة التي سيناقشها مع مسؤولين مغاربة.
وحسب ما تداولته تقارير صحفية أجنبية، ستكون قضية الاستعدادات الأمنية لاستضافة فرنسا لدورة الألعاب الأولمبية 2024 على رأس جدول الأعمال. حيث تسعى باريس لتأمين هذا الحدث العالمي الكبير في ظل التهديدات الإرهابية المتزايدة.
ولهذا الغرض، بحسب ذات المصادر، طلبت فرنسا مساعدة المغرب الذي برهن على خبرته في إدارة التجمعات الجماهيرية الكبيرة خلال تنظيمه لبطولة كأس العالم 2022 بالنيابة عن قطر.
وعقدت السلطات الفرنسية والمغربية سلسلة من الاجتماعات الأمنية رفيعة المستوى في الرباط وباريس، للتنسيق حول آليات التعاون في هذا الصدد، كما من المتوقع أن تشكل زيارة دارمانان فرصة لاستكمال هذه الجهود وتقديم اللمسات الأخيرة على الترتيبات الأمنية للأولمبياد.
وتأتي هذه الزيارة في سياق محاولة ترميم العلاقات بين البلدين بعد الأزمة الدبلوماسية الأخيرة التي شهدتها والتي كان دارمانان أحد أبرز رموزها. فقد “اتهم الوزير الفرنسي المغرب مرات عدة برفض التعاون في عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين المغاربة”، ما أثار ردوداً غاضبة من المسؤولين المغاربة.
ورغم انتمائه لليمين الجمهوري الذي يعتبر تقليديا صديقا للمغرب، إلا أن دارمانان الذي يحمل أصولا جزائرية فاجأ الكثيرين بمواقفه المؤيدة للجزائر على حساب المغرب في العديد من القضايا الإقليمية.
ويعتقد محللون أن لدارمانان دورا في ميل الرئيس ماكرون نحو اعتماد “تروبيسم جزائري” على حساب المغرب في فترة من الفترات.
فعلى سبيل المثال، عندما قامت كاترين كولونا وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة بزيارة للمغرب في محاولة لتهدئة الأزمة، أمر ماكرون دارمانان بالتوجه إلى الجزائر لطمأنة النظام هناك حيال هذا التقارب مع المغرب.
وأظهر وزير الداخلية، دارمانان في السنوات الأخيرة انحيازا واضحا لصالح الجزائر في ملف إدارة شؤون المسلمين في فرنسا. فقد عمل على تعزيز نفوذ الجامع الكبير في باريس الذي يديره شمس الدين حافظ المقرب من النظام الجزائري، على حساب مؤسسات إسلامية أخرى ذات صلة بالمغرب.
ويثير هذا القرار قلق مراقبين حيال محاولة منح النظام الجزائري المتهم بعدم الاستقرار، نفوذا كبيرا على الديانة الإسلامية الثانية في فرنسا. كما يتساءل البعض عن مدى تماشي هذا الخيار مع سياسة باريس الرامية لترسيخ “إسلام فرنسي معتدل” بعيدا عن النفوذ الخارجي.
ومن المرتقب أن يحاول المسؤولون المغاربة خلال لقاءاتهم مع دارمانان استيضاح حيثيات هذه الخيارات وكيفية التعامل معها. كما سيحرصون على مناقشة سبل تعزيز الشراكة مع باريس في مجال رعاية الجالية المسلمة في فرنسا بشكل متوازن لا يُهمش طرفاً لصالح آخر.
وفي سياق متصل، لا شك أن ملف الهجرة غير الشرعية سيحتل مكانة بارزة على أجندة المحادثات بين الجانبين، خصوصا في ظل تصاعد الضغوط على حكومة ماكرون لاحتواء هذه الظاهرة. وقد ترى المناقشات كيف يمكن للمغرب المساهمة في معالجة هذا الملف الشائك بطريقة عملية وإنسانية.
ولا يستبعد أن تشهد الزيارة مناقشات حول الوضع في الساحل الإفريقي والتهديدات الإرهابية الناشئة هناك، خصوصا أن للبلدين مصالح متشابكة في هذه المنطقة الحيوية. كما قد تتطرق المحادثات لملفات إقليمية أخرى كالأزمة الليبية.