من مخيمات تندوف، حيث “تختزل الأحلام وتصادر الحريات”، أطلقت محمودة أحميدة سعيد صرختها المدوية رافضة الاستسلام للقيود والظلم، حيث كانت النقطة الفاصلة في مسيرتها الصامدة، بعدما قررت “التخلي عن كل ما يمنحه البوليساريو للصحراويين بالمخيمات، وركبت غمار المجهول لبناء ذاتها بوسائل ذاتية”.
وفي لقاء مع عبد الوهاب الكاين، نائب رئيسة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، عبر تقنية الفيديو، كشفت محمودة النقاب عن قصتها الحزينة، تلك التي “لا تبدو مقتربة من نهايتها”، فكلما ألحت على طلب حقوقها وإنصافها، “ازدادت معاناتها مع مختلف مسؤولي البوليساريو ومشايعيهم، حيث يتعاظم التضييق والقمع والاختطاف والتعذيب والتضييق”.
بحرقة وأسى، تحدثت محمودة عن مآسي اعتقالها خمس مرات “لنفس السبب، وتحت مسؤولية نفس الأشخاص الذين يتبادلون الأدوار لحماية مصالحهم الشخصية”.
وأضافت متحسرة “على ما ضاع من عمرها”، وهي تستعيد ذكريات التحاقها بالمخيمات في السبعينيات من القرن الماضي، حين غُررت هي والكثيرون من جيلها بوعود “الرجوع إلى أرضهم في أسبوع على أبعد تقدير”.
في هذا الواقع المرير، أكدت محمودة أنه “لا أمل في الولوج لآليات إنصاف وطنية جزائرية”، لأن السلطات الجزائرية “لا تعتبر شؤون المخيمات من مسؤولياتها، ويترك أمرها لقيادة البوليساريو”. وهكذا، تصادر حقوق الإنسان وتُداس الكرامة، في صمت مريب من المجتمع الدولي.
محمودة لم تكن لتصل بصوتها إلى العالم “لولا مبادرة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية ومرافقته لها في محنتها”. على عكس “لجنة حقوق الإنسان بالمخيمات” التي لا تنجز سوى “مرافقة أمين البوليساريو والدعوة له بتجديد العهدة لاستمرار الانتهاكات الجسيمة”.
وفي لقائها، أماطت محمودة اللثام عن “وجه البوليساريو القبيح بمخيمات تندوف، الذي يخفي كذبة كبرى حول فكرة الاستقلال”. فبينما زرعوا هذه الفكرة في أذهان الآلاف، كانوا في الواقع “لا يملكون الشجاعة الكافية لمصارحة الصحراويين بسراب الحلم الذي لن يتحقق”، مكتفين بـ “تكديس الأموال والمكاسب وتأهيل أبناء القيادة وضمان شروط رغد العيش لهم في الخارج”.
قصة محمودة هي صرخة تكشف عن معاناة إنسانية مجهولة، وراء جدران المخيمات الصامتة. صوتها المتمرد يكسر حاجز الصمت، ويطالب بإنصاف لن يتحقق إلا بتضافر الجهود الدولية لفضح الانتهاكات وإنهاء هذا الواقع المرير.
هذا وقد تفاعل تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية المكون من منظمة أفريكا ووتش ومنظمة مدافعون من أجل حقوق الإنسان والشبكة الدولية لحقوق الإنسان، مع محنة المرأة الصحراوية محمودة سعيد منذ 2018، إثر اعتقالها تعسفيا من طرف عناصر تابعا لأمن البوليساريو على خلفية نزاع بين السيدة محمودة وشخص من محيط قيادي نافذ في تنظيم البوليساريو، بهدف انتزاع ملكيتها قسرا لدكاكين تجارية بالمخيمات.
ورغم لجوئها لمكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بغرض التظلم لديهم وبسط مشكلتها مع جهاز التنظيم الأمني، إلا أنها لم تتلقى أي رد لطلباتها، بل اشتد التضييق والقمع اتجاهها، وامام إغلاق كل الأبواب في وجهها، قررت الاحتجاج أمام المكاتب الإدارية الرئيسية للبوليساريو بالرابوني قصد مزيد من الضغط والتحسيس بقضيتها، بما تعانيه من انتهاكات تمس من حقوقها الأساسية، والتضييق على نشاطها التجاري ومصدر رزقها.
