بعد مرور خمسة عقود على نشأة جبهة البوليساريو، تشهد مخيمات تندوف تحولات عميقة تعكس تغيرا في الوعي الاجتماعي والسياسي لسكانها. فالجيل الجديد من أبناء المخيمات، الذين تلقوا تعليمهم في جامعات أجنبية وانفتحوا على العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدأوا يطرحون أسئلة جوهرية حول مستقبلهم ومصير قضيتهم.
هذا الجيل لم يعد يكتفي بالشعارات الثورية التي غذت أحلام آبائهم، فبدلا من ذلك، أصبحوا يقارنون بين واقعهم في المخيمات وما يرونه في العالم الخارجي، وقد أدى هذا إلى نمو تطلعات جديدة للحرية والكرامة والعيش الكريم.
وفي ظل هذه التحولات، شهدت المخيمات موجة من الاحتجاجات والانتفاضات، أصبحت جزءا من الحياة اليومية، هذه الاحتجاجات تعبر عن رفض الوضع الراهن وتطالب بتغييرات جذرية في إدارة شؤون المخيمات وفي السياسات المتبعة من قبل قيادة البوليساريو.
ومما يزيد الأمر تعقيدا، فإن التركيبة السكانية للمخيمات قد تغيرت بشكل كبير منذ نشأتها، فالبعد الثقافي والديموغرافي الذي كان يميز السكان الصحراويين في البداية قد تعرض لتحولات عميقة، مما يثير تساؤلات حول مدى تمثيل الجبهة للهوية الصحراوية الأصلية.
وفي خضم هذه التحولات، يبدو أن قيادة البوليساريو تواجه تحديات متزايدة في الحفاظ على تماسك المجتمع في المخيمات، فالجيل الجديد يطالب بمقاربات جديدة للقضية، تتجاوز الخطاب التقليدي عن “الثورة” و”الكفاح المسلح”.
وتشير هذه التطورات إلى أن مستقبل المخيمات قد يشهد تحولات جذرية في السنوات القادمة. فالجيل الجديد، بتطلعاته المختلفة وأفكاره الجديدة، قد يفرض إعادة النظر في الكثير من المسلمات التي حكمت الصراع لعقود.
ومن جهة أخرى، قال محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، إن “أزمة العطش، التي ضربت الجزائر ووصل مداها إلى مخيمات تندوف، ما هي إلا الشجرة التي تخفي غابة من الانتهاكات والمآسي، التي يعيش على وقعها المحتجزون في المحتجزون هناك”.
وزاد عبد الفتاح، وفق تصريح له خص به موقع “فبراير.كوم”، أن “فوضى التدبير تنتهي دوما بتأزم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، نتيجة تصاعد وتيرة النهب الممنهج للمساعدات الإنسانية الموجهة إلى المحتجزين خصيصا، فضلا عن التسيب الأمني الناتج عن اندحار جبهة البوليساريو الانفصالية، التي تتخبط في الفساد والاغتناء غير المشروع وبطرق ملتوية وغير قانونية”.
كما أوضح رئيس المرصد ذاته أنه “تُخصص عادة إمكانات كبيرة لحفظ كرامة المحتجزين من لدن هيئات ومنظمات دولية؛ بيد أنها لا تجد طريقها إلى مستحقيها الحقيقيين، بعدما يتم تحويلها مباشرة إلى جيوب قيادات الجبهة الانفصالية ومسؤولي الجيش الجزائري، الذين يشرفون على ضبط الوضع الأمني داخل مخيمات تندوف، في خرق سافر لحقوق الإنسان التي تنص عليها المواثيق الدولية”.