وترى الدكتورة أمينة لغزال، منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية ورئيسة منظمة مدافعون من أجل حقوق الإنسان، أن اختطاف السيدة محمودة احميدة سعيد، من امام مكاتب البوليساريو بالرابوني، شربة قوية لحقوق المرأة في تلك المنطقة المعزولة عن العالم والمغلقة أمام تتبع ورقابة هيئة الأمم المتحدة والياتها المختصة بحماية حقوق الإنسان، ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، في غياب تام لتوفر الصحراويين المتواجدين بالمخيمات على مركز قانوني يمكنهم من التمتع بحقوقهم المنصوص عليها باتفاقية وضع اللاجئين للعام 1951 وبرتوكولها الإضافي للعام 1967.
ويؤكد هذا الانتهاك كذلك تبرم دولة الجزائر، باعتبارها الدولة الحاضنة للمخيمات عن التزاماتها الدولية ذات الصلة، لا سيما مسؤولياتها بموجب انضمامها للاتفاقياتالدولية الأساسية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW).
وتابعت الدكتور مينة لغزال، أن السلطات الجزائرية منحت تنظيم البوليساريو تفويضا كاملا لولايتها القانونية والقضائية والتدبيرية لتنظيم البوليساريو منذ إنشاء المخيمات في العام 1975، ومنذ ذلك الوقت، أصبح من العسير تقييم حالة حقوق الإنسان بتلك المخيمات لاستحالة ولوج الاليات الدولية لها وكذا المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان، وضعف إشراف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بسبب تغول أجهزة الأمن والمخابرات الجزائرية التي تحسب أنفاس الصحراويين بكل بقعة من المخيمات.
من جانب اخر، أكد الأستاذ عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة أفريكا ووتش، ونائب منسقة التحالف، أن هيئتهم سارعت الى إصدار بيان في موضوع اختطاف السيدة محمودة احميدة سعيد، لتسليط الضوء من جديد على قضيتها، والتحسيس بخطورة الأفعال الاجرامية التي قام بها عناصر من أمن البوليساريو في مخالفة لقواعد القانون الدولي، وتخلف لدولة الجزائر عن تحمل مسؤولياتها في حماية كل الأشخاص المتواجدين على ترابها الوطني بما يشمل الصحراويين القاطنين بمخيمات تندوف.
وتابع بالقول أن التحالف ربط قنوات تواصل مع منظمات وخبراء دوليين واليات أممية بشأن قضية الاختطاف للضغط على السلطات الجزائرية من اجل إطلاق صراح السيدة محمودة، وجبر ضررها المادي والمعنوي ومتابعة المخالفين أمام المحاكم الجزائرية، لضمان انتصافها، بالرغم من صعوب تنفيذ تلك المطالب، نظرا لتعنت الحكومة الجزائرية في مسألة إلغاء التفويض الممنوح لتنظيم البوليساريو في علاقة بتدبير قضايا الامن والتقاضي داخل المخيمات، بالرغم من توصية خبراء اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، بمناسبة فحص تقرير دولة الجزائر الرابع أمام اللجنة، لمراقبة وفاء الدولة الطرف بالتزاماتها بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وأضاف أن عقد لقاء خاص مع المختطفة محمودة احميدة سعيد، يدخل في جهود التحسيس وتعبئة الراي العام الوطني والدولي حول ضرورة مناصرة قضية محمودة وغيرها من النساء الصحراويات المحتجزات بمخيمات تندوف، قصد حث اليات الأمم المتحدة على التدخل وتشجيع السلطات الجزائربة على تحملها مسؤوليتها الكاملة في حماية الصحراويين بالمخيمات، وإيقاف عبث البوليساريو بمصائر الالاف من الأشخاص على أراضيها.
ولعل من نافل القول، أن السيدة محمودة احميدة، قد صرحت في المقابلة أن الصحراويين في المخيمات، يتعرضون بشكل مستمر للانتهاكات الجسيمة لحقوقهم، وأن أي صوت يغرد خارج السرب، قد يكون عرضة للاختطاف والتعذيب والاعتقال التعسفي وغيرها من المعاملة المسيئة والحاطة من الكرامة قصد إذلاله وجعله عبرة لمن تسول له نفسه معاكسة قادة التنظيم في تدبيرهم وفسادهم وصلافتهم في علاقة بالاشراف على شؤون المخيمات.
